الراعي في عيد القديس شربل:النواب يحرموننا من رئيس ومشرعين الأبواب أمام الفوضى والفساد في المؤسسات
بعد تلاوة الإنجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان: "الزرع الجيد هم أبناء الملكوت" (متى 13: 38)، ومما جاء فيها:"القديس شربل، الذي يتلألأ كالشمس في ملكوت الآب، هو هذا "الزرع الجيد" الذي زرعه المسيح على مثاله في أرض لبنان. زرعه في بقاعكفرا، على مشارف الوادي المقدس، حيث عاش مسيحيته بالإيمان والصلاة والممارسة الدينية، في البيت وفي حياة الرعية وفي مجتمعه. وكانوا يلقبونه "بالقديس"؛ وزرعه في الكنيسة المارونية، فحافظ على روحانيتها المسيحانية المبنية على تجسد ابن الله إنسانا، والمستمدة من مجمع خلقيدونية (451) وعلى روحانيتها المارونية المستلهمة من مجمع أفسس 431؛ وزرعه في الرهبانية اللبنانية المارونية فتكرس لله وللكنيسة بالنذور الرهبانية الثلاثة: الطاعة والعفة والفقر، التي عاشها فضائل إنجيلية ببطولة، ثم في دير مار مارون عنايا مبتدئا، ثم في دير مار قبريانوس ويوستينا كفيفان دارسا الفلسفة واللاهوت على يد معلمه الأب نعمة الله الحرديني (القديس بعده)، وأخيرا من جديد راهبا في دير مار مارون عنايا. وعاش الحياة النسكية التقليدية في محبسة القديسين بطرس وبولس على جبل عنايا. وأضحى ذبيحة كاملة للمسيح في التقشف والإيمان والصلاة والعمل اليدوي في الحقل، حتى تماهى كليا مع المسيح الذبيح والفادي".
أضاف: "القديس شربل يجمعنا في يوم عيده، من قريب وبعيد، من لبنان والخارج، ويسكب نعم السماء على المؤمنين والمؤمنات بفضل شفاعته المقبولة لدى الله، الذي جعله عابرا للقارات، ويخاطب قلوب الناس في أوطانهم المختلفة، وأضحى مكرما على وجه الكرة الأرضية قاطبة. هذا هو معنى كلام المسيح الرب عن أبناء الملكوت الذين، إذا حافظوا على هذه البنوة بإخلاص وأمانة "يتلألأون في ملكوت الآب" الذي هو الكنيسة الممجدة في السماء، والكنيسة المجاهدة على الأرض".
وتابع: "يسعدني أن أحتفل بهذه الليتورجيا الإلهية قرب ضريحه، وفي رحاب هذا الدير الذي ينشر فيه القديس شربل عطر قداسته، بمشاركة قدس الرئيس العام والآباء المدبرين العامين ورئيس الدير والكهنة الستة الجدد وسائر الآباء من أبناء الرهبانية اللبنانية المارونية الجليلة. إنني أهنىء الرهبانية العزيزة بعيد سليلها القديس شربل، وبالآباء الكهنة الجدد. والتهنئة صلاة نرفعها إلى الله، بشفاعة القديس شربل، ملتمسين فيض النعم السماوية على الرهبانية وأبنائها، وعلى جميع الذين يؤمون ضريحه المقدس. نرجو كلنا نوال نعمة الاقتداء بالقديس شربل في المحافظة على هويتنا المسيحية "كزرع جيد" زرعه المسيح فينا بالمعمودية والميرون. فبالمعمودية أصبحنا أبناء الله، وأعضاء في جسد المسيح السري. وبالميرون أصبحنا هيكل الروح القدس الفاعل فينا بمواهبه السبع: الحكمة والعلم والفهم لتثقيف الإيمان والعقل، المشورة والقوة لإنارة الإرادة وثبات الرجاء، التقوى ومخافة الله لإزكاء محبة الله في القلوب والسهر على مرضاته. لقد زرعنا في العائلة والمجتمع والدولة ويريد أن يكون حاضرا بواسطتنا في كل واحدة منها، لكي يقدسها ويرقيها".
وقال: "نحتفل بعيد القديس شربل وفي القلوب غصة وألم من جراء الحالة السياسية والاقتصادية المذرية التي نعيشها في لبنان. فنواب الأمة، الذين مددوا ولايتهم مرتين مخالفين الدستور، يكشفون يوما بعد يوم عجزهم وفشلهم، ويفقدون مبرِر وجودهم بل الحاجة إليهم، فيما يعطلون بنفسهم المجلس النيابي وسلطتهم التشريعية، ويحرمون بلادنا من رئيس منذ سنتين وشهرين، مشرعين هكذا الأبواب أمام الفوضى والفساد والتعثر في المؤسسات. والحالة الاقتصادية في تراجع مخيف، ويقابلها دين يتآكل الخزينة، وسرقة للمال العام في كل مشروع تقره السلطة الإجرائية، وفقر متزايد يشد على خناق الشعب اللبناني ويدفع به إلى الهجرة، ولاسيما بعد إغراق البلاد بالنازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين".
