لبنان
20 كانون الثاني 2025, 06:00

الرّاعي: الحياد الإيجابيّ حاجة للبنان

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي قدّاس الأحد الثّاني من زمن الدّنح في بكركي، حيث كانت له عظة بعد الإنجيل المقدّس بعنوان "تعاليا وانظرا" (يو 1: 39)، فقال:

"1. لمّا شهد يوحنّا أنّ يسوع المسيح هو "حمل الله" أمام تلميذيه، تبعا يسوع. فإذ رآهما يسوع سألهما: "ماذا تريدان؟ فأجابا: "يا معلّم أين تقيم؟ فأجابهما: "تعاليا وانظرا".

اليوم أين نرى المسيح؟ نراه في كلّ محتاج جسديًّا أو روحيًّا أو معنويًّا، نراه في كلّ إنسان يُقتدى به. نراه في الجماعة المصلّيّة. نراه في شخص الكاهن. نراه في أسرار الكنيسة السّبعة. في كلّ هذه الرّؤيات يكلّمنا الرّبّ يسوع، مخاطبًا عقولنا وضمائرنا وقلوبنا. فيجب الإصغاء إليه.

2. يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا في هذه اللّيتورجيا الإلهيّة الّتي نرى فيها الرّبّ يسوع ذبيحة فداء وطعامًا روحيًّا، فليصغِ كلّ واحد وواحدة منّا إليه، فهو "الكلمة المتكلّمة لكلّ إنسان في العالم" (راجع يو 1: 9). وأوجّه تحيّة خاصّة إلى السّيّدة باولا اغوسطين وأسرتها ونصلّي لراحة نفس والدها ريمون روفايل ووالدتها منى الخوري؛ ونحيّي المهندس كبريال جورج الحاج زوج المرحومة الدّكتورة كلودين نصر الحاج الّتي ودّعناها معه ومع ابنتيها وابنها ووالدتها وشقيقتيها وسائر أنسبائها؛ ونرحّب بالمهندس جان وشقيقيه وشقيقته أولاد المرحوم أنطون حنّا مخايل الّذي ودّعناه معهم؛ ونوجّه التّحيّة إلى السّيّد مارون سمعان شقيق المرحوم المهندس ريمون الّذي ودّعناه معه ومع الأنسباء. فنذكر في هذه الذّبيحة الإلهيّة إخوتنا وأخواتنا ريمون روفايل وزوجته، والدّكتورة كلودين الحاج، وأنطون حنّا مخايل، والمهندس ريمون مارون سمعان، سائلين لهم الرّاحة الأبديّة ولعائلاتهم العزاء.

3. كان تلاميذ يوحنّا يعتبرونه حملًا بين ذئاب برّيّة مجتمعهم، لوداعته وتضحيته وتقشّفه ومناداته بمعموديّة التّوبة، ولغفران الخطايا والتّكفير عنها (أنظر مرقس 1/ 2-6). فلمّا رأى يسوع ماشيًا قال لتلميذيه: "هذا هو حمل الله"، لينفي عن نفسه هذه الصّفة، أمام من هو حمل الله بامتياز. هذا كان نهجه، أعلنه يومًا للتّلاميذ: "ينبغي لذاك أن ينمو، ولي أن أنقص، لأنّ الّذي أتى من فوق، هو فوق الكلّ، والّذي هو من الأرض أرضيّ هو، وأرضيًّا يتكلّم" (يو 3: 30-31). يسوع هو حمل الله بامتياز بالنّسبة إلى المعمدان وإلينا.

4. قال المعمدان عن يسوع إنّه "حمل الله". واكتشف، يوم معموديّته، أنّه ابن الله القدّوس الّذي لا تشوبه خطيئة، والممتلئ من الرّوح القدس. صورة "حمل الله" مأخوذة من الكتب المقدّسة في العهد القديم، لاسيّما من سفر الخروج (12/ 1-4) ومن نبوءة أشعيا (15/13-15)؛ وترمز إلى فادي الجنس البشريّ، يسوع المسيح؛ لكنّها في الوقت نفسه تحقيق لما تعني واكتمال. فالمسيح هو حمل الفصح الجديد، وعبد الله المتألّم الّذي يحمل خطايا جميع النّاس، ويكفّر عنها بآلامه البريئة وموته على الصّليب، ويزيلها برحمة من الآب، وبقوّة من الرّوح القدس الّذي يبعث الحياة الإلهيّة فينا.

إنّه حمل الفصح الجديد بالنّسبة إلى الفصح اليهوديّ القديم الّذي يصفه سفر الخروج (12/1-14). سيقول عنه بولس الرّسول في صلبه وموته: "لقد ذُبح حمل فصحنا، وهو المسيح" (1كور 5/7).

5. يسوع يُعرف بالاختبار الشّخصيّ: "تعاليا وانظرا" (يو 1/ 39). بهذه الدّعوة أجاب على سؤال تلميذي المعمدان، اللّذين تبعاه عند سماع شهادة يوحنّا: "هذا هو حمل الله". فأقاما معه طوالَ النّهار. ولمّا رجعا، أعلن أندراوس لسمعان ما كُشف لهما: "لقد وجدنا المسيح" (يو 1/ 41). "حمل الله"، المسيح المنتظر، الّذي كتب عنه الأنبياء.

آمن التّلميذان بفضل ما سمعا من قول بولس الرّسول: "الإيمان من السّماع، والسّماع من كلمة الله" (روم 10/17). المبادرة الأولى هي من المسيح، كلمة الله المتكلّمة إلى كلّ إنسان (القدّيس برنردوس): "ماذا تريدان؟ تعاليا وانظرا". هذا أصل مسيرة الإيمان. تبعاه عند سماعهما قول المعمدان، متسائلين، فساءلهما هو؛ وتبعاه باحثين، فكان هو الّذي يبحث عنهما. هذه قصّتنا مع المسيح (أنظر رسالة البابا يوحنّا بولس الثّاني إلى الشّبيبة في 15 آب 1996، إعدادًا للأيّام العالميّة في باريس 1997، بعنوان: "يا معلّم أين تقيم؟ تعاليا وانظرا"). وكان سمعان بن يونا ذروة بحثه، وقد أراده نائبًا له على رأس الكنيسة، والصّخرة الّتي تُبنى عليها، بفضل إيمانه. فلّما أتى سمعان إلى يسوع، على شهادة أخيه أندراوس، بادره الرّبّ بنظرة ثاقبة حتّى الأعماق، وقال: "أنت سمعان بن يونا. ستدعى الصّخرة– بطرس "Petros باليونانيّة"، "وكيفا بالسّريانيّة" (يو 1/ 42).

6. يشعر اللّبنانيّون بالانشراح عند سماعهم المبادئ الّتي سيتبعها فخامة رئيس الجمهوريّة العماد جوزف عون، وعن اهتمام رؤساء الدّول وترحيبهم ووعودهم بدعم لبنان ومساعدته على النّهوض الاقتصاديّ والاجتماعيّ والماليّ والإعماريّ. ويعبّرون عن ثقتهم برئيس الحكومة المكلّف القاضي نوّاف سلام. ويتمنّون له سرعة تأليف الحكومة مع فخامة الرّئيس.

7. وعد فخامة الرئيس في خطاب القسم، فيما وعد، بممارسة الحياد الإيجابيّ، فارتاح معظم المواطنين. لقد ربط الحياد مع "تصدير أفضل المنتجات اللّبنانيّة واستقطاب السّوّاح، والإصلاح الاقتصاديّ". ما يعني إلى كونه يحيي الوحدة الوطنيّة يؤمّن الاستقرار، والازدهار والنّموّ الاقتصاديّ، ويساهم في السّلام العالميّ. فالحياد لا يعني الضّعف، والدّليل حضور سويسرا المحايدة العالميّ القويّ على السّاحة السّياسيّة والاقتصاديّة. الحياد الإيجابيّ حاجة للبنان، انطلاقًا من شعار الميثاق الوطنيّ "لا شرق ولا غرب"، ومن مبدأ أنّ لبنان ليس "لا مقرًّا ولا مستقرًّا". وقد تبدّلت لغة الاستعمار الجغرافيّ إلى سيطرة اقتصاديّة، اجتماعيّة، ثقافيّة، تكنولوجيّة. والمبدأ الثّالث، "لبنان ليس بلاد الغلبة"، بل هو أكثر من بلد، إنّه رسالة حرّيّة وعيش مشترك مسيحيّ- إسلاميّ" بحسب القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني. فلكي يقوم لبنان بهذه الرّسالة، وبرسالة لقاء الثّقافات والأديان، وبأن يكون مكان لقاء وحوار من أجل الدّفاع عن حقوق الشّعوب، ينبغي أن يكون محايدًا إيجابيًّا ناشطًا.

الحياد الإيجابيّ هو مذهب سياسيّ وضعيّ يقوم على عدم الانحياز إلى كتلة من الكتل المتصارعة إقليميًّا ودوليًّا مع الالتزام بالقضايا العادلة في العالم، مثل حقّ الشّعوب في الحرّيّة والاستقلال، وحقّ الدّول في التّصرّف بثرواتها الوطنيّة. الحياد هو أساس الميثاق الوطنيّ وليس بديلًا عنه. هو خير مخرج للبنان من أزماته السّياسيّة والاجتماعيّة والمذهبيّة. ميثاق لبنان هو ميثاق الحياد. (راجع منى فيصل طعمه: الحياد في لبنان حاجة أم خيار، ص 31-44).

8. فلنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات، لكي نعيش وعود معموديّتنا، ولكي ينعم الله على لبنان بالسّلام الدّائم والحقيقيّ والشّامل، وبالعيش معًا ومؤازرة الجميع في نهوض الوطن. فنرفع إليه المجد والشّكر، الآن وإلى الأبد، آمين."