الرّاعي في اختتام نشاطات حديقة البطاركة: لدعم مسيرة تجدّد الحياة في وادي قنّوبين
شارك في الاحتفال، إضافة إلى المطران جوزيف نفّاع، النّائب جورج عطالله، والنّائب وليام طوق الّذي أقام الواحات التّذكاريّة، ونوفل الشّدراوي الّذي أقام مركز الاستقبال، رئيس الدّيوان في كرسيّ الدّيمان الخوري خليل عرب، الوكيل البطريركيّ في الدّيمان الخوري طوني الآغا، أمين سرّ البطريرك الخوري كميليو إلى حشد من الكهنة والرّهبان وأنسباء أصحاب الواحات التّذكاريّة من بشرّي وكفرصغاب والدّيمان وقنات وأعضاء مجلس أمناء رابطة قنّوبين ومهتمّين.
بداية كانت إزاحة السّتارة عن اللّوحة التّذكاريّة للواحات المنجزة، ثمّ صلاة تبريك الواحات للمطرانين فيليب شبيعة وفرنسيس البيسري والخوري يواكيم مبارك والشّاعر أنطوان مالك طوق والأديب وهيب كيروز والمحسن رشيد عريضة، شقيق البطريرك أنطون عريضة، الّذين رفعت صورهم محفورةً على خشب الأرز داخل بيت الذّاكرة والأعلام، كما رفعت صورة الخوري حنّا لحّود، خادم رعيّة وادي قنّوبين بين العامين 1932 و1977. وقد أقيمت هذه الواحات بمبادرة رابطة قنّوبين بدعم النّائب وليام طوق. وأقيمت واحة المربّية أميرة البزعوني الحلو بمبادرة لجنة وقف رعيّة الدّيمان وأصدقائها.
بعد ذلك جال البطريرك الرّاعي والحضور في بيت الذّاكرة والأعلام حيث رفعت صور أصحاب الواحات التّذكاريّة، ومنه إلى مركز الاستقبال الجديد "بوّابة قنّوبين" حيث أزاح السّتارة عن اللّوحة التّذكاريّة وقصّ الشّريط التّقليديّ، ودخل إلى المركز، مع المشاركين، حيث شغّل التّطبيق الالكترونيّ للمركز، الّذي يتيح للزّوار الاطّلاع، بالكلمة والصّورة، على اإشاءات حديقة البطاركة ومعالمها ومرافق الخدمات فيها، إلى معالم الوادي المقدّس والجوار عبر شاشة كبيرة مخصّصة لهذه الغاية.
وشرح أمين النّشر والإعلام في رابطة قنّوبين الزّميل جورج عرب، أهداف المركز وآليّات تشغيله كأوّل مركز استقبال عصريّ للوادي المقدّس، وقد أقامه رئيس رابطة قنّوبين نوفل الشّدراوي في سياق التزامه ودعمه المزمنين لتحقيق مشروع المسح الثّقافيّ الشّامل لتراث الوادي، وقال: "يتزوّد الزّوّار أو قل حجّاج الوادي من هذا المركز بالمطبوعات الإرشاديّة، وخرائط دروب المشاة، والمعالم الأساسيّة الدّينيّة والطّبيعيّة، وبأسماء الأدلّاء السّياحيّين والنّواطير وأرقام هواتفهم، وبلوازم الطّوارئ الطّبّيّة، ويشرك سائر الأبرشيّات المارونيّة بخدماته، من خلال تزويدنا بمعالم الحجّ الدّينيّ والسّياحيّ القائمة في كلٍّ منها."
وأضاف: "إنّ صورة الوادي "تشرق" من مداخله أوّلًا، وهي صورتنا، صورة هويّتنا الفريدة، وصورة تراثنا الفريد، فصورة المدخل المشوّهة هي تشويه لكلّ الصّور الأخرى. لذلك كان القرار بإتقان صورة هذا المركز المدخل لتحاكي فرادة صور قائمة في المساحات الّتي تليه في هذه الحديقة ومنها إلى عمق الوادي. فجاء ظاهرة معتّقًا مثقلًا بعرق وتعب الأوائل الّذين صنعوا تراث الوادي للتّراث العالميّ، واستمرّوا، بصلابة الصّخر والحجر، في تأدية شهادة الحياة المعيوشة في كنف البطريركيّة المارونيّة، الأمّ الحاضنة والمعلّمة الهادية، ترجمة لدعوتهم الإنجيليّة. وجاء داخله مجهّزًا بمعطيات الحداثة العلميّة لتأدية خدماته بأفضل الشّروط. ليت المعنيّين عندنا بملفّ الوادي يعتمدون هذا التّوفيق العلميّ بين تقليد التّراث الموروث وبين معطيات الحداثة، فيحافظون على خصوصيّة الموقع والحجر ويقرّون بحقوق أهله البشر."
