لبنان
19 تموز 2021, 06:30

الرّاعي في عيد القدّيسة مارينا: علينا أن نصمد بالصّلاة ولا بدّ أن يتدخّل الرّبّ

تيلي لوميار/ نورسات
في عيد القدّيسة مارينا "الّتي عاشت المحنة والظّلمة، ظلمة الكذب والتّجنّي والظّلم بكلّ أبعاده وصمدت وأصبحت في عدالة الله قدّيسة"، سأل البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، خلال قدّاس إلهيّ ترأّسه في وادي قنّوبين يوم السّبت، شفاعة هذه القدّيسة، الّتي "تشعّ بمثلها وتشجّع كلّ إنسان يقع ضحيّة التّجنّي والافتراء"، "كي نصمد في هذه الأيّام الصّعبة وكي يساعد الرّبّ يسوع من يمرّ بالصّعوبات وباليأس".

وفي تفاصيل عظته، قال البطريرك الرّاعي: "اللّيل هو رمز الظّلمة سواء الرّوحيّة أو المعنويّة أو الاجتماعيّة أو المعيشيّة أو السّياسيّة أو الوطنيّة وكلّها نختبرها اليوم وتزداد قوّة. وكلّ منّا يجتاز ظلمة ما وشعبنا اللّبنانيّ ككلّ يعيش الظّلمة الكبيرة. في إنجيل اليوم، العذارى الجاهلات يمثّلن الأشخاص الّذين يستسلمون امام الصّعوبة ويقعوا في القنوط واليأس وفقدان الرّجاء بمستقبل أفضل ومع الأسف هناك أناس كثر ذهبوا ضحيّة اليأس والقنوط بسبب شدّة الظّلمة وهذا ما يعنيه الرّبّ يسوع في المثل الإنجيليّ بشأن العذارى الجاهلات اللّواتي استسلمن للرّقاد ومصابيحهن خالية من الزّيت الكافي وعندما وصل العريس لم يكنّ مستعدّات ولم يكن معهنّ زيت الإيمان والرّجاء في قلوبهنّ وعقولهنّ ولذلك كنّ ضحيّة الظّلمة .

أمّا العذارى الحكيمات فكنّ مستعدّات وهم الأشخاص الّذين اكتنزوا بقوّة إيمانهم وبنعمة الرّجاء والمحبّة فصمدوا في وجه الصّعوبات والمحن وتجاوزا الظّلمة. لذلك لا ييأسوا لأنّ زيت الرّجاء والمحبّة يملأ عقولهم وقلوبهم .هؤلاء هنّ العذارى الحكيمات اللّواتي دخلن وليمة العرس فيما اللّواتي وقعن بالقنوط واليأس حرمن من الوليمة .نحن اليوم نصلّي على نيّة كلّ الأشخاص الّذين يمرّون اليوم بظلمة ما، وهم كثر حتّى يصمدوا في الثّبات كما صمد بطاركتنا والنّسّاك مع المؤمنين في هذا الوادي المقدّس مئات السّنين. لقد صمدوا بإيمانهم وصلاتهم وأمامهم بعدان: بعد الأرض فتجذّروا فيها وبعد السّماء الّتي رفعوا إليها قلوبهم وأفكارهم بروح الإيمان والرّجاء.  

وأنا معكم اليوم من هذه الكنيسة المتواضعة ومن كنيسة القدّيسة مارينا الّتي عاشت المحنة والظّلمة، ظلمة الكذب والتّجنّي والظّلم بكلّ أبعاده وصمدت وأصبحت في عدالة الله قدّيسة لكلّ جيل حتّى نهاية الأزمنة، ورفعت على المذابح قدّيسة تشعّ بمثلها وتشجّع كلّ إنسان يقع ضحيّة التّجنّي والافتراء. نلتمس شفاعتها اليوم كي نصمد في هذه الأيّام الصّعبة وكي يساعد الرّبّ يسوع من يمرّ بالصّعوبات وباليأس. وهنا نتذكّر كلمة جبران خليل جبران الّتي ذكّرنا فيها قداسة البابا فرنسيس في كلمته الختاميّة ليوم التّفكير والصّلاة للبنان ومن أجل السّلام فيه وهي "وراء ستار اللّيل يوجد الفجر".

