لبنان
19 كانون الثاني 2021, 06:00

الرّاعي في التّنشئة المسيحيّة: الرّجاء طموح وشوق إلى الملء

تيلي لوميار/ نورسات
أنهى البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي مساءً، خلال التّنشئة المسيحيّة، الفصل الأوّل من الرّسالة العامّة للبابا فرنسيس "كلّنا أخوة"، وعنوانه "ظلال في عالم مغلق"، مقدّمًا "الظّلال الثّلاثة الأخيرة مع خاتمة رجاء"، قائلاً:

"الظّلّ الحادي عشر: عدوان بلا حياء ( الفقرات 44 – 46).

1. يوجد اليوم عدوانيّة اجتماعيّة تنتشر بشكل لا مثيل له بواسطة الأجهزة المحمولة والكمبيوتر. تتضمّن هذه العدوانيّة إهانات وسوء معاملة وإساءة وكلامًا مؤذيًا يشوّه صورة الآخر، وبفجور ما كان ليوجد لو كان التّواصل مباشرًا بين الأشخاص، دون أن ينتهي الأمر بتدمير بعضنا بعضًا (فقرة44).

2. هذا الواقع سمح للإيدولوجيّات بفقدان كلّ حياء. فما لم يكن ممكنًا قوله قبل بضعة سنوات دون المخاطرة بفقدان احترام العالم كلّه، يمكن اليوم التّعبير عنه بكلّ فظاعة، حتّى من قبل بعض السّلطات السّياسيّة، من دون عقاب.

يوجد منصّات تجمع أشخاصًا يفكّرون بنفس الطّريقة، تعوّق المواجهة بين الاختلافات، وتسهّل انتشار الأخبار المزوّرة والمعلومات الكاذبة، وإثارة الأحكام المسبقة والكراهيّة.

كما أنّ مصالح اقتصاديّة ضخمة تعمل في العالم الرّقميّ، تضع أشكالاً من المراقبة القادرة على التّلاعب بالضّمائر والمسارات الدّيمقراطيّة (الفقرة 45).

3. يوجد التّعصّب الّذي يؤدّي إلى تدمير الآخرين. ومن المؤسف أن يكون التّعصّب في صفوف بعض المسيحيّين شخصيًّا أو من خلال وسائل الإعلام المسيحيّة أو الكاثوليكيّة. يقوم به عادة متديّنون. يستعملون الإنترنت والمنصّات الرّقميّة لتبادل العنف الكلاميّ والتّشهير والافتراء، من دون أيّ قيمة للأخلاق ولاحترام سمعة الآخرين. نتساءل أيّة مساهمة تُقدّم لتعزيز الأخوّة الّتي يقدّمها لنا الآب المشترك؟ (الفقرة 46).

الظّلّ الثّاني عشر: معلومات بدون حكمة (الفقرات 47 – 50).

1. تقتضي المعلومات أن تكون مطابقة للواقع. هذا ما تعنيه كلمة حكمة. عندما تنتفي هذه المطابقة تكون المعلومات من دون حكمة. من أجل أن تتّصف المعلومات بالحكمة يجب الاستماع إلى الآخر، وهذه سمة من سمات اللّقاء الإنسانيّ الّذي يقبل الآخر ويوليه اهتمامًا ويرحّب به في دائرته الخاصّة. سماع كلام الآخر ورأيه من دون مقاطعته شرط أساسيّ للحوار المثمر. القدرة على الاستماع صفة محمودة.

القدّيس فرنسيس الأسيزيّ سمع صوت الله، والفقراء والطّبيعة، وحوّل كلّ ذلك إلى نمط حياة (الفقرتان 47-48).

2. من دون الصّمت والإصغاء نعرّض للخطر الهيكل الأساسيّ للتّواصل البشريّ الحكيم، فنقصي ما لا يمكن السّيطرة عليه أو معرفته معرفة سطحيّة وفوريّة. نستطيع البحث عن الحقيقة معًا عبر الحوار والمحادثة الهادئة والمناقشة الحماسيّة. إنّه مسار مثابر، ومصنوع أيضًا من الصّمت والمعاناة، وقادر على أن يجمع بصمت الخبرة الطّويلة. الكمّ الهائل من المعلومات المكتسبة من الإنترنت، وغير أكيدة صحّتها لا تصنع الحكمة، ولا تُنضج التّلاقي مع الحقيقة (الفقرتان 49 – 50).  

الظّلّ الثّالث عشر: خضوع للغير وازدراء بالذّات (الفقرات 51 -53).

هذه مشكلة الدّول الّتي هي قيد التّطوّر، إذ ترى في الدّول النّاجحة اقتصاديًّا نماذج للنّموّ. فبدلاً من أن ينمو كلّ بلد بأسلوبه الخاصّ، وأن يطوّر قدراته على الابتكار انطلاقًا من قيمه الثّقافيّة، فإنّه يعمد إلى التّقليد والشّراء بدلاً من الابتكار، فيزدري هكذا بذاته وطنيًّا. هذا الواقع تستغلّه سياسيًّا الدّول الكبيرة. لا يوجد أسوأ من تجربة عدم امتلاك جذور. تكون الأرض خصبة، وشعب يعطي ثمرًا، ويولّد غذاء، فقط بقدر ما ينسج علاقات انتماء فيما بين أعضائه، وبقدر ما يُخلّف روابط اندماج بين مختلف الأجيال والجماعات الّتي تكوّنه ( الفقرات 51 – 53).

رجاء (الفقرتان 54-55)

على الرّغم من هذه الظّلال الكثيفة، توجد لنا مسارات رجاء:  

أ– الله لا يزال يصبّ بذور الخير في البشريّة.

ب- في اختبار جائحة كورونا اختبرنا أنّ حياتنا مسنودة من أشخاص زيّنوا التّاريخ بأعمالهم: أطبّاء، ممرّضين، ممرّضات، صيدليّين، عاملين في المتاجر، عمّال نظافة، مقدمّي رعاية، عاملين في مجال النّقل، متطوّعين، كهنة، رهبان، راهبات، شبيبة أدّوا خدمات أساسيّة.

ج – الرّجاء واقع متجذّر في أعماق الإنسان.  

د- الرّجاء طموح وشوق إلى الملء، إلى الحياة المكتملة.

ه- الرّجاء جريء يعرف كيف ينظر إلى ما وراء الرّاحة الشّخصيّة والضّمانات الصّغيرة والتّعويضات الّتي تضيّق الأفق، حتّى ينفتح على المُثل العليا الّتي تجعل الحياة أكثر جمالاً وكرامة.

تعالوا نسير في الرّجاء!".