لبنان
06 كانون الثاني 2025, 06:00

الرّاعي ترأّس قدّاس يوم السّلام العالميّ، وهذا ما صلّى من أجله!

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، أمس الأحد، بقدّاس يوم السّلام العالميّ وبعيد العائلة المقدّسة، في بكركي.

وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى الرّاعي عظة قال فيها:  

"1. تحتفل الكنيسة اليوم بعيد العائلة المقدّسة، عائلة يوسف ومريم ويسوع، حيث كان فيها يسوع ينمو بالقامة والحكمة والنّعمة. وهو مثال لكلّ ابن وابنة في عائلتهما. فمن واجب الوالدين تأمين نموّ الأولاد بالقامة من تعب والديهم، وبالحكمة أيّ التّربية البيتيّة والمدرسيّة، وبالنّعمة بتربيتهم الرّوحيّة.  

ونقيم في لبنان "يوم السّلام العالميّ"، وقد وجّه قداسة البابا فرنسيس في المناسبة رسالة، كعادة البابوات، وهي بعنوان: "اغفر لنا خطايانا، وامنحنا سلامك". فأحيّي سيادة أخينا المطران مارون العمّار، رئيس اللّجنة الأسقفيّة "عدالة وسلام" وسيادة المطران جول بطرس نائب الرّئيس وأعضاءها، شاكرًا إيّاهم على تنظيم قدّاس اليوم الّذي يكرّمون فيه بعض الإعلاميّين. وأرحّب بجميع الحاضرين. إنّي أقتبس من رسالة قداسة البابا فرنسيس هذه العظة.  

I. سماع صراخ البشرية المهدّدة  

2. في سنة 2025، تحتفل الكنيسة باليوبيل الكبير، وهو حدث يملأ القلوب بالرّجاء.إنّه سنة النّعمة التي تأتي من قلب الفادي، ونوّد الإصغاء الى الصّراع اليائس، صراخ الإنسانيّة المهدّدة. واللّه لا يتوقّف أبدًا عن سماعه. ونحن مدعوّون إلى أن نكون صوتًا لمختلف حالات الاستغلال والظّلم؛ فيجب أن يشعر كلّ واحد منّا أنّه مسؤول بطريقة أو بأخرى عن الدّمار الّذي يتعرّض له بيتنا المشترك، وأشير خصوصًا الى عدم المساواة بجميع أنواعها، والمعاملة اللّاإنسانيّة تجاه مهاجرين، والتّدهور البيئيّ، ورفض لأيّ حوار، والتّمويل الهائل للصّناعة العسكريّة. هذه كلّها عوامل تشكّل تهديدًا حقيقيًّا لحياة البشريّة جمعاء.  

3. إنّنا مدعوّون كلّنا، أفرادًا وجماعات، لتحطيم سلاسل الظّلم وإعلان عدالة اللّه. ولن تكفي بعض الأعمال الخيريّة من حين إلى آخر، بل هناك حاجة إلى تغييرات ثقافيّة وهيكليّة لتحقيق تغيير دائم.  

II. تغيير ثقافيّ: نحن جميعًا مدينون  

4. يدعونا حدث اليوبيل إلى أن نقوم بتغييرات متعدّدة لمواجهة وضع الظّلم، وعدم المساواة الّذي نحن فيه. فنتذكّر أنّ خيرات الأرض معدّة لجميع النّاس، لا لبعض المميّزين. فلنتذكّر كلمة القدّيس باسيليوس: "قل لي ما هي الأشياء الّتي لك؟ من أين اخذتها... ألم تخرج عريانًا من بطن أمّك؟ ألن تعود عريانًا مرّة أخرى إلى التّراب؟ عندما يغيب الشّكر وعرفان الجميل، لا يعترف الإنسان بعطايا اللّه. ومع ذلك اللّه، من رحمته اللّامتناهية، لا يتخلّى عن البشر الّذين يخطئون ضدّه، بل يؤكّد على عطيّة الحياة بمغفرة الخطايا، وعلّمنا بصلاة الأبانا أن نسأله: اغفر لنا خطايانا" (متّى 6: 12).  

التّغيير الثّقافيّ يقتضي الإعتراف بأنّنا أبناء الآب، وأنّنا جميعنا مدينون، وأنّ كلّ واحد منّا ضروريّ للآخر، وفقًا لمنطق المسؤوليّة المشترك والمميّز. يمكننا أن نكتشف بشكل قاطع أنّنا محتاجون ومدينون بعضًا لبعض.  

III. مسيرة رجاء: ثلاث خطوات ممكنة  

5. سنة النّعمة في اليوبيل الكبير تفتح من جديد طريق الرّجاء لكلّ واحد منّا. الرّجاء يولد من خبرتنا لرحمة اللّه، الّتي لا حدّ لها أبدًا. اللّه الّذي لا يدين لأحد بشيء، يستمرّ في منح النّعمة والرّحمة للبشر جميعًا وبلا انقطاع. إنّه لا يحسب الشّرّ الّذي ارتكبه الإنسان، بل هو بشكل كبير "واسع الرّحمة، لحبّه الشّديد الّذي أحبّنا به" (أفسس 2: 24). في بداية هذه السّنة لنفكّر في النّعمة الّتي بها يغفر في كلّ مرّة خطايانا ويعفو عن كلّ ديوننا، لكي يمتلئ قلبنا بالرّجاء والسّلام.  

في صلاة الأبانا، نطلب من الآب أن يغفر لنا، كما نغفر نحن أيضًا للمسيئين إلينا (متّى 6: 12). لكي نغفر لهم، ونعطيهم الرّجاء، يجب أن تكون حياتنا مليئة بالرّجاء نفسه الّذي يأتي من رحمة اللّه. الرّجاء هو عطاء بسخاء، وغفران من دون حساب، وسعي إلى أن نقيم من يسقط، ونداوي القلوب المنسحقة.  

أودّ في بداية سنة النّعمة أن أقترح ثلاثة أفعال يمكنها أن تعيد الكرامة إلى حياة الشّعوب:  

6.الفعل الأوّل  

التّخفيض الكبير، إن لم يكن الإعفاء الكامل، للدّيون الدّوليّة الّتي تثقل مصير دول كثيرة. يجب على الدّول الغنيّة أن تشعر بأنّها مدعوّة إلى أن تعمل كلّ ما بوسعها لكي تعفي ديون الدّول الّتي لا تستطيع أن تسدّد ما عليها بالتّأكيد.  

7. الفعل الثّاني  

إلتزام ثابت لتعزيز احترام كرامة الحياة، البشريّة، من لحظة الحمل حتّى الوفاة الطّبيعيّة، حتّى يستطيع كلّ شخص أن يحبّ حياته، وينظر إلى المستقبل برجاء، فيطلب التّطوّر والسّعادة لنفسه ولأبنائه. من دون الرّجاء في الحياة، من الصّعب أن تظهر في قلوب الشّباب الرّغبة في إنجاب أجيال جديدة. ودعوة إلى خطوة عمليّة تعزّز ثقافة الحياة، وهي إلغاء عقوبة الإعدام في كلّ الدّول. فإنّه اعتداء على حرمة الحياة، ويقضي على كلّ رجاء في المغفرة والتّجدّد.  

8. الفعل الثّالث  

تخصيص على الأقلّ نسبة ثابتة من الأموال الّتي تنفق على الأسلحة، لإنشاء صندوق عالميّ يقضي على الجوع نهائيًّا، وهو من أجل الأجيال الشّابّة في هذا الزّمن المليء بالحروب. إنّه يعزّز في أفقر الدّول الأنشطة التّربويّة والتّنمية المستدامة. هذا العمل طلبه قبلي القدّيس البابا بولس السّادس، والبابا بندكتوس السّادس عشر.  

IV. هدف السّلام  

9. لنسعَ إلى السّلام الّذي يمنحه اللّه لقلبٍ متجرّد، قلبٍ يذيب الإنسانيّة ويكون مستعدًّا ليلتقي الآخرين، قلبٍ لا يتردّد في الإعتراف بأنّه مدين إلى اللّه، قلبٍ يؤمن أنّ كلّ إنسان هو غنىً لهذا العالم. بابتسامة فقط أم بنظرة أخويّة، أو إصغاء صادق، أو خدمة مجّانيّة، نقترب من هدف السّلام ونصل إليه بشكل أسرع.  

لا يأتي السّلام فقط مع نهاية الحرب، بل مع بداية عالم جديد، عالم نكتشف فيه أنّنا أكثر أخوّة ممّا كنّا نتخيّل. إغفر لنا، أيّها الرّبّ يسوع، وامنحنا سلامك.  

10. أربعة أيّام تفصلنا عن التّاسع من هذا الشّهر، يوم يلتئم المجلس النّيابيّ لإنتخاب رئيس للجمهوريّة يكسب ثقة المواطنين وثقة الأسرة الدّوليّة، ويعمل على المصالحة الوطنيّة، ويوطّد الوحدة الدّاخليّة، ويزرع الرّجاء في القلوب، والسّلام في النّفوس، ويستمدّ أفكاره ومبادئه من سنة اليوبيل الكبير المقدّس، ومن يوم السّلام العالميّ.  

فلنصلِّ معًا، أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء من أجل هذه النّوايا، وعلى نيّة الكتل النّيابيّة من أجل نجاح مشاوراتها حول شخصيّة مثل هذا الرّئيس. وللّه كلّ مجد وشكر الآن وإلى الأبد، آمين."