لبنان
27 كانون الأول 2021, 06:00

الرّاعي للرّئيس عون في الميلاد: نساندكم لكي ترفعوا غطاء الشّرعيّة عن كلّ من يسيء إلى وحدة الدّولة والشّراكة الوطنيّة

تيلي لوميار/ نورسات
في عيد ميلاد الرّبّ يسوع، ترأّس البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي القدّاس الإلهيّ في كنيسة الصّرح البطريركيّ- بكركي، بحضور رئيس الجمهوريّة اللّبنانيّة العماد ميشال عون وعدد من الفعاليّات السياسية والنقابية والعسكرية والدينية والمؤمنين، بمشاركة السّفير البابويّ في لبنان جوزف سبيتري ولفيف من الأساقفة والكهنة.

في عظته الّتي ألقاها تحت عنوان "وُلِد لكم اليوم المخلّص الّذي هو المسيح الرّبّ" (لو 2: 11)، أمل الرّاعي أن يتمكّن الرّئيس عون مع المخلصين للوطن من إيجاد السّبل لتحرير الدّولة من مرتهنيها والشّعب من ظالميه ألقاها تحت عنوان "وُلِد لكم اليوم المخلّص الّذي هو المسيح الرّبّ" (لو 2: 11)، فقال:

1. لقد شئتم بمبادرة كريمة منكم المحافظة على التّقليد الحميد، وهو الاحتفال بعيد الميلاد المجيد في كنيسة الكرسيّ البطريركيّ، للصّلاة معًا والتماس نعمة الخلاص الرّوحيّ والوطنيّ، السّياسيّ والاقتصاديّ، الاجتماعيّ والمعيشيّ، من المخلّص الإلهيّ يسوع المسيح، الّذي نحتفل بذكرى يوم ميلاده، وهو "اليوم" الدّائم. "فالمسيح هو هو أمس واليوم وإلى الأبد" (عب 13). إنّ هذا الاحتفال الّذي يجمع سنويًّا رئاسة الجمهوريّة اللّبنانيّة والبطريركيّة المارونيّة يؤكّد أنّ رسالةَ هذين الموقِعين وواجبَهما واحدٌ، وهو الحفاظُ على كيانِ لبنان واستقلاله وسيادته وهويّتِه والحؤول دون ذوبانِه في أيّ مشاريع عقائديّةٍ ودينيّةٍ وجغرافيّة.

2. يسعدني باسم إخواني السّادة المطارنة، وسيادة السّفير البابويّ، والآباء، وأصحاب المقامات وهذه الجماعة من المؤمنين والمؤمنات أن أهنّئكم بالعيد، ومن خلال فخامتكم الشّعب اللّبنانيّ وأهنّئ كلّ الحاضرين، وكلّ الّذين يشاركوننا عبر وسائل التّواصل الاجتماعيّ. فلكم ولهم جميعًا أطيب التّمنّيات.

ويذهب فكرنا إلى أعزّائنا أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت الّذين يُحرمون فرحة العيد، ويُجرحون كلّ يوم بسبب عرقلة مسار القضاء والخوف على مصير التّحقيق. لكنّنا نؤمن أنّ بميلاد ابن الله إنسانًا على أرضنا، يولدون هم في السّماء أولادًا لله وشفعاء لأهلهم وللوطن. كما يذهب فكرنا إلى إخواننا اللّبنانيّين الّذين يعانون الفقر والجوع والحرمان من أبسط وسائل الحياة كالغذاء والدّواء والتّدفئة من البرد القارس، فنطالب المسؤولين في الدّولة الكفّ عن جريمة تعذيبهم وقهرهم، فيما العمل السّياسيّ يهدف إلى تأمين الخير العامّ، الّذي منه خير الجميع، وإنماء البلاد. فأيّ بشرى سارّة يحمل هؤلاء الّذين يعطّلون مسيرة البلاد لشعبنا في زمن بشرى الفرح العظيم الميلاديّ. ولكن بكلّ أسف لقد امتهنوا قهر الشّعب ولفّه بثوب الحزن والوجع بدل فرحة العيد. ولسنا ندري أهدافهم. فنأمل أن تتمكّنوا فخامة الرّئيس، مع ذوي الإرادة الطّيّبة والنّوايا الحسنة والمخلصين للبنان وشعبه، من إيجاد السّبل لتحرير الدّولة من مرتهنيها، والشّعب من ظالميه.

