لبنان
23 نيسان 2019, 07:39

الراعي دعا في القداس على نية فرنسا إلى الصلاة لضحايا سريلانكا

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، القداس السنوي التقليدي على نية فرنسا، في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطرانان حنا علوان ورفيق الورشا، أمين سر البطريرك الأب شربل عبيد، القيم البطريركي العام الأب جان مارون قويق ولفيف من الكهنة، في حضور نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، السفير الفرنسي برونو فوشيه، القنصل العام كريم بن شيخ، الملحق العسكري اوليفييه لاسال وعدد من أركان السفارة، الوزيرين السابقين زياد بارود وابراهيم الضاهر، وفد من المؤسسة المارونية للانتشار برئاسة رئيس المؤسسة شارل حاج، رئيس مجلس إدارة "تيلي لوميار" جاك كلاسي، الرئيس الفخري لنقابة المقاولين فؤاد الخازن وحشد من المؤمنين.

العظة

وبعد قراءة الإنجيل المقدس، ألقى الراعي عظة قال فيها "إن أول شخص تراءى له يسوع المسيح بعد قيامته كانت مريم المجدلية التي أخرج منها سبعة شياطين كما يروي متى الإنجيلي في اشارة منه الى انها امرأة خاطئة من الجليل. وهي التي لحقت بيسوع المسيح الى بيت سمعان الفريسي وسكبت على قدميه قارورة الطيب الثمين وغسلتهما بدموع الندامة ومسحتهما بشعرها وسمعت من يسوع قوله "لقد غفرت لها الكثير من الخطايا لأنها احبت كثيرا." (لوقا7,47). فهي ايقنت جيدا ان ملذات الأرض لن ترضيها بل ستزيدها جفافا.
ولأنها عاشت قيامة القلب اراد السيد المخلص ان يكافئها بظهوره الأول لها. وفي ارشاده الرسولي حول "كرامة المرأة"، ابرز قداسة البابا يوحنا بولس الثاني الدور الخاص لمريم المجدلية: لقد كانت الشاهد الأول على خلو القبر صبيحة الفصح، والاولى التي قابلت المسيح القائم من الموت والاولى التي شهدت له امام الرسل، لذلك سميت برسولة الرسل".

وخاطب السفير الفرنسي قائلا: "نحن سعداء اليوم يا سعادة السفير لأنكم وزملاءكم تشاركوننا فرحة عيد القيامة وترفعون معنا الصلاة على نية فرنسا العزيزة على قلوب اللبنانيين وقلوب العديد من الشعوب التي تبحث عن القيم الحضارية. نرفع صلاتنا ايضا على نية السلام والمصالحة في منطقتنا المضطربة.
وندع بين يدي ربنا الرحوم الضحايا ال290 الأبرياء الذين سقطوا جراء الإنفجارات المريعة والجبانة التي ضربت ثلاث كنائس وثلاثة فنادق في سريلانكا. ونصلي للراحة الدائمة للأموات وللشفاء العاجل لل500 جريح ولمواساة أهلهم واقاربهم. ونؤكد على تضامننا وشراكتنا مع الشعب السريلانكي العزيز والسلطات الدينية والمدنية كذلك مع أعزائنا السريلانكيين الذين يعملون في لبنان".

ووصف الحريق الذي خرب كاتدرائية نوتردام في باريس بأنه "محزن جدا ومريع لدرجة ان وحده الصمت المتلازم مع الصلاة يمكنه مساعدتنا لتجاوز هذه المحنة. وفي الوقت نفسه فإن التعاطف والتضامن الوطني والدولي حول هذا الرمز الذي يجسد الجذور المسيحية في فرنسا وحول هذه الجوهرة من ارثها التاريخي والثقافي، هم الذين يؤكدون لنا القيامة الأكيدة لهذه الكاتدرائية من تحت الرماد".

وقال: "لقد كتب البابا بنديكتوس: "إن قيامة المسيح لا تتلخص بعودة الحياة إلى أي ميت كان، لأنها تفتح أبعادا تهم كل الكائنات البشرية. الإيمان المسيحي يموت من دون الإيمان بحقيقة القيامة، التي تمثل باكورة عالم جديد وحالة جديدة للانسان. هذا الإيمان ضروري لدرجة أن القديس بولس قد كتب: "لولا قيامة المسيح، لكانت رسالتنا فارغة وإيماننا فارغ أيضا(قورنتس 15،14). نحن نعلم إذا، لماذا يحيا المسيحي بالأمل، وهو سعيد دائما. لأنه يعلم أن الكلمة الخيرة ليست للموت، وأنه سيخرج منتصرا. هذا الإيمان بيسوع يعطي الشجاعة للشهداء، والغيرة للرسل والبطولة للقديسين، على مدى العقود ومنذ 2000 سنة".

