لبنان
06 كانون الثاني 2020, 06:00

الرّاعي: في لبنان، بابُ السَّلام هو تشكيل حكومة متحرّرة من تدخّل الأحزاب فيها وأصحاب النّفوذ السّياسيّ

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، الأحد، قدّاس يوم السّلام العالميّ في كنيسة الصّرح البطريركيّ- بكركي، وألقى للمناسبة على ضوء رسالة البابا فرنسيس الّتي أًصدرها للمناسبة بعنوان "السّلام مسيرة رجاء: حوار ومصالحة وتوبة".

وقال الرّاعي في هذا السّياق: 

"1. فيما نُحيي في هذا الأحد تذكار وجود الرَّبّ في الهيكل، وعيدَ العائلة المقدَّسة، نحتَفِلُ أيضًا باليوم العالميّ الثَّالث والخمسين للسَّلام. وقد وجَّه للمناسبة قداسة البابا فرنسيس كالعادة رسالةً بعنوان: "السَّلام مسيرة رجاء: حوارٌ ومصالحةٌ وتوبةٌ بيئيَّة"(8كانون الأوَّل 2019). ننقُلُ مضمون هذه الرِّسالة بإيجازٍ، لكي نجعَلَ من السَّلام، وهو عطيَّةٌ من الله، التزامًا في بنائه كلَّ يوم على أساسٍ من الرَّجاء والحوار والمصالحة واحترام البيئة الطّبيعيَّة.

2. اللَّجنة الأسقفيَّة "عدالة وسلام"، برئاسة سيادة أخينا المطران شكرالله- نبيل الحاج، رئيس أساقفة صور، الّتي تُنظِّم هذه الاحتفال، شاءت أن تدعوَ إليه الإخوة والأخوات من ذوي الاحتياجات الخاصَّة، لكونهم جماعة سلامٍ، وحاملي جراحات المسيح لفداء العالم. فنُحَيِّيهم، ونُحَيِّي أهلَهم والمؤسَّسات الاجتماعيَّة الّتي تَعتَني بهم وبخاصَّةٍ المؤسَّسات المُشاركة والقيِّمين عليها والمُحسنين والمحسنات، ونُحيِّي معالي وزير الشُّؤون الاجتماعيَّة الحاضر معنا. ونغتنمها فرصةً لنَحُثَّ الدَّولة على تعزيز هذه المؤسَّسات بدفع مستحقَّاتها في حينها ورفع سقفها. فهي تؤدِّي خدمةً اجتماعيَّةً، إنسانيَّةً وتربويَّةً وتأهيليَّةً، لا تستطيع الدَّولة القيام بها، بل تَقوم مقامها في هذا الواجب.

3. ونُرحِّببجمعيَّة مار منصور دي بول،وجامعة بني ضو، رئيسًا وعمدةً وأعضاء. ونُعرِبُ لجميع الحاضرين عن تهانينا وتمنّياتنا القلبيَّة بمطلع العام الجديد 2020، الّذي نَرجُوه، من جودة الله، في كلِّ المنطقة المشرقيَّة المهدَّدة بأخطار الحروب، عامَ خيرٍ وسلامٍ واستقرارٍ سياسيٍّ واقتصاديٍّ ومعيشيّ. أمَّافي لبنان، فبابُ السَّلام هوتشكيل حكومةٍ متحرِّرَةٍمن تدخُّل الأحزاب فيها وأصحاب النُّفوذ السِّياسيّ. فهؤلاء إذا واصَلُوا نهج المحاصصة والإقصاء والتَّفرُّد، يُفشِّلون الحكومة في مهدها، ويُعَادُون الشَّعب اللُّبنانيَّ بعد ثمانين يومًا من انتفاضته، وكأنَّه لم يفعلْها. فتيقَّظُوا أيُّها المسؤولون السِّياسيُّون، وتجرَّدُوا من مصالحكم الخاصَّة وحساباتكم، ولا تعتدُّوا بمالكم وعتادكم ومكانتكم، بل كونوا صانعي سلام. فيَكفيكم هدمًا للدَّولة ومؤسَّساتها، وزَجًّا لها في المزيد من حالات الإفلاس، وإفقارًا للشَّعب، وانتهاكًا لكرامته. وفي كلِّ حالٍ يبقى رجاؤنا وطيدًا باللَّه وحده، القادر على مَسِّ الضَّمائر وتحرير القلوب. وإليه نُصلِّي من أجل هذه الغاية.

4. يتناول البابا فرنسيسموضوع السَّلامفي أربعة وجوهٍ:

- السَّلام مسيرة رجاءٍ بوجه العقبات والمحن.

- السَّلام مسيرة إصغاءٍ مبنيَّةٍ على الذَّاكرة والتَّضامن والأخوَّة.

- السَّلام مسيرة مصالحةٍ في الشَّركة الأخويَّة.

- السَّلام مسيرة توبةٍ بيئيَّةٍ.

ويُنهي قداستُه بالتَّأكيد على أنَّ السَّلام ثمرة الرَّجاء.

5. كثيرٌ من العقبات والمِحَنتَعتَرِض السَّلام. وأهمُّها الحروب والنِّزاعات المتزايدة الّتي تَضرِبُ على الأخصِّ الأكثرَ فقرًا وضعفًا؛ سلاسل الاستغلال والفساد الّتي تُغذِّي البغض والعنف؛ حرمان العديد من الرِّجال والنِّساء والأطفال والمسنِّين من كرامتهم وسلامتهم البدنيَّة وحرِّيَّتهم، بما فيها الحرِّيَّة الدِّينيَّة، ومن الأمل بالمستقبل؛ وأخيرًا لا آخرًا الاذلال والاقصاء والظُّلم.

6. يُبنَى السَّلام من خلال مسيرة إصغاءٍ مرتَكِزةٍ على الذَّاكرة والتَّضامن والأخوَّة.

فالإصغاءالمتبادَل يُنمِّي معرفة الآخر وتقديرَه، ويَنظُرُ إليه كأخ، ولو كان عدوًّا. وبذلك يكون السَّلام مشروعًا يُبنَى كلَّ يوم. العالم لا يحتاج إلى كلامٍ فارغٍ، بل إلى شهودٍ راسخين في قناعاتهم، وإلى صانعي سلامٍ منفتحين على الحوار من دون إقصاءاتٍ وتلاعباتٍ. لا يُمكن الوصول إلى سلامٍ حقيقيٍّ إلّا عندما يَقوم حوارٌ مُقتنِعٌ بين رجالٍ ونساءٍ يبحثون عن الحقيقة.

والذَّاكرةالّتي تَشمَلُ الحروب المدمِّرةَ للحجر والبشر، ضروريَّةٌ ليس فقط لكي نتجنَّبَ الأخطاء السَّابقة ونعود إليها من جديد، بل أيضًا لكي لا يُعاد طرح المخطَّطات الوهميَّة الماضية، وكذلك لكي تُساعِد، بفضل الخبرة، على رسم الطَّريق لخياراتٍ سلميَّةٍ حاليَّةٍ ومستقبليَّةٍ. الذَّاكرة هي أفق الرَّجاء.

التَّضامن، الّذي يَنبَع من ذكريات الحروب والنِّزاعات، يستطيع إلهام خياراتٍ شُجاعةٍ، بل بطوليَّة، كما يستطيع تحريكَ طاقاتٍ جديدةٍ، وإشعالَ آمال جديدةٍ لدى الأفراد والجماعات.

أمَّا الأخوَّةفتَرتَكز على أصلِنا المشترك من الله، وتُمارَس بالحوار والثِّقة المتبادلة. إنَّ الرَّغبة في السَّلام مكتوبةٌ في قلب الإنسان. ويجب ألاَّ نَقبَل بأقلِّ من ذلك.

