لبنان
23 آب 2023, 05:00

الرّاعي في تكريس مذبح كنيسة يسوع الملك بعد ترميمها وإنارة التّمثال والواجهة: أيّها المسيح الملك، أنت وحدك سيّد العالم، وسيّد وطننا لبنان وشعبه

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس البطريرك المارونيّ مار بشارة بطرس الرّاعي القدّاس الإلهيّ بمناسبة تكريس مذبح كنيسة يسوع الملك بعد ترميمها وإنارة التّمثال والواجهة، في دار يسوع الملك– ذوق مصبح. وللمناسبة ألقى الرّاعي عظة بعنوان "كنت مريضًا فزرتموني" (متى 25: 36)، قال فيها:

"1. وقعت كلمات هذا الإنجيل في صميم قلب الطّوباويّ أبونا يعقوب، مذ كان كاهنًا شابًّا في رهبنة مار فرنسيس للآباء الكبوشيّين. وكانت الغيرة الرّسوليّة تستحثّه للتّنقل من رعيّة إلى أخرى ساحلًا وسهلًا وجبلًا، يعلّم التّعليم المسيحيّ للأطفال، ويُهيّئهم للمناولة الأولى في رعاياهم. وهو القائل: "إزرعوا القربانة في قلوب الأطفال، واحصدوا قديّسين!"

2. وانفتح قلبه بكامل الحبّ والتّحنّن على المرضى والمتألّمين بمختلف الأمراض الجسديّة والعصبيّة والعقليّة والنّفسانيّة والإعاقات والاحتياجات الخاصّة. فأسّس دير الصّليب على تلّة جلّ الدّيب ومؤسّسة مماثلة في دير القمر، ومياتم ومستشفيات ومدارس ودور للمسنّين والمسنّات.

وأَولى الكاهن المريض والمسنّ عناية خاصّة فأسّس دار المسيح الملك لاستقبال هؤلاء الكهنة، وحفظ كرامتهم الكهنوتيّة. وأسّس جمعيّة راهبات الصّليب لاستمرارية حبّه وتحنّنه ومؤسّساته.

3. رفع الصّليب على تلّتي جل الديب ودير القمر كعلامة رجاء وخلاص وفداء لكلّ إنسان، وتمثال المسيح الملك على تلّة وادي نهر الكلب حيث نقش الملوك الأباطرة والفاتحون من مختلف العصور على صخور نهر الكلب ذكرى مرورهم، فكانت النّقوش علامة اندثارهم.

شاء أبونا بعقوب رفع تمثال المسيح الملك على تلّة نهر الكلب للتّأكيد أنّ الملوك والأباطرة الفاتحين مرّوا من هنا. لكنّهم ماتوا واندثرت ممالكهم. أمّا المسيح الملك فهو حيٌّ إلى الأبد، وملكه لا ينتهي، وهو الكنيسة المجاهدة على الأرض والممجَّدة في السّماء.

4. يُسعدنا ان نحتفل مع أخواتنا راهبات الصّليب بتكريس مذبح كنيسة يسوع الملك بعد ترميمها، وبإنارة واجهتها والتّمثال، بتقدمة تقويّة من الدّكتور ادغار يمّين وزوجته، اللّذين نحيّيهما معكم بكثير من الشّكر والدّعاء إلى المسيح الرّبّ كي يُتمم نواياهما، ويقبل قربانهما لمجد الله وتقديس عائلتهما، وللخير العام الفائض من محبّة القلب الإلهيّ، ولوحدة الشّعب اللّبنانيّ بين ذراعي المسيح الملك.

5. لم يفصل الطّوباويّ أبونا يعقوب بين الكرازة بالإنجيل والبعد الاجتماعيّ. فمن بعد أن تشبّع من كلمة الإنجيل وتعليمها ساحلًا ووسطًا وجبلًا، أتته الدّعوة إلى الانطلاق في البعد الاجتماعيّ الذي بدونه يتشوّه المعنى الأصيل والشّامل لرسالة إعلان الإنجيل(البابا فرنسيس: فرح الإنجيل، 176). البعد الاجتماعيّ يعني إنماء الشّخص البشريّ إنماء شاملًا، وتحريره من كلّ العوائق التي تحدّ أو تعرقل نموّه الإنسانيّ والثّقافيّ والاقتصاديّ والأخلاقيّ.

إنطلاقًا من هذا الرّباط العضويّ بين الإنجيل وبعده الاجتماعيّ، أنشأ أبونا يعقوب مؤسّساته الاجتماعيّة المتنوّعة بتنوّع حاجات الأشخاص، وواصلت جمعيّة راهبات الصّليب إنشاء مؤسّسات أخرى في لبنان والخارج وفقًا لموهبة – carisma الجمعيّة ولحاجات إنماء الشّخص البشريّ، عملًا بكلمة القدّيس إيريناوس:"مجد الله الإنسان الحيّ".

6. في الواقع إنّ الحاجات السّت التي تشملها المحبّة الاجتماعيّة، ويعدّدها النّصّ الإنجيليّ، لا تقتصر على الشأن الجسديّ والمادّي، بل تشمل أيضًا المستويات الرّوحيّة والثّقافيّة والمعنويّة والأخلاقيّة.

فالجائع هو الذي يحتاج إلى طعام أو علم أو روحانيّة. العطشان هو الذي يحتاج إلى ماء أو عدالة أو عاطفة إنسانيّة أو معرفة. العريان هو المحتاج إلى ثوب وأثاث بيت أو صيت حسن أو كرامة. المريض هو الذي يعاني من مرض في جسده أو نفسه، أو الذي هو في حالة أخلاقيّة شاذّة كالبخل والطّمع والنّميمة والكبرياء، أو المدمن على المخدرات أو المسكّرات أو لعب القمار. الغريب هو العائش في غير بلده أو بلدته أو في محيط لا ينسجم معه. وهو الغريب بين أهل بيته الذي يعاني من عدم قبولهم أو تفهّمهم له. والسّجين هو العائش وراء القضبان، وأيضًا من هو أسير أمياله المنحرفة، أو مواقفه غير البنّاءة؛ ومن هو مستعبد لأشخاص أو لإيديولوجيات.

7. إننا نحيّي كلّ مؤسّساتنا الخيريّة والتّربويّة والاستشفائيّة والإنمائيّة التي تعمل من أجل إنماء الشّخص البشريّ إنماءً شاملًا. ونحيّي كلّ أصحاب المبادرات الخاصّة، والمحسنين الذين يسندون هذه المؤسّسات. ومعلوم أنّ هذه المؤسّسات تقوم مقام الدّولة، وتُخفّف عن أعباء مسؤوليّاتها. ولكن من المؤسف أنّ السّلطات المدنيّة تهُمل هذه المؤسّسات، وتحجب عنها المستحقّات الماليّة سنة واثنتين وثلاثًا وأربعًا من دون أيّ شعور بالمسؤوليّة، فيما هم بددّوا أموال الخرينة بالسّرقة والنّهب والتّهريب والتّبذير.

8. من أجل التّمادي في هذه الحالة يُعطّل المسؤولون بما لهم من نفوذ، انتخاب رئيس للجمهوريّة يَضع البلاد على الخطّ السّليم. وتراهم يتستّرون وراء الحوار والتّوافق، فيما الحلّ واحد ودستوريّ وهو الدّخول إلى قاعة المجلس النّيابيّ وإجراء الانتخابات الرّئاسيّة بين المرشّحين الذين باتوا معروفين. فتكون كلمة الفصل في التّصويت وفقًا للمادّة 49 من الدّستور. وهكذا يضعون حدًّا للمهزلة التي شوّهت وجه لبنان الدّيموقراطيّ البرلمانيّ الحضاريّ.

9. أيّها المسيح الملك، أنت وحدك سيّد العالم، وسيّد وطننا لبنان وشعبه. فلا تدعه فريسة أطماع الطّامعين والأشرار، نجّه من شرّهم، ومسّ ضمائر معطلّي انتخاب رئيس للدّولة من أجل مطامعهم الشّخصّيّة والفئويّة والطّائفية. لك المجد والتّسبيح مع الآب والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين."