لبنان
26 تشرين الأول 2020, 08:05

الرّاعي افتتح أعمال سينودس الكنيسة المارونيّة وعلى الجدول انتخاب أساقفة جدد

تيلي لوميار/ نورسات
ألقى البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة الرّاعي كلمة في افتتاح أعمال سينودس الكنيسة المارونيّة المقدّس، والّذي يستمرّ لغاية الحادي والثّلاثين من الجاري ويتناول شؤونًا كنسيّة وراعويّة أبرزها انتخاب أساقفة للكراسي الشّاغرة، فقال:

"إخواني السّادة المطارنة الأجلّاء،

يسعدني أن أحيّيكم، ونحن نفتتح أعمال السّينودس المقدّس، الّذي تهيّأنا له في الرّياضة الرّوحيّة الأسبوع الماضي. تهيّأنا بالصّلاة والتّجدّد الدّاخليّ والتّجرّد والمقاصد الصّالحة، لكي نتناول المواضيع المطروحة كنسيًّا وراعويًّا ومن بينها انتخاب أساقفة للكراسي الشّاغرة. وفي هذا العمل نتذكّر أنّ الرّبّ يسوع، قبل أن يختار الإثني عشر، أساقفة العهد الجديد، وسمّاهم رسلًا، قضى ليلته في الصّلاة على الجبل (لو 6: 12-13). لقد اختار الّذين ارتضاهم،  ليكونوا معه، وليرسلهم يبشّرون (مر3: 13-14). الأسقف إبن محبّة المسيح واختياره عبر التّنظيم الانتخابيّ الكنسيّ.

نحن نواصل في انتخاب الأساقفة عمل الرّبّ يسوع: صلاته واختياره بفعل حبّ من يرتضيهم هو أساقفة، ويكونون معه في حياة الاتّحاد والشّركة الرّوحيّة، ومرسلين من قبله لإعلان إنجيل الملكوت. ونحن بذلك نستلهم أنوار الرّوح القدس الّذي "هو نفسه يقيمهم خلفاء للرّسل كرعاة للنّفوس" (قرار المجمع الڤاتيكانيّ الثّاني، مهمّة الأساقفة الرّاعويّة في الكنيسة، 2).

إنّه لعمل خطير نقوم به، إذ نختار "رعاة على وفق قلب الله" (إرميا 3: 15) تميّزوا بحياة كهنوتيّة صافية، وغيرة رسوليّة، وخبرة راعويّة، وتجرّد وتفانٍ في العطاء. إلى هؤلاء يكل الرّبّ يسوع "الرّاعي الصّالح" و"راعي الرّعاة العظيم" (عب 13: 20)، رعاية خراف الله (1 بط 5: 2)، وخدمة إنجيله من أجل رجاء العالم (رعاة القطيع، 5 وهو الإرشاد الرّسوليّ للقدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني). فلا يمكن إجراء هذا الاختيار عن سابق تصميم، أو لأغراض خاصّة أو لوعود أو لاتفاقيّات. عندما اختار الرّسل الأحد عشر خلفًا ليهوذا الإسخريوطيّ، قدّموا مرشّحَين: يوسف ومتّيا، ثمّ صلّوا فقالوا: "يا ربّ أنت تعلم ما في قلوب الجميع، فأظهر من تختار من هذين الإثنين، ليقبل نصيب الخدمة والرّسالة. وصوّتوا، فوقع الاختيار على متيّا. فعُدَّ من الإثني عشر رسولًا" (أعمال 1: 23-26).

سنبحث في الشّؤون اللّيتورجيّة الّتي فيها تعلن الكنيسة سرّ المسيح وتحتفل به وبعمل الفداء. في اللّيتورجيا المسيح الرّبّ، الفادي والمخلّص، حاضر وسط الجماعة، وبخاصّة في ذبيحة الإفخارستيّا. في الاحتفال اللّيتورجيّ الكنيسة على مثال سيّدها تصبح خادمة مشاركة في كهنوته (العبادة) ونبويّته (الإعلان) وملوكيّته (خدمة المحبّة) (كتاب التّعليم المسيحيّ 1069-1070 و1088).

وبما أنّه في اللّيتورجيا تظهر وحدة الكنيسة، كان لا بدّ من ترتيبها في مضمونها، وتنظيمها في إدائها. وها نحن سنعتمد، على سبيل الاختبار، "كتاب الإرشادات".

ومن المواضيع المهمّة الّتي سنناقشها تنشئة طلّاب الكهنوت في مدارسنا الإكليريكيّة. وهي تنشئة إنسانيّة كأساس، وروحيّة مرتكزة على الاتّحاد بالله والبحث عن المسيح، وفكريّة لفهم الإيمان، وراعويّة للاشتراك في محبّة يسوع المسيح الرّاعي الصّالح، وذلك وفقًا لتعليم الإرشاد الرّسوليّ: "أعطيكم رعاة" الفصل الخامس، ولشرعة التّنشئة الإكليريكيّة المعتمدة في كنيستنا. إنّ مدارسنا الإكليريكيّة تتولّى هذه المسؤوليّة الخطيرة باسم الأساقفة الّذين يوكلون إليها طلّاب الكهنوت في أبرشيّاتهم. المدرسة الإكلريكيّة تواصل عمل الرّبّ يسوع الّذي من بعد أن اختار رسله الإثني عشر، دعاهم ليكونوا معه قبل أن يرسلهم. ما يعني أنّه فرض عليهم زمن تنشئة دام ثلاث سنوات. وكان الغرض من هذه التّنشئة أن يمتّن بينهم وبينه أواصر شركة وصداقة عميقة، ويخصّهم بتثقيف ملائم. وقبيل صعوده إلى السّماء "أرسلهم إلى العالم كلّه كما أرسله الآب" (متّى 28: 16-20).

وسنتناول الشّأن الوطنيّ، وقد باتت البلاد في حاجة إلى حكومة مستقلّة تضع خطّة إنقاذيّة أساسها إعادة تكوين السّلطة في مسار دستوريّ ديمقراطيّ سلميّ وسليم. آن الأوان لتطبيق ما نصّ عليه الدّستور في هذا الموضوع. الشّعب في حالة قلق وعوز ولا ثقة.

فالمطلوب من الحكومة العتيدة، التي يجب أن تكون مميّزة عن كلّ سابقاتها، أن تضع خطّة إنقاذيّة ماليّة-اقتصاديّة- اجتماعيّة. فلا بدّ أوّلًا من تنسيق جهود الوزارات والنّقابات المعنيّة لمكافحة جائحة كورونا، وإجراء الإصلاحات الفوريّة لمواجهة كلّ من الأزمة الماليّة والمصرفيّة والاقتصاديّة، وأزمة الكهرباء، وهدر المال العامّ، وتفشيّ الفساد، واستقلاليّة القضاء. ومن بعدها العمل على إعادة تشكيل السّلطة وفقًا للدّستور.

والكنيسة، إلى جانب قيامها برسالة الكرازة والتّعليم، وخدمة الأسرار وتقديس النّفوس، تولي اهتمامًا كبيرًا بوظيفتها الثّالثة، المرتبطة بالاثنتين السّابقتين رباطًا تكامليًّا، وهي رسالة خدمة المحبّة الاجتماعيّة، ولاسيّما في هذا الظّرف الّذي يعيشه شعبنا. سنستعرض ما تقوم به البطريركيّة والأبرشيّات في هذا المجال، ونضع خطّة مشتركة ومتكاملة مع المؤسّسات المارونيّة، والمنظّمات الاجتماعيّة، وبخاصّة رابطة كاريتاس لبنان الّتي هي جهاز الكنيسة الاجتماعيّ في لبنان.

إنّنا بروحٍ ونهجٍ مجمعيّين سنناقش كلّ هذه المواضيع وسواها من تلك المدرجة على جدول الأعمال، بحيث نتبادل الرّأي ونناقش ونصل إلى القرار المجمعيّ. وستُعلن القرارات النّهائيّة في البيان الختاميّ ظهر السّبت القادم. إلى ذلك الحين، وبعده نحن جميعنا نلتزم بحفظ السّرّ حول ما يجري، وبخاصّة ما يختصّ بانتخاب المطارنة للكراسي الشّاغرة. إنّنا ملزمون ضميريًّا بحفظ السّرّ حول الأشخاص المرشّحين والمنتخبين أثناء أعمال السّينودس المقدّس وبعده. فإنّا لهذه الغاية نقسم باسم الله على حفظ السّرّ.

إنّ القسم يندرج في موجبات الوصيّة الثّانية من وصايا الله العشر، الّتي تنهي عن القسم بالباطل. فبالقسم نتّخذ الله شاهدًا على ما نقول ونؤكّد. أنّه اعتماد صدق الله على الصّدق الشّخصيّ. يكون حانثًا من يُقسم واعدًا بما لا يريد فعله، أو من لا يفعل ما وعد به بقسم. هذا الحنث مخالفة جسيمة لاحترام ربّ كلّ كلام (كتاب التّعليم المسيحيّ، 2150-2152). إنّ جسامة خطيئة القسم الباطل هي استدعاء الله إلى الشّهادة للكذب والحِنث parjure  أيّ عدم الالتزام بالقسم. إنّها مخالفة جسيمة وإساءة للرّبّ الأمين أبدًا لوعوده (المرجع نفسه، 2163).

وعليه نقف ونضع يدنا على قلبنا ونفوه بالقسم:

"أنا ... أقسم بالله العظيم ديّاني، بأنّي أحفظ السّرّ في كلّ ما يجري في أعمال السّينودس، وبخاصّة ما يختصّ بانتخاب مطارنة للكراسي الشّاغرة، بحيث أحفظ السّرّ حول الأشخاص، مرشَّحين ومنتخَبين، وحول ما يُقال عنهم، وحول نتائج الانتخابات. كلّ ذلك خلال دورة السّينودس وبعدها، حتّى وبعد إعلان المقرّرات من قبل السّيّد البطريرك. أعانني الله على ذلك بنعمته، آمين."

والآن نبدأ بالأعمال المدرجة على جدول الأعمال، واضعين كلّ أبحاثنا تحت أنوار الرّوح القدس، ملتمسين شفاعة أمّنا مريم العذراء، سلطانة الرّسل وأبينا القدّيس مارون، لخير كنيستنا، ولمجد وتسبيح الثّالوث القدّوس، الآب والإبن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين."