الرّاعي في عيد البشارة وذكرى تنصيبه: ليساعدنا الله على أن نحافظ على النّعمة الّتي أعطيناها في الأسقفيّة لخير الكنيسة وتقديس أبنائها وبناتها
وللمناسبة، ألقى الرّاعي عظة بعنوان "لا تخافي يا مريم، لقد نلتِ نعمة عند الله" (لو 1 : 30)، توقّف فيها عند المناسبتين وقال:
"1. تحيي الكنيسة اليوم عيد بشارة مريم العذراء، وهو بدء حبلها بابن الله الكلمة المتجسّد بقوّة الرّوح القدس، وبداية أمومتها للكنيسة جسده السّرّيّ. فنحيّيها أمّ المسيح وأمّنا.
ونحتفل معًا بالذّكرى الرّابعة عشرة لتنصيبي بطريركًا، أبًا ورأسًا لكنيستنا الإنطاكيّة المارونيّة. فنقيم معًا هذه الذّبيحة الالهيّة، لنشكر الله على هذه النّعمة، وللاستغفار عن كلّ خطيئة وتقصير وإهمال وسوء تصرّف، سائلًا الله وإيّاكم المغفرة، ملتمسًا رضاه وموآزرتكم.
2.أشكر الله على اختياري بطريركًا بصوت آباء سينودسنا المقدّس في 15 آذار 2011. فإنّي أذكر معكم اليوم بالصّلاة سلفي المثلّث الرّحمة البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير والمطارنة الأجلّاء الّذين سبقونا إلى بيت الآب، طالبين لهم الرّاحة الأبديّة في السّماء. وأذكركم أنتم، أيّها السّادة المطارنة الأجلّاء، لأنّكم تواصلون الثّقة الّتي منحني إيّاها السّينودس المقدّس في آذار 2011. فأشكركم على موآزرتكم وعلى وحدتكم وبخاصّة على محبّتكم وصلاتكم.
وأعرب عن ولائي لقداسة البابا فرنسيس، شفاه الله وأيّده في رعاية الكنيسة الكاثوليكيّة، مع شكري وامتناني لقداسته على تجديده الشّركة الكنسيّة الّتي منحني إيّاها سلفه السّعيد الذّكر البابا بندكتوس السّادس عشر.
3. "لا تخافي يا مريم، لقد نلتِ نعمة عند الله" (لو 1 : 30).
البشارة لمريم هي للكنيسة وللبشريّة جمعاء، لأنّ مريم ستكون أمّ الاله المتجسّد، المسيح التّاريخيّ، وستكون أيضًا أمّ أعضاء جسده السّرّيّ، المسيح الكلّيّ، الّذين ستساهم بحبّها في ولادتهم الجديدة (الدّستور العقائديّ في الكنيسة، 53). أمّ المسيح الكلّيّ هي "أمّ الكنيسة" (البابا بولس السّادس، 21/11/1964). لهذا السّبب حيّاها جبرائيل بسلام الفرح والتّغبيط : "السّلام عليك! افرحي! ولا تخافي! لأنّك نلتِ نعمة عند الله" (لو 1/28 و30). هذه النّعمة هي للبشريّة بأسرها الّتي يشملها عهد الفداء. فمن مريم، الّتي حظيت بشرف الأمومة للإله وللكنيسة، تفيض بواسطتها النّعمة الإلهيّة على البشريّة جمعاء، بوصفها الشّريكة في التّجسّد والفداء. ولهذا السّبب لم يناديها الملاك باسمها عندما حيّاها، بل سمّاها "ممتلئة نعمة". هذه التّسمية تكشف سرّ مريم الغنيّ بالأوصاف.
4.يحقّق الله تدبيره الخلاصيّ بواسطة المؤمنين والمؤمنات من بني البشر، مثل مريم ويوسف وزكريّا وأليصابات ويوحنّا المعمدان والرّسل وسواهم حتّى يومنا وعلى مجرى التّاريخ البشريّ. ونحن الأساقفة من بين هؤلاء. يعلّم المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني في الدّستور العقائديّ في الكنيسة : "أنّنا بالسّيامة الأسقفيّة- بوضع الأيديّ وكلام السّيامة- نمنح نعمة الرّوح القدس، ونُطبع بالطّابع المقدّس، بحيث نصبح، بصورة فائقة ومنظورة، ممثّلين للمسيح ذاته المعلّم والرّاعي والحبر، ونعلّم باسمه" (الفقرة 21).
ويضيف المجمع: "في شخص الأساقفة... يقيم الرّبّ يسوع المسيح، الحبر الأعظم، وسط المؤمنين. وإن كان جالسًا عن يمين الله الآب، فهو ليس بغائب عن جماعة إحباره، بل يتولّى قبل كلّ شيء، بواسطة خدمتهم السّامية، تبشير جميع الأمم بكلام الله، ومنْح المؤمنين أسرار الإيمان باستمرار... وبواسطة حكمتهم وفطنتهم، يتولّى توجيه شعب العهد الجديد وتنظيمه في سيره نحو السّعادة الأبديّة. فهؤلاء الرّعاة، المختارون لرعاية قطيع الرّبّ، هم خدّام المسيح، ووكلاء أسرار الله (1 كو 4: 1)، وهم الّذين عهد إليهم بالشّهادة لإنجيل نعمة الله (روم 15: 16؛ اعمال 20 : 24) والخدمة المجيدة للرّوح والبرّ (2 كور 3 : 8-9) (الفقرة 2).
5. إنّ نعمة أسقفيّتنا تقتضي منّا أن نتمّ خدمتنا الخاصّة باندفاع وتواضع وقوّة. فإذا ائتمنّاها بهذه الطّريقة كانت لنا وسيلة تقديس مميّزة. وكوننا مدعوّين لقبول ملء الكهنوت، نُعطى النّعمة لكي، بواسطة الصّلاة والإفخارستيّا والكرازة، نتمّ وظيفة المحبّة الرّاعويّة، ونكون مثالًا للرّعيّة (1 بطرس 5). وبمثلنا ندفع الكنيسة إلى قداسة تتزايد يومًا بعد يوم (الدّستور العقائديّ في الكنيسة، 41).
6.فلنصلِّ، أيّها الإخوة الأجلّاء، إلى الله كي يساعدنا على أن نحافظ على النّعمة الّتي أعطيناها في الأسقفيّة لخير الكنيسة وتقديس أبنائها وبناتها، رافعين نشيد المجد والشّكر لله الآب والإبن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين."