لبنان
04 حزيران 2017, 05:07

الراعي : ذبيحة استغفار عن كلّ خطأ ونقص وذبيحة استلهام لأنوار الروح القدس

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قداسا احتفاليا في بازيليك سيدة لبنان حريصا، لمناسبة الاحتفال بعيد القديس مارسلان شمبانيا مؤسس جمعية الأخوة المريميين، وبيوبيل مرور مايتي سنة على تأسيسها، واليوبيل الذهبي بمرور خمسين سنة على تأسيس مدرسة الشانفيل. ويعد الإنجيل، ألقى غبطته عظة بعنوان : "وأنا أسأل الآب فيعطيكم بارقليطًا آخر مؤيّدًا، هو روح الحقّ" (يو14: 16-17) ، جاء فيها:

 

 

1. في ليلة عيد العنصرة، حلول الروح القدس على الكنيسة الناشئة، يسعدنا أن نحتفل معكم بهذه اليتورجيّا الإلهيّة، إحياءً لهذا العيد، واحتفالًا بعيد القديس Marcellin Champagnat، مؤسّس جمعيّة الإخوة المريميّين، وبيوبيل مرور مايتي سنة على تأسيسها وبختام السنة اليوبيليّة الذهبيّة بمرور خمسين سنة على تأسيس مدرسة الشانفيل، في ديك المحدي. في كلّ هذه الأعياد والمناسبات، نشهد عمل الروح القدس، الذي أفاضه الآب والابن على الكنيسة، وعلى أبنائها وبناتها ومؤسّساتها الذين يحبّون المسيح ويحفظون تعلميه ووصاياه، كما وعد الربّ بقوله: "إن تحبّوني تحفظوا وصاياي. وأنا أسأل الآب فيعطيكم بارقليطًا أخر مؤيّدًا يكون معكم إلى الأبد، هو روح الحقّ" (يو14: 16-17).

 

2. هذا الروح أُعطي إلى الأب مارسلان، الذي تربّى في البيت الوالدي على الإيمان والتقوى ومحبّة العدل ومساندة الضعيف، فأيقظ الروح فيه الدعوة إلى الكهنوت، وأسّس مع مجموعة من رفاقه الإكليريكيّين "جمعيّة مريم". وفي اليوم التالي لرسامته الكهنوتية زار مع رفاقه مزار سيدة Fourvière في مدينة  ليون، وكرّسوا ذواتهم رسالتهم للعذراء مريم.

 

وأيقظ فيه الروح عينه، في السنة الأولى من خدمته ككاهن لرعية LaValla، الإحساس بحاجة شبيبة الريف الفرنسي إلى التربية المسيحيّة والعلم. فألهمه الروح على تأسيس "جمعيّة الإخوة المريميّين" الذين يتكرّسون لتربية الأجيال الناشئة. وفي 2 كانون الثاني 1817، بدأت المغامرة الشجاعة في انطلاقة الجمعيّة مع شابَّين، بهدف حمل الإنجيل إلى الأولاد والشّبيبة الأكثر حاجة، فكانت المسيرة على هدي "روح الحقّ"، حتّى أصبحت منتشرة بمدارسها وجماعاتها في خمسةٍ وسبعين بلدًا، وتضمّ ما يزيد على خمسة آلاف أخ مكرّس، بشفاعة مؤسسها الذي أعلنه طوباويًّا المكرّم البابا بيوس الثاني عشر سنة 1955، وقديسًا البابا القديس يوحنا بولس الثاني سنة 1999. وحدّد عيده في الكنيسة الجامعة في 6 حزيران، وهو تاريخ ميلاده في السماء، وقد توفّي في 6 حزيران 1840، ويومها كان عدد الإخوة المريميين 280 مكرّسًا.

 

3. نحيّي جميع الإخوة المريميّين، حيثما وُجدوا، ونهنّئهم بعيد مؤسّسهم القديس مرسلان، وبيوبيل المايتَي سنة من حياة الجمعيّة. وقد تهيّأوا له روحيًّا منذ ثلاث سنوات، لكي تكون المناسبة بداية جديدة على ما جاء في الرسالة التّوجيهيّة للرّئيس العام الأخ Emili Turù. فكما أعطى الأب مرسلان الجواب الأنسب لحاجات زمانه، كذلك الجمعيّة مدعوّة اليوم، مثلها في كلّ محطّاتها التّاريخيّة السّابقة، لتُعطي جوابًا، بروحانيّة المؤسّس والكاريسما الخاصّ به وبالجمعية، على نداءات زمننا وتحدّياته الجديدة والمتكاثرة.

 

4. وفي اليوبيل الذهبي الخمسيني لتأسيس مدرسة الشانفيل في ديك المحدي بقضاء المتن، بعد انتقالها من مدرسة مدينة جونيه، المعروفة اليوم "بالمركزية"، نرفع ابتهالنا إلى الرّوح القدس، المؤيّد، كي يهدي الإدارة والهيئة التعليميّة إلى أفضل السُّبُل فيوفّروا لطلّابها بشكل دائم تعليمًا نوعيًّا، وتربيةً روحيّةً وأخلاقيّةً وإجتماعية ووطنيّة رفيعة، جاعلة منهم مسيحيّين ملتزمين، وشهودًا للإنجيل شجعانًا، ومواطنين للبنان مخلصين ومسؤولين (الإرشاد الرّسولي: "رجاء جديد للبنان"، الفقرة 106). كم هم بحاجة اليوم إلى تربية على بناء الوحدة الوطنية، وعلى التوازن في العيش المشترك، وعلى دور لبنان في تعزيز التعددية في محيطه الآحادي، وعلى الولاء للوطن في تراثه وتاريخه وكيانه الحرّ والمستقلّ.

 

5. فيُسعدني أن أهنّئ باليوبيل الذهبي مدرسة الشانفيل وأسرتها التّربويّة: مديرها الاستاذ ليون انطوان كلزي، وهيئة الإدارة والمعلّمين والموظّفين والطلّاب والأهل، وأخصّ بالذّكر الرّئيس الإقليمي الأخFuertes Juan Carlos. نلتمس معهم  من الله أن يفيض، بشفاعة القديس مرسلان، نِعَم وثمار اليوبيل، لمجده تعالى وخير مدرستهم وازدهارها الدّائم ونجاحها في توفير العلم والتّربية على روح الإنجيل وقيمه ومبادئه.

 

6. وإنّنا نقدّم معكم هذه الليتورجيا الإلهية ذبيحة شكر لله على الهبة الثمينة للكنيسة بشخص القدّيس مارسلان، وبجمعيّة الإخوة المريميّين. نشكره على النعم والخير التي أُفيضت بشفاعته وبخدمة أبناء الجمعيّة. ونشكره عل الخمسين سنة الأولى من حياة مدرسة الشانفيل، وقد تكوّنت فيها شخصيّة ألوف من الطلّاب الذين نالوا مع العلم الرفيع التربية الروحيّة والأخلاقيّة والوطنيّة، وانتشروا في لبنان والخارج شهودًا لقيم الإنجيل ومبادئه.

 

ونقدّمها ذبيحة استغفار عن كلّ خطأ ونقص في حياتنا التربوية والمسيحية؛ وذبيحة استلهام لأنوار الروح القدس من أجل قراءة واضحة لعلامات الأزمنة وحاجات مجتمع اليوم، التزامًا بخدمة تربويّة أفضل. ونذكر بصلاتنا كلّ الأخوة المريميين وسائر المربّين الّذين خدموا في مؤسّسات الجمعيّة عامّة وفي مدرسة الشانفيل خاصّة، راجين لهم السّعادة في الملكوت السّماوي.

 

7. في عيد حلول الروح القدس، نلتمس حلوله علينا، على كلّ واحد وواحدة منّا، كي يثبّتنا في الحقيقة التي علّمها المسيح. فالروح "يذكّرنا" بها، "ويقودنا إليها كلّها" (يو14: 26)؛ وكي يجدّدنا في انطلاقة جديدة و"بداية جديدة"، بنعمة اليوبيل. فنعمل بوصية القديس بولس إذ "نترك مسلك الإنسان العتيق الذي أفسدته الشهوات الخادعة، ونتجدّد روحًا وعقلًا، ونلبس الإنسان الجديد الذي خلقه الله على صورته في البرّ وقداسة الحقّ" (راجع أفسس4: 22-24).

 

 

8. ومعًا نرفع ابتهالنا: هلمّ أيّها الروح القدس، واملأ باطن قلوب مؤمنيك. كن دومًا إلى جانبنا، أيّها "البرقليط المؤيّد"، وردّد في أذان قلوبنا كلمات الربّ يسوع، ونبّه ضمائرنا، وذكّرنا بالإنجيل. كن إلى جانبنا، واشرح لنا المعاني الحقيقية لكلام الإنجيل والكتب المقدّسة لنفهمها ونتقيّد بها، ونسلم من الضياع والضلال. كن إلى جانبنا، واعضدنا وقوّنا كي نتغلّب على حيل المجرِّب.

 

ونرفع نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدّوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.