إنّ قصّتنا كمسحيّين لم تنته يوم الجمعة إنّما يوم الأحد بالقيامة. علينا أن نتذكّر أنّ كلّ واحد منّا لا بدّ أن يمرّ بليل ما، ونحن في لبنان تأتي قساوة الظّلمة صعبة علينا ولكن علينا نحن أن نصمد بالصّلاة ولا بدّ أن يتدخّل الرّبّ الّذي هو سيّد التّاريخ والكلمة الأخيرة له. بطاركتنا والنّسّاك والمؤمنون اعتصموا في هذا الوادي السّحيق وعاشوا مئات السّنين المقاومة بالإيمان والرّجاء والمحبّة. وانتصروا على الفاتحين والظّالمين من دون سلاح فبلغوا مرحلة الحياة في العام 1920 وطن معترف به ودولة مميّزة في هذا الشّرق تعتمد الدّيمقراطيّة والتّعدّديّة الثّقافيّة والدّينيّة وتحتضن الشّراكة الوطنيّة المتساوية بين المسيحيّين والمسلمين، وهذه الثّوابت مكّنت لبنان من حفظ دوره واستقراره وخصائصه في هذا الشّرق. وكلّما ابتعد المسؤولون السّياسيّون عن هذه الثّوابت فقد اللّبنانيّون التّوازن الوطنيّ والدّور المرجعيّ في تقرير مصير لبنان واليوم نرى كأنّ هناك مؤامرة لكسر هذا الوطن المميّز في هذه البيئة المشرقيّة الأمر الّذي يقتضي منّا السّهر والتّجذّر بالأرض والتّكاتف والتّضامن واستلهام القيم الرّوحيّة والسّماويّة.  

في هذه المغاور وأعماق هذا الوادي أعطانا أجدادنا أمثولة الصّمود وأمثولة الحياد وقالوا لقوى الاحتلال القديمة "نحن هنا ولن نغيّر إيماننا وهويّتنا ونحن هنا لا نتدخّل في شؤونكم." في هذا الوادي السّحيق يعلّمنا آباؤنا أن نعيش مثلهم البعدين: التّجذّر في الأرض ورفع القلب والعقل والفكر إلى السّماء وهذه هي روحانيّة قنّوبين وروحانيّتنا المارونيّة. وإنّي أحيّي أخواتنا الرّاهبات الأنطونيّات اللّواتي التزمن في المحافظة على هذه الرّوحانيّة. فلنصلّي كي يصمد شعبنا اللّبنانيّ ويثبت في وجه الظّلم الكبير والتّضليل والكذب والافتراء وهناك ضحايا كثر في الوزارات والإدارات وفي السّياسة وهناك شعب جائع. نضمّ صلاتنا إلى صلاة قداسة البابا فرنسيس الّذي يحمل القضيّة اللّبنانيّة في أعماق قلبه وإنّي أؤكّد لكم أنّ خلف التّحرّك الدّوليّ تجاه لبنان قداسة البابا والفاتيكان. ونحن من جهتنا نعضده بصلاتنا كي يحقّق الله أمنياته.  

في عيد القدّيسة مارينا الّتي مجّدتها عدالة السّماء نحن أيضًا مدعوّون عندما نفتقد عدالة الأرض عدالة الدّولة، أن نلجأ إلى عدالة الإيمان الّتي تحمينا من الخوف والإحباط وتزيدنا قوّة ومناعة فالظّالم ضعيف والصّامد في الإيمان قويّ وهذه هي جدليّة الإنجيل، إنجيل التّطويبات وليكن الله الآب والإبن والرّوح القدس ممجّدًا ومسبّحًا الآن وإلى أبد الآبدين، آمين".