الراعي : زمن الصوم هو الزمن المقبول لاستعادة جمال صورة الله فينا
1. تفتتح الكنيسة مع هذا الأحد زمن الصوم الكبير، وهو الرحلة الفرديّة والجماعيّة بالصلاة والصوم والصدقة نحو العبور الفصحي مع موت المسيح وقيامته لفدائنا وتقديسنا. فنموت عن "الإنسان القديم"، إنسان الخطيئة، ونقوم "بالإنسان الجديد"، إنسان النعمة، بحسب تعبير القدِّيس بولس الرسول (راجع أفسس4: 22-24). وللمناسبة تقرأ الكنيسة إنجيل آية تحويل الماء إلى خمر فائق الجودة، كآية أولى أظهر فيها يسوع ألوهيّته من جهة، وقدرته على تحويل الإنسان من الداخل من جهة أخرى، بحيث يستعيد ويحتفظ ببهاء صورة الله فيه.
2. يسعدنا ان نحتفل معًا بهذه الليتورجيّا الإلهيّة. فنرحّب بكم جميعًا وبخاصّة برابطة كاريتاس-لبنان، وبالآنسة مرلين حداد قائمقام المتن مع وفد من أهلنا في حملايا العزيزة، وعلى رأسهم رئيس البلدية والمجلس والمختار والمجلس. كما نرحّب بعائلة المرحوم طانيوس سمعان بو مرعب حرب من تنورين الذي ودّعناه منذ أسبوع، وبعائلة المرحوم رياض انطون شديد من بشعله، وقد ودّعناه منذ أسبوع أيضًا. نصلّي لراحة نفسيهما وعزاء الأهل والأنسباء جميعًا.
3. لقد وجّهنا رسالة راعوية لزمن الصوم ككلّ سنة، تُوزَّع عليكم بعد القدّاس وفي الرعايا والأديار والمؤسّسات. فكشفنا في قسمها الأوّل عن مفهوم الصوم وغايته وثماره، وأعطينا في قسمها الثاني توجيهات راعوية لحفظ شريعتَي الصوم والقطاعة. وتقودنا في هذه المسيرة الروحيّة كلمة القدّيس أغسطينوس: "اتريدُ أن تصعد صلاتك إلى السماء؟ فامنحْها جناحَين: الصوم والصدقة".
4. إنّ رابطة كاريتاس-لبنان، المنبثقة من مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، وهي جهاز الكنيسة الرسمي لخدمة المحبة على كلٍّ من المستوى الإنساني والاجتماعي والإنمائي، تبدأ اليوم وطيلة زمن الصوم الكبير حملة التبرعات، وهي التصدّق الذي تفرضه شريعة زمن الصوم الكبير. فيتطوّع العديد من الشبّان والشابّات مشكورين للقيام بهذه الحملة في الرعايا والمدارس والجامعات والمؤسّسات وعلى الطرقات العامّة. فنطلب من إخواننا السَّادة المطارنة الإيعاز إلى كهنة الرعايا أن يسهِّلوا مهمّة المندوبين، ويحثّوا المؤمنين على التصدّق حبًّا بالمسيح. كما نطلب من رؤساء المدارس والجامعات العمل على توعية الطلّاب على روح المشاركة والعطاء، وتنظيم جمع تبرّعاتهم بالتنسيق مع شباب كاريتاس ومندوبيها.
