لبنان
17 نيسان 2023, 05:00

الرّاعي: المسؤول الحقيقيّ يواجه الصّعوبات ويجد لها حلولاً

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي القدّاس الإلهيّ في بكركي، في الأحد الجديد وعيد الرّحمة الإلهيّة، حيث ألقى عظة تحت عنوان "ربّي والهي" ( يو 20: 28)، فقال:

"1. تحتفل الكنيسة اليوم "بالأحد الجديد"، وهو الّذي يلي أحد القيامة. هو "جديد" لأنّه بداية العهد المسيحانيّ، عهد المسيح الّذي، بموته وقيامته وانتصاره على الخطيئة والموت، حقّق في الإنسان الخلق الجديد. فالمسيح الرّبّ أعاد للإنسان بهاء صورة الله فيه. في هذا تجلّت محبّة الله "الغنيّ بالرّحمة" (أفسس 2: 4)، وبلغت ذروتها. لهذا السّبب حدّد القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني الأحد الجديد ليكون عيد الرّحمة الإلهيّة.

2. فيسعدنا أن نحتفل معكم بهذه الإفخارستيّا الّتي تتحقّق فيها "الآن وهنا" ذبيحة ربّنا يسوع فداء عن خطايانا وخطايا البشر أجمعين، ووليمة جسده ودمه لمغفرة الخطايا، ومنح الحياة الجديدة بروح القيامة لكلّ مؤمن ومؤمنة.

ويطيب لنا أن نحيي عيد الرّحمة الإلهيّة مع الجماعات الّتي تؤدّي العبادة للرّحمة الإلهيّة، وتنشرها، وهي تأتي اليوم من مختلف الرّعايا والمناطق اللّبنانيّة. فنوجّه تحية خاصّة لهذه الجماعات والمسؤولين فيها ومرشديها ومرشدها العامّ، وسيادة أخينا المطران بولس عبد السّاتر المشرف عليها.

3. وإنّا نصلّي إلى الله، بشفاعة القدّيسة الأخت فوستين أن يفتح قلوب جميع النّاس لقبول الرّحمة الإلهيّة، فيزدادوا محبّة وتحنّنًا وتمتلئ قلوبهم سلامًا نابعًا من محبّة الله ورحمته ومن صميم قلب يسوع المسيح، كما يظهر في الصّورة الّتي رأتها الأخت فوستين في مختلف ظهوراته سنة 1931 و1933 و1935. لقد ظهر لها المسيح بملء قامته مع شعاعين يخرجان من قلبه المطعون بالحربة، الواحد أبيض والثّاني أحمر. هذا المشهد رآه الصّالبون والمريمات الحاضرات عند الصّلب ويوحنّا وأمّ يسوع (راجع يو 19: 34).

فيرمز الماء إلى المعموديّة الّتي منها نُولد أبناء وبنات الله، ويرمز الدّم إلى الإفخارستيّا الّتي فيها يفتدي الله البشريّة جمعاء بذبيحة ذاته على الصّليب، وفيها يتناول المؤمنون جسد الرّبّ ودمه للحياة الأبديّة. كلّ أسرار الكنيسة التّي منها تأتينا النّعم الخلاصيّة، إنّما تنبع من قلب يسوع المطعون بالحربة. من هذا القلب الأقدس وُلدت الكنيسة المتمثّلة فيها البشريّة الجمعاء.  

4. لقد طلب الرّبّ يسوع من الأخت فوستين في ظهوره الأوّل أن ترسم لوحة هذا المشهد وتكتب في أسفلها: "يا يسوع أنا أثق بك"، وأن تكرَّم هذه الصّورة في جميع كنائس العالم، وأن يعلّم الكهنة عظمة رحمة يسوع، ويساعدوا على ارتداد الخطأة إلى التّوبة، لكي ينعموا بعظمة الرّحمة الإلهيّة.

وأُعطيت الأخت فوستين مسبحة الرّحمة الإلهيّة. فكانت كلّ الرّسالة الّتي تلقّتها الإعلان أنّ "الله محبّ رحوم".

في عيد الرّحمة الإلهيّة، نُجدد إيماننا بأنّ الرّبّ يسوع تألّم ومات على الصّليب ليفتدي ويُكفّر عن خطايانا وخطايا العالم أجمع. فإنّا نهتف إليه: "بحقّ آلام يسوع الموجعة، ارحمنا يا ربّ وارحم العالم أجمع".

5. ويسعدنا أن نرحّب "بجمعيّة فينيسيا للقدّيس شربل البولنديّة" والآباء والحجّاج المرافقين الآتين من بولندا، وطن القدّيسة فوستين والقدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني، وعلى رأسهم آباء مرشدون كبّوشيّون، وهم في زيارة حجّ إلى الأماكن المقدّسة في لبنان.  

6. لقد تابعنا بقلق وشجب وأسف ما تتعرّض له المقدّسات الإسلاميّة والمسيحيّة والمؤمنون في القدس على يد القوّات الإسرائيليّة، وفيما نستنكر بشدّة هذه الاعتداءات على الأماكن المقدّسة وعلى ممارسة الحرّيّة الدّينيّة، ندعو الأسرة الدّوليّة إلى التّدخّل الحاسم لإيقافها، والعودة إلى قرارات الأمم المتّحدة والشّرعيّة الدّوليّة الّتي ترعى وضع المدينة المقدّسة والمؤمنين الآمنين.

