لبنان
05 نيسان 2023, 11:15

الرّاعي جمع 53 نائبًا مسيحيًا في خلوة روحيّة ودعا كلّ سّياسيّ صالح إلى طرح مجموعة أسئلة على نفسه

تيلي لوميار/ نورسات
بمشاركة 53 نائبًا، أقيمت اليوم في بيت عنيا- حريصا الخلوة الرّوحيّة للنّوّاب المسيحيّين الّتي دعا إليها البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، وقد استُهلّت بحديث روحيّ للنّائب البطريركيّ المطران أنطوان عوكر تحت عنوان "الخلاص بين عمل الله وأعمال المؤمن".

كما كان قدّاس في ختام الرّياضة في سيّدة لبنان- حريصا ترأّسه الرّاعي، حيث كانت له عظة للمناسبة تحت عنوان: "تنبّأ قيافا رئيس الكهنة أنّ يسوع كان مزمعًا أن يموت عن الشّعب ويجمع أيضًا في واحد أبناء الله المشتّتين" (يو11: 53)، فقال:

"1. في ختام هذه الرّياضة الرّوحيّة، نرفع ذبيحة الشّكر لله، وقد خاطب قلب كلّ واحد وواحدة منّا من موقعه، وجعلنا نتّخذ مقاصد في حياتنا ومسؤوليّاتنا. ولا ننسى أنّ الله استجاب صلوات شعبنا في لبنان وخارجه، وقد عبّروا عن فرحتهم لهذه المبادرة، وعلّقوا عليها آمالًا كبيرة.

2. تؤكّد كلمة إنجيل اليوم أنّ المسيح ربّنا ارتضى الموت على الصّليب ليفتدي خطايا كلّ إنسان يأتي إلى العالم. إنّ كلّ واحد وواحدة منّا هو هذا الإنسان. فلا يمكن أن نجعل موته سدىً. وارتضى الموت ليجمع أبناء الله إلى واحد. إنّ ثمن وحدتنا الرّوحيّة بروح الأخوّة والاحترام المتبادل لغالٍ، وغالٍ جدًّا وهو دمّ المسيح المراق على الصّليب.  

في هذا الأسبوع المقدّس الّذي نستذكر فيه آلام الرّبّ يسوع وموته فدىً عن خطايانا، وقيامته من الموت لتقديسنا، شئنا في منتصفه إقامة هذه الرّياضة الرّوحيّة، آملين أن نحمل معنا ثمار موت يسوع على الصّليب: فداء خطايانا، ووحدتنا بالمسيح.

3. في حديث لقداسة البابا فرنسيس مع فريق من طلّاب العلوم السّياسيّة، في 18 آذار الماضي، تكلّم عن السّياسيّ الصّالح، والسّياسيّ السّيّء، انطلاقًا من وجهين يذكرهما الكتاب المقدّس في عهده القديم.  

4. الوجه الأوّل هو آحاب الملك (3 ملوك 21: 1-15).

الذّي أراد استملاك كرم نابوت ليوسّع حديقته. فرفض نابوت التّخلّي عن ميراث أجداده، ما جعل الملك يحزن ويمتنع عن تناول العشاء. فوجدت زوجته الحيلة لقتل نابوت. ولمّا فعلت قالت للملك: "قم فرث كرم نابوت. فلم يبقَ حيًّا، بل مات" (الآية 15). لكنّ قصاص الله لآحاب وزوجته كان صارمًا للغاية (الآيات 16-25).

آحاب يمثّل السّياسة السّيّئة الّتي تتقدّم في مصالحها الخاصّة، وتقصّي الآخرين، والّتي لا تسعى إلى الخير العامّ، وتستعمل كلّ الوسائل للوصول إلى مصالحها. آحاب الملك ليس أبًا بل متسلّطًا. السّياسة الّتي تمارس السّلطة تسلّطًا لا خدمة، هي غير قادرة على الاعتناء بالآخرين، فتسحق الفقراء، وتستغلّ الأرض بتشويه طبيعتها، وتواجه النّزاعات بالحرب، ولا تعرف كيف تحاور.

