لبنان
19 حزيران 2023, 09:30

الرّاعي لأساقفة المجمع المقدّس: علينا أن نتسلّح بالجرأة ونعطي صوتًا لمن لا صوت لهم

تيلي لوميار/ نورسات
في ختام أعمال السّينودس المقدّس، ترأّس البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي القدّاس الإلهيّ في بكركي، بمشاركة المطارنة، وقد ألقى على مسامعهم عظة تحت عنوان "سيكون لكم في العالم ضيق، لكن ثقوا أنا غلبت العالم" (يو 16: 33)، جاء فيها:

"1. نرفع معًا ذبيحة الشّكر لله على أنّه رافقنا بنعمته وأنوار روحه القدّوس طيلة هذا الأسبوع الّذي تدارسنا فيه المواضيع المدرجة على جدول الأعمال، واتّخذنا بشأنها قرارات وتوصيات. أتينا من لبنان والنّطاق البطريركيّ وبلدان الانتشار حاملين هموم أبناء أبرشيّاتنا إكليروسًا ومؤمنين، وواقعهم وانتظاراتهم، على مختلف المستويات الّتي تتبدّل بين دولة وأخرى، وتدور حول أزمات سياسيّة، وأخرى اقتصاديّة، وأخرى ماليّة، وأخرى اجتماعيّة، وأخرى تربويّة، فضلًا عن مرارة الهجرة من الوطن إلى بلدان أخرى والبدء من جديد. هذه من جملة المضايق الّتي ينبّهنا عليها الرّبّ يسوع ويدعونا إلى الثّقة به، إذ يقول: "سيكون لكم في العالم ضيق، لكن ثقوا أنا غلبت العالم" (يو 16: 33).  

2. ويسعدنا أن نحيي مع المؤسّسة المارونيّة للانتشار ذكرى تأسيسها الخامسة عشرة. فنحيّي رئيسها السّيّد شارل حاج، والرّئيس الفخريّ النّائب نعمة فرام ونائبة الرّئيس السّيّدة روز شويري وسائر أعضاء مكتب مجلس الأمناء، والمجلس. وفي المناسبة نلتمس الرّاحة الأبديّة لمؤسّسي هذه المؤسّسة المثلّث الرّحمة البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، والمرحوم الوزير ميشال إدّه. ونذكر معهم كلّ الّذين سبقونا الى بيت الآب. المؤسّسة تعنى من خلال مكاتبها الخمسة عشر في لبنان بإدارة السّيّدة هيام بستاني المديرة العامّة، وفي بلدان الانتشار بتسجيل قيد نفوس اللّبنانيّين المنتشرين، وبتأمين الجنسيّة اللّبنانيّة لهم. وذلك على أساس سجلّات إحصاء 1932 لإثبات الأصل اللّبنانيّ، وسجلّات الأحوال الشّخصيّة 1921-1924. إنّنا نقدّر نشاط هذه المؤسّسة وسخاء مجلس الأمناء وسواهم. فقد تمّت المساهمة في تسجيل ما يقارب 70،000 إسم في سجلّات الأحوال الشّخصيّة.

3. نعود إلى أبرشيّاتنا حاملين لشعوبنا الثّقة بالمسيح الّذي له وحده الغلبة على جميع المضايق لأنّه مخلّص العالم وفادي الإنسان، ولو بدا أحيانًا وكأنّه بعيد أو غائب. فهو يتدخّل في حياتنا ومجريات التّاريخ ساعة يشاء، وكيفما يشاء. لكنّ رسالتنا نحن الأساقفة العمل على توطيد ثقة شعبنا بالمسيح وبالكنيسة وبنا نحن العاملين باسمهما والممثّلين لهما. ففي وقتٍ فقد فيه النّاس عندنا الثّقة بالدّولة والسّياسيّين والمسؤولين، ويلتفتون إلى الكنيسة، بات من واجبنا الأسقفيّ كرعاة اختارنا الله لنكون "وفق قلبه" (إرميا 3: 15)، أن نعزّز هذه الثّقة، من خلال شهادة حياتنا ونشر إنجيل المسيح، وخدمة المحبّة في مؤسّساتنا التّربويّة والاستشفائيّة والاجتماعيّة، وتثمير مقدّراتنا في إيجاد فرص عمل لشعبنا، وتأمين عيش كريم له.

4. أمام الواقع السّياسيّ الشّاذّ الّذي يمرّ فيه لبنان، بحيث تتهدّم مؤسّساته الدّستوريّة ويُفقّر الشّعب ويُهجّر إلى بلدان أخرى يلجأ إليها حاملًا جراحه، ترى الكنيسة نفسها مصابة في صميم فؤادها وإيمانها بابن الله الّذي بتجسّدِه والفداء صار قريبًا من كلّ إنسان. فلا يحقّ لنا كأساقفة أن نصمت عن المظالم، بل علينا أن نتسلّح بالجرأة ونعطي صوتًا لمن لا صوت لهم، ونعيد دائمًا صرخة الإنجيل في الدّفاع عن المستضعفين في هذا العالم والمهدّدين والمحتَقرين والمحرومين من حقوقهم الإنسانيّة. فإنّا كرعاةٍ للكنيسة مؤتمنون على الشّريعة الإلهيّة الأخلاقيّة، لكي نحكم في صلاح الأفعال البشريّة وشرّها، بما فيها تلك السّياسيّة، في ضوء هذه الشّريعة (البابا يوحنّا بولس الثّاني: إنجيل الحياة؛ فادي الإنسان، 12).

5. وفيما شعبنا يعيش مأساته الاقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة والاجتماعيّة، جاءت جلسة انتخاب رئيس للجمهوريّة الأربعاء الماضي بكيفيّة إيقافها عن مجراها الدّستوريّ والدّيمقراطيّ، لتزيده وتزيدنا ألمًا معنويًّا، وتجرحنا في كرامتنا الوطنيّة، وتخجلنا بوصمة عار على جبيننا أمام الرّأي العامّ العالميّ، لاسيّما والجميع يتطلّعون إلى لبنان بأمل انتخاب الرّئيس، لكي يتمكّن من الخروج من أزماته.  

6. أمّا من جهتنا فلا نفضّل أحدًا على أحد، بل نأمل أن يأتينا رئيس يكون على مستوى التّحدّيات وأوّلها بناء الوحدة الدّاخليّة، وإحياء المؤسّسات الدّستوريّة، والمباشرة بالإصلاحات المطلوبة والملحّة.  

فإنّا نجّدد مع أبناء أبرشيّاتنا، إكليروسًا وعلمانيّين، ثقتنا بالمسيح الرّبّ القادر على خلاصنا. له المجد مع الآب والرّوح القدس الآن وإلى الأبد، آمين".