أضاف: "تؤلمنا الحروب الدائرة في سوريا والعراق وفلسطين وسواها وتنامي الحركات الأصولية والتنظيمات الإرهابية التي تهدم وتقتل وتشرد المواطنين الآمنين. أما الأسرة الدولية فلا تبالي، ومنظمة الأمم المتحدة لا تقوم بواجب إيقاف الحروب وإيجاد حلول سياسية للنزاعات القائمة التي باتت تشمل دولا إقليمية ودولية، وبواجب توطيد سلام عادل وشامل ودائم، وبواجب العمل الجدي والضامن لعودة جميع النازحين واللاجئين والمخطوفين إلى بيوتهم وأراضيهم".
وتابع: "آلمنا جدا العمل الإرهابي الوحشي الذي جرى أول من أمس في مدينة Nice بفرنسا، وأسقط أربعة وثمانين قتيلا ومئتي جريحا. فإنا نقدم التعازي لعائلاتهم ونصلي من أجلهم، بل نقدم التعازي الحارة للرئيس فرنسوا هولاند وكل الشعب الفرنسي الصديق وللسفارة الفرنسية في بيروت. وآلمنا ايضا سقوط قتلى وجرحى في تركيا من جراء الأحداث الداخلية أمس. فإننا نصلي الى الله كي يلهم المسؤولين السبل الفضلى لحل النزاعات القائمة ووضع حد لمسلسل التفجيرات الذي يزعزع الاستقرار في البلاد".
أضاف: "إننا نضع كل هذه الآلام والهموم في قلب القديس شربل، لكي يسير بها إلى ما هو خير وعدالة وسلام. الكنيسة من جهتها تجدد التزامها بالمحافظة على شعبها، ومساعدته عبر مؤسساتها التربوية والاستشفائية والإجتماعية والإنمائية وتوفير فرص العمل له فيها وفي أوقافها وممتلكاتها؛ وتجدد الالتزام بالوقوف إلى جانب شعبها بعملها الروحي والراعوي، والمحافظة على وحدته وتضامنه.
وفيما تقدر الكنيسة ما يقوم به المجتمع الأهلي من نشاطات ترفيهية ومهرجانات، لإخراج الناس من همومهم ويأسهم، فهي ترجو الاعتدال، وتجنب هدر المال، والأخذ بعين الاعتبار العائلات الفقيرة ومساعدتها في ظروفها الصعبة".
وتابع: "ملكوت السماء الذي يشرحه الرب يسوع في مثل الزارع والقمح والزؤان، هو حضور الله في الإنسان، وبواسطته في المكان الذي يعيش فيه. لقد فتح القديس شربل كيانه كاملا أمام الله لكي يلج إلى أعماقه، فأضحى كله حياة في الله بامتياز. لقد عاش اتحادا عميقا بالله في سر القربان، في قداسه اليومي الذي جعله محور حياته وكل أعماله ومصدر روحانيته. فكان يواصل اتحاده بالله وبذبيحة المسيح الخلاصية، بصمته المتواصل وانفراده العميق وإفناء ذاته في ذبيحته الشخصية حتى أنه وحد جسده وحياته كلها بذبيحة القربان عبر اتحاد متدرج، استمر سبعين سنة. وقد سقط أرضا بفالج صاعق وهو يرفع جسد الرب ودمه للمرة الأخيرة في ذبيحة القداس، فيما كان يتلو صلاة "يا أبا الحق هوذا ابنك ذبيحة ترضيك، فاقبله...". هكذا اكتمل اتحاد شربل بالله وبذبيحة الفداء".
وقال: "أجل، كانت حياته اتحادا متدرجا بالله. وقد ظهر هذا الاتحاد المتدرج في زهده والتمرس بالأعمال الروحية، بالصلاة والصوم والإماتة وإخلاء الذات؛ بفضائل الطاعة والعفة والفقر والتواضع التي عاشها كاملة على خطى المسيح؛ بحريته الداخلية وتجرده من جميع خيرات الدنيا وحطامها؛ بإكرامه المحب للعذراء مريم وتلاوة ورديتها يوميا، راكعا منتصبا ويداه مضمومتان إلى صدره. فكان يجد في هذا الإكرام سلامه الداخلي. وكان يردد للزوار: "إذا أردتم أن تخلصوا بسهولة وأمان، فتعبدوا لمريم العذراء".
وختم الراعي: "أيها القديس شربل، نسألك أن تشفع بنا لدى الله، وبوطننا وبمنطقة الشرق الأوسط الجريحة، التي أنت ابنها، كي يساعدنا بنعمته للمحافظة على طبيعة "الزرع الجيد" الذي فينا، على مثالك، ويهدي المسؤولين عندنا وفي العالم إلى طريق العدالة والسلام، من أجل الخروج من أزماتنا السياسية والامنية والاقتصادية. وإنا ننضم إليك في مجدك السماوي لنرفع نشيد المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".
تهاني العيد
بعد القداس، تقبل الراعي وعون ونعمه وبيروتي والكهنة التهاني في القاعة الجديدة لدير مار مارون.