لبنان
27 كانون الثاني 2025, 12:50

الرّاعي في ختام أسبوع الصّلاة من أجل الوحدة: وحدة المسيحيّين التزام من الجميع وفعل توبة وتواضع وتجرّد

تيلي لوميار/ نورسات
في ختام أسبوع الصّلاة من أجل وحدة المسيحيّين، استضافت الكنيسة الأرمنيّة الإنجيليّة الأولى- القنطاري في بيروت، خدمة صلاة مسكونيّة شارك فيها رؤساء الكنائس المختلفة.

وخلال الصّلاة، ألقى البطريرك المارونيّ مار بشارة بطرس الرّاعي كلمة جاء فيها:

"1. عندما أتى يسوع إلى بيت عنيا، بعد وفاة لعازر بأربعة أيّام، لاقته أخته مرتا وبعد حوار صغير سألها يسوع: "أتؤمنين بهذا؟" أيّ أتؤمنين أنّي "أنا القيامة والحياة، وأنّ من آمن بي وإن مات فسيحيا، وأنّ كلّ من يحيا ويؤمن بي لا يموت أبدًا؟" (يو 11: 25-26)، فأجابت: "نعم يا ربّ، أنا أؤمن أنّك أنت المسيح إبن الله الآتي إلى العالم" (يو 11: 27). وللحال مضت تدعو أختها مريم، وكأنّها توجّست عملًا ما من يسوع. فقامت مريم مسرعة وأتت إلى يسوع، وتبعها الجمع الّذي كان يعزّيها في البيت. فكانت معجزة قيامة لعازر من الموت.

2. يسعدنا أن نختتم معًا أسبوع الصّلاة من أجل وحدة المسيحيّين هنا في الكنيسة الأرمنيّة الإنجيليّة الأولى باستضافة القسّ الدّكتور بول هايدوستيان رئيس مجلس كنائس الشّرق الأوسط عن العائلة الإنجيليّة، بمشاركة رؤساء المجلس عن العائلات الكنسيّة الأخرى، لإختتام السّنة الخمسين لتأسيس المجلس. فأحيّي أمينه العامّ الدّكتور ميشال عبس، وسيادة أخينا المطران يوسف سويف رئيس اللّجنة الأسقفيّة للعمل المسكونيّ المنبثقة عن مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان.

ليست وحدة المسيحيّين موضوعًا أكاديميًّا أو مجرّد صلاة لمدّة ثمانية أيّام، لكنّ انقسام المسيحيّين جرح بليغ في جسد المسيح السّرّيّ الّذي هو الكنيسة. فمن أجل هذه الوحدة في جسد المسيح نصلّي دائمًا مع المسيح الذّي صلّى قبيل موته من أجل هذه وحدة المؤمنين به، "لكي يؤمن العالم أنّك أرسلتني وأنّك أحببتهم كما أحببتني" (يو 17: 23). وحدة المسيحيّين التزام من الجميع، وفعل توبة وتواضع وتجرّد من جميع الكنائس.

3.وفي المناسبة نحيي الذّكرى 1700 سنة للمجمع المسكونيّ النّيقاويّ، الّذي انعقد سنة 325 بعد أن خرجت الكنيسة من زمن الاضطهادات، على عهد الإمبراطور قسطنطين بإصداره مرسوم ميلانو سنة 313. دعا إليه الإمبراطور قسطنطين في مدينة نيقية القريبة من القسطنطينيّة بغية توحيد العقيدة بين المسيحيّين. فأصدر آباء المجمع الـ318 قانون الإيمان. ثمّ أكمله مجمع القسطنطينيّة الأوّل المنعقد سنة 381. فكان "قانون الإيمان النّيقاويّ- القسطنطينيّ".

4.نتأمّل هذا المساء في فضيلة الإيمان.

إنّه عطيّة من الله لكلّ إنسان، كما قال يسوع لسمعان، عندما اعترف أنّ يسوع هو المسيح إبن الله الحيّ" (متّى 16: 16)، قال: "طوبى لك يا سمعان بن يونا. لا لحم ولا دمّ أظهر لك ذلك، بل أبي الّذي في السّماوات" (متّى 16: 17). وهو فعل بشريّ تسنده النّعمة وتساعده، وليس ضدّ الحرّيّة والعقل والإرادة وكرامة الإنسان (كتاب التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة، 153-154). بل الإيمان يوجّه العقل والإرادة وينيرهما، ويوحي إليهما التّصرّف الإيمانيّ. وهذه بعض وجوه إيمانيّة.

I- نجد إيمانًا صامتًا:

5. لنفكّر بالمرأة النّازفة، فقد علّمها إيمانها بيسوع أنّها إذا استطاعت مسّ طرف ردائه تشفى من نزيف دمها المزمن (12 سنة). وهكذا حصل. فأعلن يسوع أنّ "إيمانها خلصّها" (لو 8: 44 و 48).

