الرّاعي: للإستفادة من هذه العزلة القسريّة والوقوف أمام الذّات والإصغاء لما يقوله الله لنا
"صرخة الأعمى وقعت في قلب يسوع، لأنّها صادرة من قلبه المؤمن. فبفضل بصيرته الدّاخليّة الرّوحيّة أدركَ أنَّ "يسوع النّاصريّ" الّذي يمرّ، إنَّما هو المسيح الآتي من سلالة داود ليحمل البصر للعميان، على ما تنبَّأ عنه أشعيا: "روح الرّبّ عليّ، مسحني وأرسلني لأنادي بعودة البصر إلى العميان" (لو18:4).
فلمّا سأله يسوع: "ماذا تريد أن أصنع لك"، لم يطلب حسنةً، بل أجاب: "يا معلّم، يا رابوني، أن أبصر". فما مكان من يسوع إلّا أن استجاب لطلبه وامتدح إيمانه: "أبصِرْ! إيمانك خلَّصك" (مر10: 51-52).
مع إخواني السّادة المطارنة وسائر أعضاء الأسرة البطريركيّة، نقيم هذه الذّبيحة المقدّسة ملتمسين من المسيح الفادي أن يشملنا والبشريّة جمعاء بالرّحمة الإلهيّة، فيما نلتمس بصرخة الإيمان مثل طيما، أعمى أريحا:
- شفاء المصابين بوباء كورونا
- نجاة الأصحّاء من هذا الوباء
- الحدّ من انتشاره وإزالته
- حماية المعتنين بالمصابين: أطبّاء وممرّضين وممرّضات وأهالي ومتطوّعين.
- البلوغ بالأبحاث العلميّة الطّبّيّة إلى إيجاد الدّواء الشّافي.
ونصلّي على الأخصّ لكي نلبّي دعوة الرّبّ يسوع لنا إلى "تمييز علامات الأزمنة وقراءتها" (متّى3:16)، بعد أن جاء فيروس كورونا غير المنظور، يفتك بالبشر في جميع بلدان الكرّة الأرضيّة، فشلَّها برًّا وبحرًّا وجوًّا وألزمَ الجميع بالعيش داخل جدران منازلهم أكانوا كبارًا أم صغارًا، أغنياء أم فقراء، أصحّاء أم مرضى، أصحاب مال ونفوذ وسلطة وسلاح، أم أناس عاديّين أم أقلّ من عاديّين.
لا أحد يعرف متى تنتهي معركة هذا الفيروس ضدّ البشريّة وجميع دول الأرض. في هذه الحالة، نحن عميان البصيرة والرّؤية. وحده المسيح، الّذي قال عن نفسه، ولا عن أحد سواه: "أنا نور العالم، من يتبعي لا يمش في الظّلام" (يو12:8)، قادر أن يخاطب العقول والإرادات والقلوب، لكي يتحرَّر الجميع من عماهم الرّوحيّ. هذا العمى، على الرّغم من الاكتشافات العلميّة والتّقنيّة والتّقدّم المذهل، قد عطَّل الرّؤيا الإنسانيّة والخلقيّة والاجتماعيّة، وظهر في انحراف العلاقات بين النّاس وتدنّي الأخلاق وفقدان الالتزام الاجتماعيّ الرّامي إلى الخير العامّ، وطغت الرّوح الاستهلاكيّة والمادّيّة والإباحيّة على المستوى الخلقيّ والسّياسيّ والاقتصاديّ والإعلاميّ.
فلا بدّ من الاستفادة من هذه العزلة القسريّة الشّخصيّة والاجتماعيّة والدّوليّة، والوقوف أمام الذّات بحضرة الله وكتبه المقدّسة، والإصغاء لما يقول لنا ولكلّ واحد وواحدة منّا... عالمٌ جديد يجب أن يولد، إنسانًا ونهجًا ومسلكًا ورؤيا تصويبيّة. ولقد وعدَنا الرّبُّ يسوع في خاتمة الكتب المقدَّسة بعهديها القديم والجديد: "هاءنذا أجعل كلّ شيءٍ جديدًا" (رؤ5:21). "فأنا هو الألف والياء، الأوّل والآخر، البداية والنّهاية" (رؤ13:22)، له المجد والتّسبيح مع الآب والرّوح القدس من الآن وإلى الأبد، آمين".