5. تتّخذ حملة كاريتاس موضوع: "لأنّو في بواب ما عم تندقّ". وقد استمدّته من رسالة البابا فرنسيس لهذه السنة بعنوان: "الكلمة هي عطيّة، الآخر هو عطيّة" وقد توسّع بها انطلاقًا من مَثَل الغني ولعازر في إنجيل لوقا (لو16: 19-31)، للوصول إلى وجوب فتح قلوبنا للآخر الذي هو محتاج، سواء مادّيًّا أم روحيًّا أم ثقافيًّا أم معنويًّا. ويذكّرنا قداسة البابا أن فتح قلوبنا بالتصدّق ومساعدة المحتاجين من ذات أيدينا، إنّما يأتي نتيجة توبة داخليّة عميقة نحقّقها في زمن الصوم. فإنّه يختم رسالته بالدعوة التالية:
"أُشجِّع جميع المؤمنين كي يُعبِّروا عن هذا التجدّد الروحي من خلال مشاركتهم في حملات الصوم الكبير التي تعزّزها منظّمات كنسيّة عديدة في مختلف أنحاء العالم، كي تنمو ثقافة اللقاء في الأُسرة البشريّة الواحدة: فلنُصلِّ من أجل بعضِنا البعض لكي نعرف كيف نفتح أبوابنا للضعيف وللفقير".
6. إنّنا نحيّي شاكرين رابطة كاريتاس لبنان بشخص سيادة أخينا المطران ميشال عون، مطران جبيل، المشرف عليها من قبلنا كرئيس مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، ورئيس كاريتاس الخوري بول كرم وأعضاء مكتبها ومجلسها والعاملين في فروعها وأقاليمها.
بفضل مساعداتكم وبفضل المحسنين من الداخل ومن الخارج، تتمكّن رابطة كاريتاس من تحقيق خدمات المحبة باسم الكنيسة ومحبة المسيح. تتوزّع هذه الخدمات على ستّة قطاعات كبيرة:
الصحة في مراكز وبواسطة عيادات جوّالة تطبّق الطبّ العلاجي والوقائي على مختلف الأراضي اللبنانيّة.
الخدمات الاجتماعيّة وفيها برنامج العمر الثالث، والمساعدة في الحالات الطارئة، ومائدة الصداقة وهبات عينيّة ودار للمسنّين.
التعليم حيث تتوفّر المساعدات لتأمين التعليم للجميع، مع رعاية الأشخاص وذوي الاحتياجات الخاصّة في أربعة مراكز متخصّصة.
شبيبة كاريتاس تضمّ 700 متطوّع من شبّان وشابات يقومون بعدد كبير من النشاطات الثقافية والرياضية والبيئية والترفيهية لمسنّين ومرضى وأطفال ومساجين وسواهم.
التنمية وفيها برنامج قروض لاستثمارات صغيرة، ومعمل للتصنيع الغذائي يؤمّن فرص عمل وتصريف منتوجات زراعيّة، بالإضافة إلى تعاونيّة ريفيّة لتسويق الإنتاج الأهلي.
العمّال الأجانب واللاجئين، تؤمّن لهم مساعدات اجتماعية وصحّية ونفسيّة وقانونيّة.
إنّنا ندرك جسامة عمل المحبة الذي تقوم به كاريتاس كجهاز الكنيسة الاجتماعي في لبنان. وندرك ايضًا أهميّة مساعدتنا لها ودعمها مادّيًّا وروحيًّا ومعنويًّا، لكي تتمكّن من تلبية رسالتها الواسعة الأرجاء. نسأل الله أن يباركها ويبارك جميع العاملين فيها بفيض من نعمه وخيراته.
7. بدأ الربّ يسوع رسالته الخلاصيّة بحضور عرس في قانا الجليل، فأعاد إلى الزواج كرامته وقدسيّته، ورفعه إلى رتبة سرّ، يتمّ فيه حضور الله في حياة الزّوجَين والعائلة. فالله بفعل الرّوح القدس يسكب حبّه في قلب الزوجَين فيُقدّس حبّهما البشري، ويشركهما بحبّه، فينقلون الحياة البشريّة، مكمِّلين عمل الخلق. في هذا السرّ، يمنح المسيح، بعمل الثّالوث القدّوس، نعمةً تُقدّس حياة الزّوجَين والعائلة، وتعضد الجميع في الضّعف، وتهدي في الضياع، وتُعزّي في الحزن، وتُثبّت في الرجاء، وتنفي اليأس، وتنتزع الخوف.