ولنفكّر بيائيروس الّذي بلغه خبر وفاة ابنته فيما هو في الطّريق إلى بيته مع يسوع، ليشفيها. فجاءه رسول يقول: "لا تزعج المعلّم ابنتك ماتت" فقال له يسوع: "لا تخف. يكفي أن تؤمن وهي تحيا" (لو 8: 49-50) وأكملا الطّريق معًا. فأقام يسوع ابنته من الموت (راجع لو 8: 54)، بقوّة إيمانه المقتنع والصّامت.

ولنفكّر بالرّجال الأربعة الّذين أحضروا مخلّع كفرناحوم، وإذ لم يستطيعوا الدّخول إلى البيت لكثرة الجمع، أوحى إليهم إيمانهم بثقب سطح البيت، ودلّوا المخلّع مع سريره إلى المكان حيث كان يسوع. فلمّا رأى إيمانهم، قال للمخلّع: "قم احمل فراشك واذهب إلى بيتك" (مر 2: 4-5).

في هذه الحالات الثّلاث، إيمان المرأة، كان صامتًا وخفيًّا. وإيمان يائيروس كان إيمانًا بما يقول يسوع. وإيمان الرّجال الأربعة ظهر في فعلتهم. مثل هذا الإيمان كان صامتًا وظاهرًا في الأفعال: بخوف المرأة، وبصمت يائيروس، وبفعل الرّجال الأربعة. فما أجمل هذا الإيمان المدفون في القلب والمعروف من الرّبّ يسوع الّذي يقرأ مكنونات قلوبنا، ويعرف أفكارنا ونوايانا، من دون أن نبوح بها.

II- ونجد إيمانًا ملحًّا

6.ونجد في الإنجيل إيمانًا صامدًا يطلب من يسوع الشّفاء بإلحاح. تفكّر بذاك الأبرص الّذي تجرّأ، خلافًا للشّريعة الّتي تأمره بالعيش في البرّيّة لأنّ البرص مرض معدٍ، فأتى إلى يسوع، ووقع على قدميه يتوسّل ويقول: "إذا شئت، فأنت قادر أن تطهّرني!" فتحنّن عليه يسوع، ومدّ يده ولمسه، خلافًا للشّريعة، وقال: لقد شئت فاطهر. وللحال زال برصه. وطلب منه أن يري نفسه للكاهن، ويقرّب قربانه كما تنصّ الشّريعة (مر 1: 40-42).

ونفكّر بأعمى أريحا (مر 10: 46-52) الّذي كان جالسًا على قارعة الطّريق يستعطي حسنة. فلّما سمع أنّ يسوع النّاصريّ يمرّ، بدأ يصرخ بأعلى صوته، ويدعوه بما علّمه إيمانه: "يا يسوع، يا ابن داود ارحمني!" ولمّا استدعاه يسوع وسأله: ماذا تريد أن أصنع لك، لم يطلب حسنة، بل: "يا معلّم أن أبصر" فقال له: "أبصر إيمانك أحياك" (مر 10: 52). وللحال أبصر ومشى معه في الطّريق.

ونفكّر بتلك المرأة الكنعانيّة الوثنيّة الّتي خرجت تصيح وتقول: "ارحمني، سيّدي، يا ابن داود، إنّ ابنتي يعذّبها شيطان" (متّى 15: 22). لقد سقط صراخها في قلبه، لأنّها صرخة إيمان ملحّ. لكنّه أراد امتحانه ثلاثًا ليمتدحها أمام الجمع الغفير. الإمتحان الأوّل احتقارها بعدم إعارتها أيّ انتباه. الإمتحان الثّاني قوله لتلاميذه المنزعجين من صراخها أنّه لم يُرسل إلّا للخراف الضّالّة من بيت إسرائيل. الإمتحان الثّالث إهانتها في كرامتها عندما سجدت له وقالت: "يا سيّدي ساعدني". فأجابها: لا يطرح خبز البنين للكلاب. فأجابت بكلّ تواضع: "نعم، يا سيّدي والكلاب تأكل من الفتات المتساقط عن مائدة أربابها وتحيا. حينئذٍ قال لها يسوع: عظيم إيمانك يا امرأة. فليكن لكِ ما تريدين. ومن تلك السّاعة شفيت ابنتها" (متّى 15: 22-28).

خاتمة

7. الإيمان هبة مجّانيّة من الله، وفعل بشريّ هو جواب الإنسان لله الّذي يوحي بذاته. كونه هبة يمكن أن نفقدها. فالقدّيس بولس يحذّر تلميذه تيموتاوس من ذلك: "تجنّد التّجنّد الحسن، متمسّكًا بالإيمان والضّمير الصّالح الّذي نبذه قومٌ فانكسرت سفينتهم عن الإيمان" (1 تيم 1: 18-19). فلكي نحيا وننمو ونثبت في الإيمان إلى المنتهى، يجب علينا:

- أن نغذّيه بكلمة الله، فالإيمان من السّماع.

- وأن نتضرّع إلى الله لكي يزيدنا إيمانًا.

- وأن نعمل بالمحبّة (غلا 5: 6).

- وأن نثبت في الرّجاء.

- وأن نترسّخ في إيمان الكنيسة (تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة، 162).

فلنشكر الله على هبة الإيمان الّذي هو منذ الآن بدء الحياة الأبديّة (المرجع نفسه، 163)."