وحيّا البطريرك الرّاعي قائلًا: "منذ سنة 2011، ولا زلتم تعلون مداميك البناء القنّوبينيّ الرّوحيّ والثّقافيّ والعمرانيّ، مؤكّدين أنّ الأولويّة للبشر مع المحافظة على الحجر."
وكانت كلمة للأخت الخوند تناولت فيها الأبعاد الرّوحيّة والرّعويّة والتّنمويّة لرسالة الرّاهبات الأنطونيّات في موقع حديقة البطاركة، من خلال تعزيز الحياة والأنشطة الرّوحيّة في نطاق كنيسة مار إسطفان القائمة في الموقع، والعناية بالمسنّين والأطفال والاهتمام بشؤون المرأة الرّيفيّة، وتشغيل المشغل الحرفيّ بتقطير الأعشاب الطّبّيّة والعطريّة الّتي تزرع في الواحات التّذكاريّة وغيرها. وهذه الرّسالة تتمّ في كنف البطريركيّة بتعاون أخويّ صادق مع رابطة قنّوبين للرّسالة والتّراث كفيل بتطوير الموقع وتعزيز خدماته المتعدّدة. وشكرت النّائب طوق لإقامته الواحات التّذكاريّة، والشّدراوي لإقامته مركز الاستقبال الجديد.
ثمّ تحدّث النّائب طوق وقال: "أتكلّم بلغة القلب البسيطة، وفي هذا المكان المبارك يجب أن نعتمد أكثر هذه اللّغة، لغة المحبّة والأخوّة والتّعاون. إنّ لبنان لا يحتاج إلّا لهذه اللّغة، وكذلك مجتمعنا المسيحيّ. لقد تعب الجميع من لغة الحرب والحقد والأنانيّة والتّسلّط وقد بتنا محتاجين أكثر لنسترجع لغتنا الأصليّة الأصيلة، لغة قنّوبين الّتي تبني وتجمع وتوحّد وترسّخ النّاس في الأرض ولا تهجّرهم من الوادي أو من الجبل. لقد ساءت أحوالنا منذ تركنا هذه اللّغة، إنّني أدعوا الجميع العودة إليها، لعيش هذا التّراث العظيم الّذي بناه البطاركة وشعب قنّوبين، وهؤلاء بنوا مجد لبنان قبل أن يعطى لهم."
وأضاف: "إنّ الأعمال الثّقافيّة والعمرانيّة الّتي تتحقّق في حديقة البطاركة هي شكلٌ من أشكال استعادة لغة قنّوبين، كما هي ترجمةٌ لصوت ولغة كنيستنا بشخص راعيها البطريرك الكاردينال الرّاعي. وما قمنا به بالتّعاون مع رابطة قنّوبين للرّسالة والتّراث والرّاهبات الأنطونيّات يندرج في هذا الإطار، وسوف نكمله وفاءً لوجوه وأعلام آخرين من بشرّي وكلّ الوادي المقدّس."
وختم شاكرًا عناية البطريرك الرّاعي ورابطة قنّوبين والرّاهبات الأنطونيّات لأنّهم أعطونا فرصة القيام بواجب الوفاء لأعلام علّمونا وتركوا لنا لغة الحقّ والخير والجمال النّابعة من قنّوبين.
بعد ذلك شكر المهندس جو شبيعة، باسم أصحاب الواحات التّذكاريّة، هذه المبادرة ببركة البطريرك الرّاعي واهتمام رابطة قنّوبين ودعم النّائب وليام طوق. وأشار إلى مشروع مؤسّسة المطران فيليب شبيعة لإقامة مركز العناية بذوي الحاجات الخاصّة.