5. الوجه الثّاني. هو يوسف بن يعقوب (تك 37: 23-35)، الّذي باعه إخوته عبدًا لحسدهم منه لتجّار في طريقهم إلى مصر. وبعد أحداث متنوّعة دخل في خدمة فرعون وأصبح كأنّه نائبًا للملك، ما جعل الفرعون يقول للمصريّين عند كلّ حاجة: "إذهبوا إلى يوسف، فما يقله لكم فافعلوه" (تك 41: 55). ثمّ كان أن جاء إخوته إلى مصر فاستقبلهم واعتنى بهم ولم يعاتبهم على شيء، ولم يحفظ ضغينة، ولا ضمر شرًّا لأيّ منهم، بل انتصر على الشّرّ بصنع الخير. يوسف الّذي اختبر الظّلم شخصيًّا لم يبحث عن خيره بل عن خير الشّعب.

6. يستنتج قداسة البابا من هذين الوجهين الرّوحانيّة الّتي ينبغي أن تغذّي العمل السّياسيّ، ويختصرها بمظهرين: المحبّة الّتي تضع السّياسيّ في موقع أقرب من كلّ إنسان ولاسيّما من هم الأضعف والأفقر؛ وتضعه في موقع الاهتمام بمستقبل أفضل للأجيال الطّالعة. إنّ السّياسة الّتي تسعى إلى خلق مساحة شخصيّة وفئويّة أوسع هي سياسة سيّئة، أمّا تلك الّتي تسعى إلى وضع أسس لمستقبل الأجيال هي سياسة صالحة، وفقًا للقاعدة الذّهبيّة: "الوقت يفوق المساحة".

7. على ضوء هذين الوجهين وفي ختام هذه الخلوة الرّوحيّة، فليطرح كلّ واحد منّا، بل كلّ سياسيّ صالح هذه الأسئلة على نفسه:

- بماذا جعلت الشعب يتقدّم؟

- أيّ طابع تركت في حياة المجتمع؟

- أيّ روابط حقيقيّة بنيت؟

- أيّ قوى إيجابيّة حرّرت؟

- كم سلام اجتماعيّ زرعت؟

- ماذا أنتجت في المسؤوليّة الّتي أُسندت إليّ؟ (البابا فرنسيس: "كلّنا إخوة"، 197).

- ماذا فعلت لتسهيل انتخاب رئيس الجمهوريّة، وإحياء المؤسّسات الدّستوريّة بعد خمسة أشهر من الفراغ الرّئاسيّ ودمار شعبنا؟  

8. في زمننا العصيب الّذي يحتاج إلى شهود أبطال للحقيقة والعدالة ولسموّ الله فوق أيّ اعتبار نختم بطلب شفاعة القدّيس توماس مور، المستشار البريطانيّ (Chancellor) الّذي أعدمه الملك هنري الثّامن لرفضه التّوقيع على الإعلان بانفصال كنيسة بريطانيا عن سلطة بابا روما والإقرار بالملك هنري الثّامن رئيسًا أعلى عليها. وذلك بسبب رفض البابا إبطال زواجه ليتزوّج عشيقته وليكون له منها وريث. فكان أن إتّهم توماس مور بالخيانة وألقي في السّجن ولاقى العذاب. ثمّ أصدر الملك حكمًا بقطع رأسه. ولمّا صعد على المنصّة قال كلمته الأخيرة الشّهيرة: "هأنذا أموت في سبيل الكنيسة، خادم الملك الأمين، ولكن خادم الله أوّلًا". كان ذلك في 6 تمّوز 1535. طوّبته الكنيسة سنة 1885، ورفعته قدّيسًا على مذابحها سنة 1935. وفي عام 2000 بمناسبة اليوبيل العام أعلنه القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني شفيعًا لمسؤولي الحكومات ولرجال السّياسة.

نلتمس من الله شفاعته ليستنير بمثله كلّ من يتعاطى الشّأن السّياسيّ لمجد الله الآب والإبن والرّوح القدس، الإله الواحد، الآن وإلى الأبد، آمين".