لبنان
21 شباط 2022, 06:00

الرّاعي للمسؤولين من روما: لا يمكنكم الاستمرار بامتهان هدم البلاد وإفقار الشّعب

تيلي لوميار/ نورسات
في أحد تذكار الموتى المؤمنين، رفع البطريرك المارونيّ كاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي الصّلاة من أجل الموتى المؤمنين، في قدّاس إلهيّ ترأّسه في المعهد الحبريّ البطريركيّ المارونيّ في روما.

وللمناسبة، ألقى البطريرك الرّاعي عظة قال فيها:

"1- إنّ ليتورجيّتنا المارونيّة تستذكر في هذا الأحد وخلال هذا الأسبوع موتانا المؤمنين بالرّبّ، وخلال هذا الأسبوع نحن نصلّي لعموم الموتى ولموتانا بشكل خاصّ، وأستذكر معكم بشكل خاصّ والدة المطران رفيق الورشا أخانا في الأسقفيّة والمعتمد البطريركيّ لدى الكرسيّ الرّسوليّ ورئيس المعهد الحبريّ البطريركيّ المارونيّ في روما، وقد ودّعنا معه الوالدة العزيزة المرحومة نينات منذ ما يقارب الشّهر في لبنان، كما ونستذكر معكم الصّديق القديم الّذي تعرفونه جميعًا وقد ربطتني به صداقة مميّزة مع عائلته أيضًا فعملنا معًا فترة طويلة في راديو الفاتيكان هو المرحوم جميل غبريل الّذي نحتفل بمرور سنة على وفاته.

2- يسرّني أن أحتفل معكم بهذه الذّبيحة الإلهيّة بحضوركم جميعًا وأخصّ بالتّرحاب سيادة أخينا المطران يوسف سويف رئيس أساقفة طرابلس وكما وسيادة أخينا المطران يوحنّا رفيق الورشا ووكلاء الرّهبانيّات المارونيّة المعتمدة لدى الكرسيّ الرّسوليّ، والآباء الأحبّاء وكلّ الحاضرين معنا الّذين أفرح بلقائهم كلّما زرنا روما.

3- تدعونا كلمة الله في هذا الأحد المبارك إلى جمع الإيمان بالمحبّة، ونعني بذلك ترجمة المحبّة والإيمان خدمة للمحتاجين والمعوزين، إنّ المعضلة الأساسيّة في إنجيل الغنيّ والفقير ليست موضوع الغنى بحدّ ذاته لأنّ بإمكانه أن يكون نعمة حين ندرك كيف نوظّفه في خدمة الإنسان وصون كرامة الشّخص البشريّ. المشكلة الأساسيّة.

4- إنّ هذا الغنيّ الّذي يخبر عنه إنجيل اليوم قد قسّى قلبه وأغلق يده وبابه بوجه إخوته البشر المحتاجين، والأهمّ أنّ فقير إنجيل اليوم هو صورة حيّة لعدد كبير من أبنائنا المعوزين في ظلّ كلّ هذه الظّروف الرّاهنة، لعازر الفقير يمثّل المحتاج للطّعام للمأوى للرّاحة للدّواء للسّلام ولكثير من الحاجات المادّيّة والجسديّة والمعنويّة والرّوحيّة، كلّ محتاج يطلب قلبًا مفتوحًا ويدًا معطاء، كلّنا لعازر نحتاج بفقرنا أحيانًا الرّوحيّ أكثر من المادّيّ للعودة إلى رحمة الله والتّعاطي مع بعضنا البعض بمحبّة وإيمان، وحدهم المؤمنون يستطيعون أن يحبّوا بعضهم البعض ويخدموا بعضهم البعض على غرار السّيّد المسيح. يقول مار يوحنّا الصّليبي: "في خاتمة العمر سوف ندان على الإيمان المترجم أعمال محبّة ورحمة، إنّ جواب إبراهيم للغنيّ بعد طلب هذا الأخير أن يرسل لعازر إلى إخوته وأهله فيخبرونهم عن عذاب النّار، كان جوابًا صارمًا: "لديهم موسى والأنبياء".

فالأنبياء يمثّلون كلمة الله وهي بين أيدينا نصغي إليها ونسمعها وإن عملنا بها نلنا النّصيب الأفضل، نصيب لعازر الفقير.

هذه الكلمة الّتي تحيينا من خلال الكنيسة، من خلال قدّاسنا والصّلوات هي الدّليل الحقّ لعيش الإيمان وترجمته أعمال حبّ وخدمة، نحن نصلّي معكم اليوم كي نعود بذواتنا وضمائرنا إلى نواة إيماننا ومحبّتنا.

5- أسمح لنفسي أن أوجّه نداء من هنا، من روما إلى المسؤولين في لبنان بضوء إنجيل اليوم، إنجيل الإيمان والمحبّة، لأقول: لا يمكننا أن نستمرّ في لبنان على النّحو الّذي نسير فيه. لا يمكنكم أنتم المؤتمنون على مقدّرات البلاد، على المال العامّ، على المرافىء والمرافق، على العلاقات مع الدّول، على القيمة الوطنيّة الموجودة من أجل خدمة شعبنا، أن تستمرّوا بتبديدها وبتعطيلها وبانهيار البلاد وبتهجير الشّعب اللّبنانيّ من أرضه. لا يمكنكم الاستمرار بامتهان هدم البلاد وإفقار الشّعب بالرّغم من كلّ النّداءات من العالم كلّه وكأنّه يبقى أن يقبّلوا أياديهم للقيام بواجبهم وعلى رأسهم قداسة البابا فرنسيس الّذي لا يترك مناسبة إلّا ويوجّه نداء لهم. أنا معكم من روما أجدّد النّداء لهم والصّلاة من أجلهم وخاصّة من أجل المسؤولين الّذين يخافون الله، أصحاب النّوايا الصّالحة كي يلهمهم الله إلى السّبل الفضلى للنّهوض بالبلاد من انهيارها السّياسيّ والاقتصاديّ والماليّ والمعيشيّ والاجتماعيّ. ونصلّي على نيّة المسؤولين الّذين ما زالوا يتحجّرون بمواقفهم وهم يهدمون البلاد عن قصد أو عن غير قصد ويعطّلون مسيرة الدّولة ومؤسّساتها كي يمسّ الله ضمائرهم وهو وحده قادر على ذلك، لأنّ الضّمير هو صوت الله في أعماق الإنسان وليدركوا حجم المسؤوليّة الّتي هي بين أياديهم. ولكي يدرك اللّبنانيّون أنّنا نحتاج إلى شبك أيادينا معتبرين ومعلنين أنّ الأيّام الماضية قد ولّت، أيّام الحقد والبغض والانقسامات، أيّام الميليشيات الّتي تسعى إلى العودة بنا إلى الوراء إلى صفحة طويناها، إلى أربعين سنة مضت. كفى نكأ للجراح وكأنّنا أعداء لبعضنا البعض فيما نحن عائلة لبنانيّة واحدة لها دور ورسالة في هذا الشّرق، عليها أن تعرف كيف تلعب مجدّدًا هذا الدّور، في دولة الانفتاح على الجميع واللّقاء والحوار وجمال العيش معًا.  

6- معكم نصلّي على كلّ هذه النّوايا فيما نصلّي من أجل راحة نفوس موتانا والموتى المؤمنين مردّدين: "الرّاحة الدّائمة أعطهم يا ربّ، ونورك الأزليّ فليضء لهم…"".