8. عندما رفع الربّ يسوع الزواج من حالة طبيعية أوجدها الخالق إلى رتبة سرّ مقدّس بعمل الفداء، أصبح عقدُ الزواج عهدًا بين الزوجَين من جهة، وبينهما مع الله والكنيسة من جهة ثانية. وقد وضع الله في الكتب المقدّسة شرائع للزواج، نظّمتها الكنيسة في قوانينها التي توجب على المسيحيّين أن يعقدوا زواجهم وفقًا للصيغة التي تضعها، من أجل أن يكون هذا الزواج سرًّا مقدّسًا. فلا يستطيع المسيحي المؤمن أن يعقد زواجه مدنيًّا من دون أن يرتكب خطيئة جسيمة ضدّ الله الذي جعل الزواج المسيحي سرًّا مقدّسًا لا عقدًا اجتماعيًّا مدنيًّا صرفًا، كما يخطأ ضدّ قدسيّة هذا السّر. وإذا اضطرّ أن يعقد زواجه مدنيًّا لسبب أو لآخر، عليه أن يصحّحه بعقده كنسيًّا لكي يعيش في سلام مع الله والذات، ويتجنّب البقاء في حالة الخطيئة الدائمة التي تفصله عن حياة الكنيسة وتحرمه من نعمة الأسرار المقدّسة.
9. لقد علّمنا الربّ يسوع، بحضوره في عرس قانا وبآية تحويل الماء إلى خمر فائق الجودة، أن يواصل كلّ واحد وواحدة منّا العمل المزدوج الذي أتمّه: فنسبّب الفرح والسعادة حيثما نتواجد، ونحوّل كلّ شيء إلى وجه جميل ومليء بالجودة، قدر الممكن. فإنّ الربّ "ترك لنا قدوة لنعمل كما عمل هو" (راجع يو12: 15).
10. أودّ، في ضوء هذا المفهوم، أن أوجّه نداءً إلى الجماعة السياسيّة، طالبًا من المسؤولين عندنا أن يسبّبوا الفرح للشعب بنشاطهم التشريعي والإجرائي والإداري والقضائي، ويُخرجوه من قلقه وقهره وحاجاته وظلمه. ونطلب منهم أن يكون أداؤهم وافر الجودة. لا يجوز أن يستمرّ الشعب في مظاهرات وإضرابات مضرّة للجميع لكي يطالب بحقوقه، فيما الواجب الوطني يوجب على المسؤولين تأمينها.
فينبغي الخروج من القباحة. فإهمال الواجب وصمّ الآذان عن سماع صراخ الشعب قباحة. الفساد والرشوة وسرقة المال العام وهدره والتّهريب والرّشوات قباحة. عدم ضبط المال العام وإعادته إلى خزينة الدولة وبالمقابل تحميل الشعب المزيد من الضرائب والرسوم من أجل وضع الموازنة وإصدار سلسلة الرتب والرواتب قباحة أيضًا. وقباحة كذلك عدم إصدار قانون الإنتخابات بعد اثنتي عشرة سنة من الدّرس والتمحيص وأخذ القياسات الشخصيّة والفئويّة. قهر النّاس في الإدارات العامّة وهدر أوقاتهم وتوتير أعصابهم مثل معاينة الميكانيك على سبيل المثال قباحة. يقول أحد الكتّاب المعروفين: "وحده الجمال يخلّص العالم"، وبالطبع جمال الأعمال والاداء والمبادرات، جمال الأخلاق والقيم، جمال العدالة والمحبة التّجرّد والتفاني والسلام.
11. زمن الصوم، بما يتضمّن من أصوام وصلوات وأعمال محبة ورحمة، هو الزمن المقبول لاستعادة جمال صورة الله فينا. فكما الطبيعة، بالتلازم مع زمن الصوم، تعيش ربيعًا تلبس فيه ثوبها الجديد، كذلك نحن نرجو أن نلبس، بالنعمة الإلهيّة وبكلام الله، جمال "الإنسان الجديد" (أف4: 24)، فنرفع نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.