7. لم يُصدّق توما الرّسول خبر قيامة يسوع بسبب الصّدمة من آلام يسوع وصلبه. فكانت هذه الصّدمة أكبر من إيمانه وأكبر منه، إذ قال: ما لم أعاين في يديه مواضع المسامير، وأجعل أصابعي فيها، وما لم أمدّ يدي في جنبه لا أؤمن!" (يو 20: 25).

ولكن، بعد ثمانية أيّام، لمّا ظهر يسوع لرسله، دعا توما وقال له: "هات إصبعك إلى هنا، وانظُر يديّ، وهاتِ يدك، وضَعها في جنبي، ولا تكن غير مؤمن، بل مؤمنًا"، فلم يفعل. بل عندما رأى إنسانيّة يسوع بجراحها، آمن بأُلوهيّته. لم يلمس توما جراح يسوع، بل كلام يسوع لمس قلب توما، وأحيا إيمانه. يعلّمنا هذا الحدث ألّا تكون صدمات الحياة و مشاكلها أكبر منّا. ولنتذكّر أنّ المسيح الرّبّ القائم من الموت هو رفيق دربنا الدّائم، وبخاصّة في وقت الشّدائد بمختلف أنواعها. فهو يعرف معاناتنا ويعرف كيف يخاطب قلوبنا.

8. وإنّي أتوجّه بنوع خاصّ إلى كلّ مسؤول في الكنيسة والعائلة والمجتمع والدّولة، لأقول إنّ واجب هذا المسؤول أن يواجه الصّعوبات الّتي تفرضها عليه مسؤوليّته. فلا يتهرّب منها ولا ييأس ولا يتكاسل ولا يبرّر تقاعسه وتقصيره. المسؤول الحقيقيّ يواجه الصّعوبات ويجد لها حلولاً، لئلّا تتفاقم وتأتي بالضّرر الكبير على من هم في إطار مسؤوليّته.

9. وما القول إذا كان المسؤولون السّياسيّون عندنا يجتهدون في خلق الصّعوبات والعقد الّتي تأتي بالنّتائج الوخيمة على المواطنين. لقد "تفانوا بكلّ جهد" في عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة وفي تكريس الفراغ في الرّئاسة الأولى، وشلّ المؤسّسات الدّستوريّة، مجلسَ نوّاب وحكومةً وإدارات عامّة، منذ ستّة أشهر. فرموا البلاد في الإنهيار الكامل اقتصاديًّا وماليًّا وإنمائيًّا وإجتماعيًّا.

ثمّ عادوا بذات "التّفاني والجهود" ليمدّدوا للمجالس البلديّة والاختياريّة- ويا للسّخرية!- ظنًّا منهم أنّهم بذلك يبرّرون عدم إمكانيّة انتخاب رئيس للجمهوريّة.  

10. ونسأل "نوّاب الأمّة": كيف رفضتم الاجتماع، لغاية تاريخه، لانتخاب رئيس للجمهوريّة، واستمرّيتم في الفراغ الرّئاسيّ، واليوم تجتمعون بكلّ سهولة وتؤمّنون النّصاب من أجل تأجيل إستحقاق دستوريّ آخر وطنيّ وديموقراطيّ، هو إجراء الانتخابات البلديّة والاختياريّة، وبذلك تمنعون المواطنين من حقّهم الدّستوريّ في التّعبير عن رأيهم وإيصال من يرونه مناسبًا.

إنّكم بكلّ سهولة تستخفّون بالشّعب والدّستور وتُجدّدون لأشخاص انتهت مدّة ولايتهم التّي أعطاهم إيّاها الشّعب بالوكالة.

يا لسخافة السّبب المخجل وهو عدم وجود مال لتغطية أكلاف الانتخابات! لماذا لم تؤمّنوا المال قبل الوصول إلى أجل هذا الاستحقاق؟ إنّها سخافة ثانية تضاف إلى سابقتها وهي: التّوافق على الشّخص المرشّح للرّئاسة الأولى. أين كنتم أيّتها الكتل النّيابيّة طيلة السّتّ سنوات من ولاية رئيس الجمهوريّة؟ ماذا كنتم تفعلون؟ ألم تجدوا مرشّحًا؟ لماذا لم تتوافقوا على هذا "الشّخص" طيلة هذه السّنوات؟

في كلا السّخافتين بيّنتم للملء أنّكم غير جديرين بالمسؤوليّة الّتي أُسندت إليكم، ومع هذا كلّه تحتلّون وتصادرون المسؤوليّة على حساب هدم الدّولة وإفقار الشّعب وقتله. أليست هذه خيانة للأمانة التّي ائتمنكم عليها الشّعب؟

كيف توفّقون بين خفّة قرار تمديد ولاية المجالس البلديّة، وجدّيّة العمل الطّويل الّذي قامت به وزارة الدّاخليّة والبلديّات لإعداد الهيئات النّاخبة وتنظيمها، وطلبت من الحكومة في شهر كانون الثّاني الماضي الاعتمادات اللّازمة والمحدّدة؟ لإجراء هذه الانتخابات.

11. ربّي وإلهي! هاتان الكلمتان أصبحتا المدخل لكلّ صلواتنا اللّيتورجيّة. وهي إعلان إيماننا، وصرخة ندائنا لالتماس الرّحمة الإلهيّة، غفرانًا لخطايانا، وخطايا جميع البشر، ومن أجل الاستقرار والسّلام في وطننا وفي العالم.

لله المجد والشّكر على رحمته اللّامتناهية، الآب والإبن والرّوح القدس، آمين" .