3. عند ميلاد المخلّص يسوع المسيح، أنشد الملائكة: "المجد لله في العلى، وعلى الأرض السّلام، والرّجاء الصّالح لبني البشر" (لو 2: 14). أنشدوا مجد الله لأنّه أعاد للإنسان بهاء إنسانيّته، فتجلّى مجده فيه، على ما يقول القدّيس إيريناوس: "مجد الله الإنسان الحيّ". هذه هي الأنسنة الجديدة الّتي دخلت العالم منذ ألفي سنة. فليعد كلّ إنسان إلى ذاته ويرى إذا كانت صورة الله ومجده يتجلّيان فيه من خلال طريقة عيشه وأعماله ومواقفه. فالقاعدة هي الحقّ والخير والجمال النّابع من الله.

4. وأنشد الملائكة "السّلام على الأرض". لأنّه إذا عاش الإنسان بسلامٍ مع الله ومع ذاته، عاش بسلام مع الخلق أجمع.

5. وأنشدوا "الرّجاء الصّالح لبني البشر". هذا الرّجاء يعطي معنى لحياة الإنسان. عندما جاء رعاة بيت لحم إلى المذود ورأوا الطّفل الإلهيّ ويوسف ومريم، "رجعوا مهلّلين فرحين ومسبّحين الله على كلّ ما رأوا وسمعوا" (لو 2: 20). رجعوا أغنياء بالرّجاء وقد وجدوا معنى لحياتهم يفوق همومها اليوميّة ورتابتها، فأكملوا سهرهم على مواشيهم وفي قلوبهم وعقولهم شعلة رجاء.

ما ينقص النّاس بالأكثر، أكانوا أغنياء أم فقراء، ليس فقط وسائل للعيش، بل وبخاصّة أسبابٌ للعيش، أيّ الرّجاء، الّذي يعطي معنى لحياتهم، وقوّة لصمودهم، ونظرة واثقة إلى المستقبل.

6. من هذا المنطلق حريٌّ بالشّعبِ اللّبنانيِّ أن يخرجَ من حَيْرتِه الوجوديّة، وبالدّولةِ أن تَستنهضَ مؤسّساتِها وتنهض من واقعِها المنهارِ الّذي أوْصلَها إليه المسؤولون على مرّ السّنواتِ إلى اليوم بفعلِ تفضيلِ نزواتِهم ومصالِحهم وولاءاتِهم المتنوِّعةِ على مصلحةِ لبنانَ والشّعب. ومن هذا المنطلق أيضًا، نُهيبُ بالحكومةِ ألّا تخضعَ للاستبدادِ السّياسيِّ على حساب المشيئةِ الدّستوريّة. فمن واجبها استئناف جلساتِ مجلسِها لئلّا يتحوّلَ الأمرُ سابقةً وعُرفًا ويقيّدَ عملَ الحكومات. إنَّ رهنَ مصيرِ مجلس الوزراء بموقفٍ فئويٍّ يُشكّل خرقًا للدّستورِ ونقضًا لاتّفاقِ الطّائف وتشويهًا للميثاقِ الوطنيّ ولمفهومِ التّوافق. هناك فارقٌ كبيرٌ بين التّوافقِ على القضايا الوطنيّةِ وبين فرضِ إرادةٍ أحَديّةٍ عمدًا على المؤسّساتِ الدّستوريّةِ وعلى جميعِ اللّبنانيّين في كلّ شاردةٍ وواردةٍ. إنّ المسؤوليّةَ الوطنيّةَ تَفرِضُ الفصلَ بين التّجاذباتِ السّياسيّةِ وعملِ مجلس الوزراء وعملِ القضاء والإدارات العامّة.

7. إنَّ وجودَ حكومة من دون مجلسِ وزراء ظاهرةٌ غريبةٌ تُبيحُ التّفرّدَ بالقراراتِ الإداريّةِ من دون رعايةِ الحكومةِ مجتمعةً وموافقتِها. إنَّ هناك مَن يريد أنْ يجعلَ النّاسَ تَعتادُ على غيابِ السّلطاتِ الدّستوريّةِ وسائرِ مؤسّساتِ النّظام بغيةَ اختلاقِ لبنانَ آخَر لا يُشبِه نفسَه ولا بَنيه ولا بيئتَه ولا تاريخَه ولا حضارتَه. لقد قَضيتم يا فخامة الرّئيس الجُزء الأوْفرَ من حياتِكم في الدّفاعِ عن لبنان السّيادة والاستقلال، ولا بدّ من إنقاذِه بمبادراتٍ جديدة من بينها اعتمادُ مشروع حيادِ لبنان.

لذلك نحن نساندكم، فخامة الرّئيس، لكي يستعيدَ لبنان توازنه وموقِعَه في العالمِ العربيٍّ وبين الأمم. نساندكم لكي تَرفعوا غطاءَ الشّرعيّةِ عن كلِّ مَن يُسيء إلى وِحدةِ الدّولةِ والشّراكةِ الوطنيّةِ، إلى النّظامِ الدّيمقراطيّ ودورِ الجيشِ اللّبنانيِّ وعملِ القضاء، ويَمنعُ تنفيذَ الدّستورِ والقراراتِ الدُّوليّة. ولقد لَمستُم مدى الضّررِ الّذي ألْحَقه هذا الواقعُ القائمُ بعهدِكم الّذي أردُتموه، لدى انتخابِكم، عهدَ إصلاحٍ وتغييرٍ وتثبيتِ هيبةِ الدّولة.

في هذا السّياق نؤيّد بقوّةٍ التزامكم بإجراءِ الانتخاباتِ النّيابيّةِ في الموعِدِ الدّستوريِّ. فعدا أنَّ هذه الانتخاباتِ هي استحقاقٌ دستوريٌّ واجبٌ، هي ضمانٌ لحصولِ الانتخاباتِ الرّئاسيّةِ في مواعيدها، وهي أيضًا فرصةٌ للتّغييرِ عبرَ النّظام.  

إنّه لواقعٌ محزنٌ أن تُغيّبَ الحكومةُ، فيما كان يَزورنا أمينُ عامِّ الأممِ المتّحدةِ، وفي الوقت الّذي تُفاوِضُنا فيه المؤسّساتُ النّقديّةُ الدّوليّة. وإنّه لواقعٌ مُضرٌّ كذلك أن يَتمَّ الاعتداءُ على القوّاتِ الدُّوليّةِ في الجنوبِ، والأمينُ العامُّ هنا يَختِمُ زيارتَه بعدما جَدَّدتم مع أركانِ الدّولةِ الالتزامَ بدعمِ هذه القوّاتِ وتسهيلِ مَهمّاتِها. ولا شكَّ بأنَّ هذا الاعتداءَ أَلَمَكم يا فخامة الرّئيس في الصّميم لأنّه بدا اعتداءً على هيبةِ الدّولةِ وصدقيّتها أيضًا.

8. نصلّي إلى الطّفل الإلهيّ، الّذي صار إنسانًا لكي يُصلح الإنسان، ملتمسين منه أن تكون ذكرى ميلاده ميلادًا حقيقيًّا في قلب كلّ إنسان، جاعلًا منه خلقًا جديدًا، فيكون لنا مجتمعٌ أكثر إنسانيّة، ووطن أفضل. فننشد مع الملائكة: "المجد لله في العلى، وعلى الأرض السّلام، والرّجاء الصّالح لبني البشر"، الآن وإلى الأبد.

ولد المسيح هلّلويا!".