7. السَّلام مسيرة مصالحة في الشَّركة الأخويَّة

كلمات الأنبياء في الكتاب المقدَّس تَعود بالضَّمائر والشُّعوب إلى عهد الله مع البشريَّة. وهو أن نتخلَّى عن الرَّغبة في التَّسلُّط على الآخرين، ونتعلَّم أن ننظُرَ إلى بعضنا البعض كأشخاصٍ، وكأبناءٍ لله، وكإخوةٍ. نَستَنيرُ في هذا المسعى بالحوار بين بطرس ويسوع: "يا ربّ، إذا أخطأ إليَّ أخي، كم مرَّةً أغفِرُ له، أسبعَ مرَّاتٍ؟" أجابه يسوع: "لا أقولُ لكَ سبعَ مرَّاتٍ، بل سبعين مرَّةً سبع مرَّاتٍ" (متّى 18: 21-22).

مسيرة المصالحة تَدعُونا لنجِدَ في عمق قلوبنا القوَّة على المغفرة، والقدرة على الاعتراف بأنَّنا إخوةٌ وأخواتٌ. وهذا ما يَجعَلُنا رجالَ ونساء سلامٍ على كلٍّ من الصَّعيد الاجتماعيّ والاقتصاديّ والسِّياسيّ.

8. السَّلام مسيرة توبةٍ بيئيَّةٍ، يَدعونا إليها عداؤنا وعدم احترامنا لبيتنا المشترَك، والاستغلالُ التَّعسُّفيُّ للموارد الطَّبيعيَّة الّتي تُعتَبَر كأدواتٍ مُفيدةٍ لتحقيق الرِّبح اليوميّ، دونما احترامٍ للمجتمعات المحلِّيَّة، وللخير العامّ والطَّبيعة.

مسيرة المصالحة مع الطَّبيعة تَجعلُنا نتأمَّل العالم الّذي أُعطِيَ لنا من الله، لنصنعَ منه بيتنا المشترَك. كلُّ الخلق أُعطيَ لنا "لنَحرُسَه ونَحرُثَه" (تك 15:2). لذا، مطلوبٌ منَّا أن نوجِّه نظرةً جديدةً إلى الحياة، معتبِرين سخاء الخالق الّذي وهبَنَا الأرض ودعانا لنتقاسمَها بفرح.

9. ويَختتِمُ البابا فرنسيس بأنَّالسَّلام ثمرة رجائنا، فبدونه لا يُمكن الحصول عليها. هذا الرَّجاء يَعني الايمان بإمكانيَّة السَّلام، وبأنَّ الآخر يَحتَاجُ مثلنا إلى سلام. من هذا الواقع نفهم محبَّة الله لكلِّ واحدٍ منَّا، وهو حُبٌّ مُحرِّرٌ من دون حدودٍ، لا يَمَلّ.

الخوف غالبًا ما يكون مصدر النِّزاع. مع ذلك لا يغيب عن بالنا أنَّنا أبناءٌ محتاجون أمام الله الّذي يُحبُّنا وينتظرُنا، مِثل والد الابن الضَّالّ (لو15: 11-24). إنَّ ثقافة اللِّقاء كإخوةٍ وأخواتٍ تَقطَع الرِّباط مع ثقافة التَّهديد، وتَسيرُ بنا إلى تجاوز حدود آفاقنا الضَّيِّقة، لكي نتَّجه دائمًا إلى عيش الأخوَّة الشَّاملة، كأبناءٍ لأبٍ سماويٍّ واحد. يَعضُدُنا في هذا المسعى سرُّ التَّوبة الّذي يُجدِّد الأشخاص والجماعات، ويَدعونا لنرفعَ نظرَنا إلى المسيح الّذي صالحنا بدم صليبه مع الله والخلق كلِّه (كول20:1).

10. ويُنهيقداسة البابا فرنسيسرسالته بهذا الدُّعاء:

يا إله السَّلام، باركْنا وهلمَّ لمعونتنا.

يا مريم، أمَّ أمير السَّلام، وأمَّ جميع شعوب الأرض، رافقينا واعضدينا في مسيرة المصالحة،

خطوةً خطوة.

فليتمكَّنْ كلُّ إنسانٍيأتي إلى العالم، من اختبار وجود السَّلام، ويُحقِّقْ تمامًا وعدَ الحُبِّ والحياة الّذي يَحمِلُه.

إنّنا نذكر قداسة البابا فرنسيس في صلاتنا اليوم لكي يحقق الله أمنياته في خدمة السّلام في العالم بأسره."