لبنان
07 آذار 2022, 06:00

الرّاعي في افتتاح حملة كاريتاس لبنان للصّوم: لبنان أمّة وُجدت لتبقى حرّة ونموذجًا وصاحبة رسالة

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي قدّاس أحد شفاء الأبرص، في كنيسة الصّرح البطريركيّ، مفتتحًا كذلك مع "كاريتاس لبنان" حملتها لصوم 2022، رافعًا الصّلاة من أجلها، سائلاً الله أن يفيض عطاياه عليها لتسمترّ في الشّهادة للمحبّة.

وللمناسبة، ألقى الرّاعي عظة تحت عنوان: "إذا شئت، فأنت قادر أن تطهّرني" ( مر1: 40(، وقال:

"1. آمن ذاك الأبرص، العائش على هامش الجماعة وخارجها بحسب شريعة موسى، بأنّ يسوع قادر أن يطهّره من برصه. فقصده متحدّيًا الشّريعة، ومدركًا أنّه يأتي إلى سيّد الشّريعة الّذي رحمته أكبر من حرفها. فجثا أمامه والتمس بإيمان وتواضع: "إذا شئت، فأنت قادر أن تطهّرني" ( مر1: 40). فما كان من يسوع إلّا استجابة طلبه، وقال: "لقد شئتُ، فاطهر" (مر 1: 41). فزال للحال برصه.

2. إنّ شفاء الأبرص من برصه الجسديّ، دليل على أنّ الرّبّ يشفي أيضًا وبخاصّة من برص النّفس والقلب والعقل والإرادة الّذي هو الخطيئة. فكما يتآكل البرص جسد المصاب حتّى وفاته، هكذا الخطيئة تتآكل القيم الرّوحيّة والأخلاقيّة والإنسانيّة وتشوّه النّفس والقلب، فيفقد الإنسان صورة الله فيه.

3. زمن الصّوم الكبير هو زمن الشّفاء من كلّ أنواع البرص الرّوحيّ والأخلاقيّ والسّياسيّ، بقوّة الصّلاة والتّوبة وأعمال المحبّة والصّوم، وفقًا للتّدابير الرّاعويّة الّتي نقلناها في رسالتنا بمناسبة الصّوم لهذا العام. فلنبدأ مسيرة الصّوم هذه ملتمسين من المسيح الرّبّ نعمة الشّفاء الرّوحيّ والتّجدّد.

4. فيما نحتفل معًا بهذه اللّيتورجيا الإلهيّة، أحيّيكم جميعًا ولاسيّما رابطة كاريتاس لبنان، بشخص المشرف علىيها باسم مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان سيادة أخينا المطران ميشال عون، ورئيسها عزيزنا الأب ميشال عبّود الكرمليّ، ومجلسها، والقيّمين على إدارتها المركزيّة وأقاليمها ومراكزها، وشبيبتها المتطوّعة، وكلّ العاملين فيها، بمناسبة افتتاح حملتها السّنويّة، وهي بعنوان معكن بتبقى الحياة، #بدعمكن_يستمرّ_ لبنان.  

ونحيّي أيضًا جامعة آل الخويري الحاضرة معنا، رئيسها السّيّد شربل الخويري، ومؤرّخ تاريخها الأديب أنطوان الخويري والعمدة والأعضاء، وكلّ الّذين أتوا من مختلف المناطق اللّبنانيّة بمناسبة الاحتفال بمئويّتها الأولى. إنّنا نثني على ما تقوم به هذه الجامعة من نشاطات تشدّ أواصر أبنائها وتواصل كتابة تاريخها بصفحاته المجيدة، وبوجوهها المميّزة، الكنسيّة والمدنيّة والثّقافيّة.

5. إنّنا نرفع صلاة الشّكر لله على ما حقّقت رابطة كاريتاس- لبنان، جهاز الكنيسة الرّاعويّ الاجتماعيّ، في خدمة المحبّة الاجتماعيّة على مختلف المجالات. فقد حقّقت خلال السّنة الماضية أكثر من 89 مشروعًا بقيمة تفوق الـ20 مليون دولارًا، على مساحة الأرض اللّبنانيّة. فتوزّعت برامجها كالتّالي:

- خدمات اجتماعيّة لأطفال ومسنّين ولاجئين ونازحين وأجانب، من مختلف الحاجات.

- حصص غذائيّة لعشرات الألوف مع مساعدات ماليّة للأكثر عوزًا.

- تأمين المأوى والمساعدات الماليّة الطّارئة والدّعم النّفسيّ والاجتماعيّ لمتضرّري انفجار مرفأ بيروت.  

- الخدمات الصّحّيّة في مراكز كاريتاس العشرة، وعياداتها النّقّالة التّسع الّتي تؤمّن الاستشارات الطّبّيّة الأساسيّة والأدوية للأمراض المزمنة، بالإضافة إلى المساعدات الاستشفائيّة.

- إهتمامات خاصّة بالأجانب، صحّيًّا واجتماعيًّا وسكنًا وقانونًا.

- القطاع التّربويّ في مراكز التّعليم المتخصّص لذوي الاحتياجات الخاصّة، والصّعوبات التّعليميّة.

- التّنمية المستدامة وتأمين فرص العمل من خلال التّعاونيّات الزّراعيّة ومراكز التّصنيع الغذائيّ، والمشاريع الرّيفيّة.

- تأمين مساكن لعائلات محتاجة.

- مطاعم تقدّم الغذاء اليوميّ لمن يطلبونه.

- مهنيّات توفّر التّعليم والتّدريب للّذين يرغبون.

إنّنا نقدّم هذه الذّبيحة الإلهيّة على نيّة كاريتاس لبنان، والمسؤولين عنها والعاملين فيها والمتطوّعين والشّبيبة، والمحسنين من حكومات ومؤسّسات دوليّة وهيئات أهليّة وأفراد من الدّاخل والخارج، سائلين الله أن يفيض عطاياه عليهم لكي يستمرّوا شهودًا لمحبّته، ويجسّدوها في محبّة المحتاجين من إخوتنا وأخواتنا.

6. إنّ الكنيسة تنادي باستمرار: لا للحرب! لا للحرب! نعم للسّلام! لا للحلول بالسّلاح! بل بالتّفاوض والطّرق الدّيبلوماسيّة والسّياسيّة. فالحرب والسّلاح لا يولّدان سوى الدّمار وقتل الضّحايا البريئة، وتهجير شعب آمن، وافتعال جرحى ومعوّقين، وهدم الإنجازات، وإفقار المواطنين، وزرع الرّعب في قلوب الأطفال، واتّساع رقعة الجوع، وإتلاف جنى العمر. ونتساءل بأيّ سلطان يفعل ذلك أمراء الحروب الّذين يأمرون بها من عروشهم وهم في مأمن عن ويلاتها؟ يعتبر آباء المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني أنّ "وحشيّة الأسلحة العلميّة من كلّ نوع المستخدمة في الحروب، تستدرج المتحاربين إلى همجيّة أدهى ممّا مضى. فإزاء هذا الوضع المحزن الّذي انحدرت إليه الإنسانيّة تذكّر الكنيسة بالقيم الثّابتة للحقوق البشريّة والمبادئ الدّوليّة الّتي يعلنها الضّمير الإنسانيّ نفسه. إنّ الأفعال الّتي تقصد مخالفة هذه الحقوق والمبادئ، والأوامر الّتي تفرض هذه الأفعال، هي جرائم" (الكنيسة في عالم اليوم، 79).

7. لذا تؤلِمنا الحربُ الدّائرةُ على أرضِ دولةِ أوكرانيا المستقلّة. ونصلّي لكي تتوقّف الحرب رحمةً بالأبرياء ولوضع حدّ للدّمار والقتل والتّشريد، وتبريدًا للغضب والبغض. ولكي يجلسَ الطّرفان لحلِّ النّزاعِ بينهما سلميًّا. وإذ نَشجُب ما يحصُلُ في أوكرانيا نؤكّدُ مفهومَ الحيادِ، لاسيّما ببعدِه الإنسانيّ. فالحيادُ الّذي ننادي به ليس منزوعَ القلبِ والشّعورِ والوِجدان، وليسَ ضِدَّ حقوقِ الإنسانِ والشّعوبِ في تقريرِ مصيرها، وليس ضدَّ القوانين الدّوليّة.