أضاف: "في كل عام تستقبل فرنسا العديد من الحجاج والسياح في أماكن مقدسة. فلنفكر في تلك الشابة الكرملية، ذات ال24 سنة تيريز دو ليزيو دكتور في الكنيسة وفي السماء كما وعدت، هي التي أغدقت على الأرض نعما كثيرة طلبت منها. فلنفكر في هذا البلد الصغير لبنان، الذي أعطى قديسين كالقديس شربل، كانوا شفعاء من دون توقف للانسانية من دون تفرقة في الأديان. فلننظر بأي حب وتفان، تعاين أخوات الأم تيريزا وفرنسيسكانيات الصليب للطوباوي أبونا يعقوب المرضى المشوهين والمعوقين، لأنهم يرون فيهم صورة المسيح المعذب بآلامه والممجد بقيامته".

وتابع: "في الفصح "قام الغفران من القبر" وأصبح هذا الغفران واجبا على كل مسيحي مؤمن بيسوع المسيح. وبما أن العناية الإلهية، هي التي وضعت في هذا الجزء من العالم مسيحيي لبنان، فإنهم مدعوون إلى أن يكونوا فاعلي سلام وغفران ومصالحة".

وختم "باسم الصداقة اللبنانية الفرنسية، أشكر الشعب الفرنسي على دعمه المعنوي وإخلاصه عند كل محنة. ونحن نشهد لامتناننا هذا، برفع الصلاة على نية بلدكم ومن أجل خيره. نسأل الله أن يغدق عليكم وعلى وطنكم وعائلتكم نعمه الإلهية لمجد الثالوث الأقدس الآب والابن والروح القدس. آمين".

وفي ختام القداس، تناول البطريرك مع عدد من الأساقفة ووفد السفارة الفرنسية، طعام الغداء بالمناسبة، وكانت كلمة ترحيب للراعي، حيث: "لقاؤنا اليوم، ليس مجرد لقاء سنوي تقليدي، فهو يحمل روحية الصلاة، من خلال احتفالنا بصداقتنا مع فرنسا وتعلقنا بكل ما تمثله لنا. واحتفالنا بالإفخاريستيا صبيحة عيد القيامة، ترسخ الفرح والأمل، الذي تقدمه القيامة، التي نحياها في أجواء من التجدد والحرية وإعادة بناء الإنسان على ضوء الخلاص والسلام، الذي ينشره المسيح المخلص الذي غلب الموت. هكذا ننظر إلى صداقتنا مع فرنسا، على أنها علاقة قوية متجذرة في القيم الإنسانية، كالمساواة والحرية والأخوة الملازمة لتعاليم إيماننا".

ورأى أن "الحرية المعاشة لا يمكنها أن تكون إلا قيمة عليا. فهي أساس كل مجتمع يسعى إلى التطور وتعزيز الإنسانية. المساواة هي قيمة تتيح الفرص المتساوية لكل الذين لديهم تصورات لتطور منظم وجاهز للتطبيق. أما الأخوة فنحن نضعها في خانة التضامن، لأنها تجمع وتتيح للروابط الاجتماعية أن تتجسد من خلال أفعال وانطباعات ومشاريع من كافة الأنواع".

وأكد أن "فرنسا عبرت عن تضامنها مع لبنان، من خلال مؤتمر سيدر 2018. هذه العملية تجسد إرادة بلدينا باتخاذ تدابير ملموسة تقدم حلولا لوضعنا الاقتصادي والاجتماعي الحالي. ونحن نصر على الإصلاحات المرتبطة بمؤتمر سيدر. والشعب اللبناني متمسك بها كخشبة خلاص وهو يدعو إلى الشفافية ومتابعة التنفيذ".

وقال: "رابط آخر يجمع بلدينا، إنه التعاون الثقافي والتربوي القائم من خلال مؤسساتنا الوطنية الكاثوليكية، وتحديدا المارونية. إنها الفرنكوفونية التي تثير حماستنا، فهي ليست لغوية وحسب، وإنما هي تعبير عن الانفتاح والديناميكية. بالنسبة لنا هي تظهر في التزامنا بكل ما تحمله من علامات ورموز: الأدب، العلوم والهندسة وصولا إلى أعلى القيم الرمزية ككاتدرائية نوتردام في باريس، التي هي خير مثال على انصهار الماضي والمستقبل، الصرح الذي يحمل إرثا ثقافيا وروحيا والمساحة، التي تحولت إلى رسالة دينية ورسولية وإنسانية. وبعد الحريق الهائل الذي اجتاحها في أسبوع الآلام، لم يتعرض المذبح والصليب لأي ضرر ليعلنا معا الأمل بالقيامة وبقوة إعادة البناء".

أضاف: "إضافة الى التحديات الاقتصادية والمالية والإدارة الرشيدة والمنصفة، نجد أنفسنا أمام حاجة تثقيف شبابنا، ففي الواقع نوعية التعليم تبني أشخاصا جيدين مسؤولين ورسلا، على الرغم من كل الحواجز والمآزق، التي تهدد مدارسنا وجامعاتنا، بسبب الفقر المتنامي والأزمة الاجتماعية والبطالة. وهناك تحد آخر، يدعونا لأن نعمل على تثقيف عائلاتنا ومواطنينا. فالوصول إلى المعلومة المسؤولة يتيح الفهم والتحليل بشكل أفضل وبموضوعية، كل ما له علاقة بتعليم رجال ونساء مسؤولين وشفافين، وذلك لمكافحة الفساد والزبائنية والمحاصصة التي تقضم بلدنا".