وختامًا كانت كلمة البطريرك الرّاعي، وجاء فيها:
"عوّدّتنا رابطة قنّوبين للرّسالة والتّراث أن لا تختتم نشاطاتها ومبادراتها المتعلّقة بتراث الوادي المقدّس، فكيف وقد باتت للرّاهبات الأنطونيّات جماعة هنا في دير مار إسطفان تتعاون مع الرّابطة في إدارة هذا الموقع وتطویره، فالإمکانیّات تضاعفت، والمبادرات والنّشاطات؟ وكلّها حركة روحيّة ثقافيّة ناهضة متّصلة بالوادي المقدّس، أبرز معالم تراثنا الرّوحيّ والوطنيّ. إنّ تاريخ هذا الوادي هو مدرسة تتعلّم منها الأجيال الدّروس والعبر، وما المبادرات الّتي نتحدّث عنها سوى سعي دؤوب لتعزيز فرص تعليم أجيالنا الطّالعة حقائق وثوابت تاريخهم. لقد صنع البطاركة وشعب قنّوبين هذا التّاريخ، وعاشوا حياة فريدة قوامها الإيمان والفقر والتّقشّف ومحبّة الأرض وسواها من الفضائل والقيم، تاركين لنا هذا التّراث الكبير الّذي نتغنّى به، ونتعلّم منه. إنّ الأعمال الثّقافيّة والمبادرات العمرانيّة الّتي نشهدها في موقع حديقة البطاركة هي الإطار العمليّ لنشر تراث قنّوبين تيّارًا روحيًّا ثقافيًّا في حياتنا المعاصرة، نواجه به كلّ التّحدّيات والتّحوّلات الّتي نعيشها.
لقد باركنا اللّيلة ودشّنا مبادرتین مقدّرتين، الأولى تبريك الواحات التّذكاريّة لوجوه وأعلام من الوادي المقدّس، من بشرّي، من كفرصغاب، من قنات ومن الدّيمان، إنّ كلّ أصحاب هذه الواحات عرفوا حقيقة تراث الوادي المقدّس، وأسهموا في إغنائه كلّ من موقعه. لقد انطبعت حياتهم كلّهم بروحانيّة قنّوبين، روحانيّة الخدمة والمحبّة والإيمان بالله والولاء للبنان. ومبادرة رابطة قنّوبين لإحياء ذكراهم بدعم نائبنا العزيز وليام طوق، مشكورًا، تندرج في السّياق نفسه من إدراك أهمّيّة قنّوبين في حياتنا. أمّا إقامة مركز الاستقبال العصريّ، الّذي دشّنّاه، فهو علامة وعي عميق لأهمّيّة الحجّ الدّينيّ، ولأهمّيّة تعريف العالم بكنوز تراثنا الثّمين، وبفرادة الحياة الّتي عاشها أبناء قنّوبين مع آباء كنيستهم، وكانت في أساس تصنيف الوادي منظرًا ثقافيًّا في لائحة التّراث العالميّ. إنّنا واثقون أنّ هذا المركز يسدّ حاجة أساسيّة، وسوف يؤدّي وظيفته بصورة فاعلة مستدامة، شكرًا لهذه المبادرة لرابطة قنّوبين وتهانينا لرئيس الرّابطة عزيزنا نوفل الشّدراوي، الّذي تبرّع بإقامة هذا المركز."
وأضاف: "إنّ هاتين المبادرتين وسواهما تعزّزان إعادة الحياة الرّوحيّة والرّعويّة إلى وادي قنّوبين، الرّعيّة المارونيّة الصّامدة في الأعماق وسط ظروف حياتيّة صعبة وقاسية. إنّنا نجدّد دعوتنا إلى دعم مسيرة التّجدّد هذه في وادي قنّوبين، وبدأنا نرى بشائرها المشجّعة، ونأمل استكمالها."
وإختتم: "شکرًا مجدّدًا لكلّ جهودكم الّتي تبرز أمانتنا لهويّتنا ودورنا ورسالتنا، ونسأل الله، بشفاعة سيّدة قنّوبين سهره المتواصل على مسيرتنا هذه، وأن يغمر جميع العاملين فيها بفيض النّعم والبركات."
بعد ذلك شارك رئيس وأعضاء مجلس أمناء رابطة قنّوبين في صلاة المساء في الكرسيّ البطريركيّ، ثمّ كان لهم لقاء مع البطريرك الرّاعي.