فالتّعاطفُ والتّضامنُ والوساطةُ من دونِ التّورّطِ سياسيًّا وعسكريًّا هي من صلبِ قيمِ الحيادِ الإيجابيِّ والنّاشط. وها هي جميعُ الدّولِ المحايدة في العالم قد سارعت واتّخذَت موقفًا مؤيّدًا لاستقلال دولةِ أوكرانيا وحرّيّةِ شعبِها. وفيما عزّزنا علاقاتنا مع دولة روسيا، سبق لنا أن شجبنا كلَّ الحروبِ الّتي شُنَّت على شعوبِ الشّرق الأوسط وخَرقت الحدودَ الدُّوليّة، وتعاطفْنا مع جميع الشّعوبِ المتألّمةِ والمضْطَهَدةِ في المِنطقةِ والعالم بغضّ النّظر عن انتماءاتِها السّياسيّةِ وأنظمةِ دولها.

8. نَجهدُ مع ذوي الإرادةِ الحسنةِ من أجلِ حصولِ الانتخاباتِ النّيابيّة عندنا في موعدِها لتعودَ الكلمةُ إلى الشّعب. وحَسْبُنا أن يَنطُقَ الشّعبُ بكلمةِ الحقِّ في حُسنِ الاختيارِ، وفي تجديدِ الطّاقمِ السّياسيّ، فلا يضيّعُ فرصةَ التّغييرِ. فهذا زمنُ إنقاذ لبنان لا زمنُ الحساباتِ الصّغيرة.

لا يجوز، تحت أيِّ ذريعةٍ، الالتفافُ على هذا الاستحقاقِ الدّستوريّ الملازمِ للنّظامَ الدّيمقراطيّ. وحريٌّ بالّذين يَجتهدون في اختلاقِ ذرائعَ لتأجيلِ الانتخابات، أنْ يُوجِّهوا نشاطَهم نحو توفيرِ أفضل الظّروفِ الممكنةِ لإجرائها. ونتمنّى أن يَتقدّمَ إلى الانتخاباتِ النّيابيّةِ مَن يَستحقُّ تمثيلَ المواطنين، ومَن يَتمتّعُ بشخصيّةٍ وازنةٍ، وفكرٍ إصلاحيٍّ وسُمعةٍ عطرةٍ، ومواقفَ وطنيّة. فكلُّ البرامجِ التّقنيّةِ تبقى ثانويّةً أمام البرنامجِ الوطنيّ.

الشّعب يريد نوّابًا شُجعانًا، مُحصّنين بالأخلاقِ، واثقين من أنفسِهم، مستقلِّين في قراراتِهم، حازمين في رفْضِ ما يجب أن يَرفُضوا، وحاسمين في قَبولِ ما يجب أن يَقبَلوا به. الشّعبُ يريد نوّابًا يُدركون التّشريعَ والمحاسبة، قديرين على تَحمّلِ المسؤوليّةِ ومواجهةِ الانحرافِ بكلِّ أشكالِه. فبقدرِ ما يواجِه النّوّابُ في البرلمان يوفِّرون على الشّعبِ الاحتكامَ إلى الشّارع.

ليست النّيابةُ، هذه المرّة، جاهًا وهوايةً ومُتعةً سياسيّةً، بل خِدمة ونضالًا ومواجهة ديمقراطيّة لأنّنا قادمون على حسمِ خِياراتٍ كبيرةٍ في الأشهرِ المقبلةِ، وفي العهدِ الرّئاسيِّ الجديد. فلبنان لا يستطيعُ أن يبقى في اللّادولةِ والفوضى والانهيارِ والضّياع. لبنان أمّةٌ وُجدَت لتبقى، ولتبقى حرّةً ونموذجًا وصاحبة رسالة في محيطها وعلى ضفّة البحر الأبيض المتوسّط.

9. إنّنا، ونحن في بداية مسيرة زمن الصّوم المقدّس، نسأل الله أن يقود خطانا إلى تجديد حياتنا بالتّوبة وسماع كلام الله والصّلاة، وإلى عيش المحبّة تجاه إخوتنا وأخواتنا والعائلات المحتاجة في هذه الظّروف الصّعبة والخانقة. وبهذا يتمجّد اسمه القدّوس، الآب والإبن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".