الرّاعي: فيما نتلو الورديّة نصغي إلى الله الّذي يتكلّم
"1. الورديّة تعبيرٌ عن حبّنا للمسيح الّذي لا يملّ في التّوجّه نحو الشّخص المحبوب بعواطف متجدّدةٍ دائمًا بالشّعور الّذي ينعشها. في المسيح أخذ الله قلبًا بشريًّا، قادرًا على جميع خلجات العاطفة. فلنتذكَّر سؤاله ثلاثًا لسمعان بطرس: "أتحبّني؟" (يو21: 15-17). إنَّ تكرار "السّلام عليكِ يا مريم" الموجَّه إليها مباشرةً، هو معها وبها موجَّهٌ إلى يسوع كفعل حبّ. هذا التّكرار يتغذّى من الرّغبة في تطابق حياتنا مع المسيح. وهذا برنامج حياةٍ أعلنَه بولس الرّسول: "الحياة لي هي المسيح، والموت ربحٌ لي" (فيل21:1)، وأيضًا: "لستُ أنا أحيا، بلا لمسيح يحيا فيَّ" (غلا20:2). الورديَّة تساعدنا لنكبر في هذا المطابقة (الفقرة 26).
2. الورديَّة لا تأخذ مكان الإنجيل، لكنَّها تقتصر على الخطوط الرّئيسة من حياة المسيح. فمن أجل إعطاء أساسٍ بيبليّ وعمقٍ أعظم للتّأمّل، من المفيد أن يتبع كلَّ سرّ إعلانُ مقطعٍ بيبليّ مطابق. وهكذا فيما نتلو الورديّة نصغي إلى الله الّذي يتكلّم. ومن المفيد بعد التّأمّل والإصغاء أن نتوقّف لفترة من الصّمت للتّركيز على محتوى السّرّ المحدَّد (الفقرات 29-31).
3. نبدأ تلاوة كلّ سرّ بالأبانا لكي نرفع روحنا إلى الآب. فيسوع يقودنا دائمًا إلى الآب لنرتاح في حضنه، ونسمّيه مثله "أبّا، أيّها الآب" (غلا6:4). ففي العلاقة مع الآب يجعلنا إخوةً له، وإخوةً بعضنا لبعض، مانحًا إيّانا الرّوح الّذي هو في آن روحه وروح الآب (الفقرة 32).
4. العشر مرّات "السّلام الملائكيّ" تبيّن أنَّ الورديّة صلاةٌ مريميّةٌ بامتياز. لكنّها لا تتعارض مع الطّابع المسيحانيّ. فالقسم الأوّل من السّلام عليك مأخوذ من كلمات الملاك وإليصابات الّتي تتأمّل في سرّ المسيح الّذي تمّ في عذراء النّاصرة. وهي تعبيرٌ عن إعجاب السّماء والأرض بتحفة تجسّد الابن الإلهيّ، كما كانت بهجة الله بالخلق (تك31:1).
الطّابع التّكراريّ "للسّلام عليكِ يا مريم" يشركنا في ابتهاج الله: فرحةٌ واندهاش وعرفان جميل. وهذا إتمامٌ لنبوءة مريم: "ها منذ الآن تطوّبني جميع الأجيال" (لو48:1). وهكذا إسم يسوع هو الفاصل بين القسمين الأوّل والثّاني. فتكرار اسمه يذكّرنا بأنّه الاسم الوحيد الّذي به نُعطى رجاء الخلاص (رسل 12:4). وإسمه متّحدٌ بإسم والدته الكلّيّة القداسة الّتي تقودنا دائمًا إليه. وبكونها "والدة الإله –Theotokos" إنّها تتوسّل إليه من أجلنا كوسيطة في حياتنا وعند ساعة موتنا، كما نصلّي في القسم الثّاني (الفقرة 33).
5. المجد الّذي ننهي به كلّ سرّ هو المجدلة الثّالوثيّة كنقطة وصول للتّأمّل المسيحيّ. فالمسيح هو فعلاً الطّريق الّذي يقودنا إلى الآب في الرّوح القدس. المجدلة هي قمّة التّأمّل، فينبغي أن يكون لها مكانٌ مرموق. من المستحسن في هذه الحالة أن تُرتَّل. فنرتفع بأفكارنا وعقولنا إلى الله الواحد والثّالوث كأنّنا في اختبارٍ جديدٍ للتّجلّي الإلهيّ على جبل طابور (الفقرة 34).
6. المسبحة كأداة عدٍّ لتلاوة الورديّة لا تقف عند هذا الحدّ، بل لها رمزيّة تعطي معنى جديدًا للتّأمّل. إنّها سلسلةٌ تربطنا بالله، كأب، وسلسلة بنويّة توحّدنا بمريم "خادمة الرّبّ" (لو38:1)، وبالمسيح الّذي، مع أنّه الله، جعل نفسه خادمًا حبًّا بنا (فيل 7:2). وهي أيضًا سلسلة شركة وأخوّة توحّدنا جميعًا في المسيح (الفقرة 36).
7. صلاة ختام الورديّة مثل: "يا سلطانة السّماء والأرض"، و"إلى حمايتك نلتجئ" تجعل من الورديّة مسارًا روحيًّا تكون فيه مريم أمًّا وقائدةً ومعلّمة، وتدعم المؤمن والمؤمنة بشفاعتها القديرة. الصّلاة الختاميّة، وهي دعاءٌ لمريم، تشكّل تتويجًا لطريقٍ داخليّ، قاد المؤمن/ المؤمنة إلى صلةٍ حيّة مع سرّ المسيح، وسرّ والدته الكلّيّة القداسة (الفقرة 37)".