لبنان
26 حزيران 2023, 05:00

الرّاعي لراهبات مار يوحنّا المعمدان- حراش: لبنان بحاجة إلى صلواتكنّ وتقشّفاتكنّ وكلّ أنواع عملكنّ

تيلي لوميار/ نورسات
في دير مار يوحنّا المعمدان- حرشا، ترأّس البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي قدّاس الأحد احتفالاً بعيد مولد شفيع الدّير.

بعد الإنجيل، ألقى الرّاعي عظة بعنوان: إسمه يوحنّا" ( لو 1: 63) ، قال فيها:  

"1. يوحنّا هو الإسم الّذي أعلنه الملاك لزكريّا. اللّفظة بالعبريّة "يهو-حنان" تعني "الله رحوم". في الواقع تجلّت رحمة الله لزكريّا وإليصابات العجوزين بإعطائهما ولدٌ قال عنه الرّبّ يسوع: "لم يولد مثله في مواليد النّساء" (لو 7: 28). كما تجلّت في حلّ عقدة لسان زكريّا حالما كتب على لوحه "اسمه زكريّا". "وتجلّت للشّعب لأنّ الله افقتقده" (لو 1: 78). أجل رحمة الله وأمانته لرحمته، "تدوم لألف جيل" (خروج 34: 6). ما يعني أنّهما تستمرّان على الرّغم من خيانة النّاس والقصاص الّذي تستوجبه خطاياهم. فهو يقول عنه بولس الرّسول، غنيّ بالرّحمة (أفسس 2: 4)، حتّى أنّه بذل ابنه الوحيد مائتًا على الصّليب ليحرّرنا من الخطيئة. وشهد موسى في العهد أنّ "الرّبّ يهوه، إلهٌ رحوم شفوق، بطيءٌ للغضب، وغنيّ بالنّعمة والأمانة" (خروج 34: 6).

2. يسعدنا أن نحتفل معكم بهذه اللّيتورجيا الإلهيّة، تكريمًا للقدّيس يوحنّا المعمدان، في ذكرى مولده، وهو شفيع هذا الدّير التّاريخيّ المبارك، مع الأخوات الرّاهبات حاملات اسمه. فنقدّم التّهاني لحضرة الرّئيسة العامّة ومجلسها وجمهور الرّاهبات. ونعرب عن تمنّياتنا كي يبقى هذا الدّير زاهرًا، ومركز إشعاع روحيّ. فهو يرقى في تأسيسه على يد البطريرك حبيب العاقوري إلى سنة 1643، وفيه سكن المطران عبدالله قراعلي، عندما كان مطران بيروت. فساعد الرّاهبات المحصّنات وسهر على شؤونهنّ، وسنّ لهنّ قانونًا طغى عليه الطّابع النّسكيّ، وشكّل دستورًا لسائر أديار الرّاهبات المستقلّة. وأُرسلت بعض راهبات هذا الدّير إلى أديار الرّاهبات المماثلة لتدريب جمهورها على هذا القانون. فكانت حياتهنّ موزّعة بين صلاة وعمل في هذا الدّير المستقلّ، المحافظ على تقاليد أديارنا. مثل هذه الأديار كنز لكنيستنا وللبنان. ويعنينا جدًّا أن يبقى كذلك. فصلوات الرّاهبات ومَثل حياتهنّ يجلب النّفوس إلى واحته. ويرضي الله فيفيض نعمه وبركاته. أجل، مثل هذه الأديار المصلّية حاجة للكنيسة وللمجتمع.

3. رحمة الله تنبع من محبّته، وقد كشفها لنا ابنه الوحيد المتجسّد لخلاصنا. فيسوع بمحبّته ورحمته على الخطأة، تقرّب منهم، أكل على مائدتهم وأعلن أنّه أتى ليدعو الخطأة لا الأبرار (مر 2: 17)، وأعرب عن الفرح في السّماء لخاطئ واحد يتوب (لو 15: 7). وبلغت محبّته الرّحوم إلى ذبيحة ذاته على الصّليب لمغفرة الخطايا (متّى 26: 28). وكشف عمق رحمة الله بمثل الإبن الشّاطر (لو 15: 11-24).

العالم يحتاج إلى رحمة، لكي يتمكّن النّاس من أن يتصالحوا من كلّ القلب، ويتبادلوا الغفران عن الإساءات، ويعيشوا فرح المصالحة وسعادتها؛ ولكي يمارس المسؤولون العدالة والإنصاف، ولكي نعطف كلّنا على الفقراء والمعوزين. الرّحمة تنفي الظّلم والاستكبار. الرّحمة تلطّف العدالة، وإلّا أصبحت العدالة ظلمًا بدونها.  

4. الإنسان من دون محبّة ورحمة يفقد إنسانيّته، ويصبح وحشًا لأخيه الإنسان: يستغلّ ضعفه وحاجته ليكسب مال الحرام بالسّرقة والرّشوة والتّلاعب بالأسعار وفرض المال من دون وجه حقّ لقاء خدمات عامّة أو خاصّة؛ يستقوي عليه ويمارس العنف والإرهاب والتّعدّي على سلامته وحياته؛ ويحجم عن مدّ يد المساعدة له في حاجته.

تعالوا نتعلّم من مدرسة المسيح في ذبيحة القدّاس: فقد قدّم ذاته لمحبّة الآب ذبيحة كاملة من أجل خلاص الجنس البشريّ، إنّها ذروة الرّحمة وثمرتها. الرّحوم وحده يضحّي من ذاته ومن قلبه ويده. ولهذا ردّد الرّبّ يسوع بلسان هوشع النّبيّ: "أريد رحمة لا ذبيحة" (متّى 9: 13؛ 12: 7).  

أخواتنا الرّاهبات العزيزات

5. لبنان بحاجة إلى صلواتكنّ وتقشّفاتكنّ وكلّ أنواع عملكنّ. وها أنتنّ حاليًّا في صدد تحديث قوانينكنّ. فليكن جوهرها المحافظة على روحانيّة وتقاليد هذا الدّير المبارك. إحملن في صلواتكنّ لبنان وشعبه في هذا الظّرف الدّقيق: فلبنان كدولة يتفكّك بسب عناد بعض السّياسيّين ومصالحهم الشّخصيّة والفئويّة، فصلّين من أجل انتخاب رئيس للجمهوريّة بعد حوالي ثمانية أشهر من الفراغ. وعمليّة الانتخاب سهلة للغاية، إذا سلك المجلس النّيابيّ الطّريق المؤدّي إليه، فهو سهل ومستقيم أعني بتطبيق الدّستور الّذي ينصّ على أنّ "لبنان جمهوريّة ديمقراطيّة برلمانيّة" (المقدّمة).

صلّين من أجل شعب لبنان الّذي يفتقر يومًا بعد يوم بسبب السّياسيّين الّذين يهملون كلّ قدرات البلاد وإمكانيّاتها؛ وهم أنفسهم مسؤولون وحدهم عن إفقار شعب لبنان وإذلاله وتهجيره من وطنه وتجويعه.

6. أجل تعالوا نصلّي معًا، فوحده الله، إله كلّ خير وسيّد التّاريخ وحده، سائلينه أن يحمي وطننا وشعبنا ويحرّك ضمائر السّياسيّين والنّافذين والمعرقلين، بشفاعة القدّيس يوحنّا المعمدان الدّاعي دائمًا إلى التّوبة وتغيير طريقة التّصرّف في حياة كلّ إنسان. ومعًا نرفع المجد والتّسبيح لرحمة الله علينا وعلى العالم، الآب والإبن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".