لبنان
26 حزيران 2023, 09:30

الرّاعي احتفل باليوبيل الكهنوتيّ لعدد من كهنة أبرشيّة طرابلس المارونيّة

تيلي لوميار/ نورسات
مترئّسًا القدّاس الإلهيّ في كنيسة مار مارون- طرابلس، احتفل البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي القدّاس الإلهيّ مع راعي أبرشيّة طرابلس المارونيّة المطران يوسف سويف والمونسنيور أنطوان مخايل والنّائب القضائيّ المونسنيور نبيه معوّض، بمشاركة حشد من الكهنة، وذلك لمناسبة اليوبيل الفضّيّ والذّهبيّ لمجموعة من كهنة الأبرشيّة.

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى الرّاعي عظة قال فيها: "1. يسعدني أن ألبّي دعوة سيادة أخينا راعي الأبرشيّة المطران يوسف سويف لأشارك في فرحة الأبرشيّة فنحتفل معًا بعيدين: الأوّل ليتورجيّ والثّاني أبرشيّ.  

ليتورجيًّا، نحتفل بعيد مولد يوحنّا المعمدان الذّي بمولده كان فرحٌ كبير بتجلّي رحمة الله في مسيرة تاريخ الخلاص، ابتداءً من بيئة أليصابات وزكريّا، إذ يذكر الإنجيل: "سمع جيران أليصابات وأنسباؤها أنّ الله أكثر رحمته لها ففرحوا معها" ( لو 1: 58).

أمّا أبرشيًّا، فنحتفل باليوبيل الكهنوتيّ الذّهبيّ لأربعة كهنة هم الخوري يوسف بشاره، الخوري فريد حبقوق، الخوري يوسف جنيد، الخوري ميشال شموني.

وباليوبيل الكهنوتيّ الفضّيّ لعشرة كهنة: الخوري عبود جبرايل، الخوري جان صعب، الخوري فادي منصور، الخوري جوزيف غبش، الخوري سليم مناع، الخوري خالد فخر، الخوري فيليب الخوري، الخوري يوسف الزّغبي، الخوري مطانيوس سابا، الخوري نعمة الله عبّود.  

2. إنّنا نذكرهم بأسمائهم، وأنتم تعرفونهم. فلكي نقدّم معهم ذبيحة الشّكر على الخمسين والخمس وعشرين سنة من الخدمة الكهنوتيّة، وعلى ما أغدق الله عليهم من نعم، وبواسطة خدمتهم، إلى أبناء وبنات رعاياهم. ومعهم نصلّي مع صاحب المزامير "ماذا أردّ إلى الرّبّ، عن كلّ ما أحسن به إليَّ؟ أرفع كأس الخلاص، وأدعو باسم الرّبّ" (مز 116: 12).  

جميل أن يكون احتفالنا في قلب مدينة طرابلس العزيزة، مدينة العيش المشترك مسيحيّين ومسلمين حيث كان القول المأثور: "الحارة بدون نصارى خساره". ولكن على الرّغم من الأحداث الأليمة الّتي جرت في بداية الحرب اللّبنانيّة المشؤومة، ظلّت الكنيسة محافظة على كنائسها ومؤسّساتها، حبًّا بطرابلس وبأهلها. وهذا الحبّ يستمرّ من جيل إلى جيل. وعليه يستمرّ المسيحيّون الطّرابلسيّون.

3. تجلّت رحمة الله في شخص يوحنّا بحدّ ذاته وفي رسالته كمعمّد بالماء للتّوبة. إسمه بالعبريّة "يهوحنان" أيّ الله رحوم. وتجلّت في الإنعام على زكريّا وإليصابات المتقدّمين في السّنّ، والمحرومين من ولد، بابن هو يوحنّا الّذي قال عنه يسوع: "إنّه أعظم من نبيّ ولم يولد من مواليد النّساء مثله" (متّى 11: 11). وتجلّت رحمة الله في رسالة يوحنّا الدّاعية إلى التّوبة وتغيير نمط الحياة والتّصرّف، مردّدًا: "أثمروا ثمرًا يليق بالتّوبة" (متّى 3) الله الرحوم أمين لوعوده فرحمته من جيل إلى جيل" (لو 1: 50). كما أنشدت مريم العذراء عند زيارتها لأليصابات. رحمة الله تنبع من أحشاء حبّه، ولذلك تبقى رحمته أكبر من ضعفنا وخطايانا: فقد خلقنا، وخلّصنا بتجسّد ابنه الوحيد وموته على الصّليب وقيامته، وأحيانًا بروحه القدّوس في حياة جديدة.  

4. وأنتم، يا أحبّاءنا الكهنة الأربعة المحتفلين بيوبيلكم الذّهبيّ، والعشرة المحتفلين بيوبيلكم الفضّيّ، قد شملتكم رحمة الله بالدّعوة الكهنوتيّة وسنوات اليوبيل. وشهدتم لرحمة الله في حياتكم، وخدمتموها في رسالتكم الكهنوتيّة: كرازةً بالإنجيل، وتقديسًا للنّفوس بنعمة الأسرار، وتدبيرًا لرعيّة المسيح المفتداة بدمه، خدمةً للحقيقة والمحبّة. وها أنتم اليوم وكلّنا معكم نرفع ذبيحة الشّكر بجسد المسيح ودمه، على كلّ الخير الّذي أغدقه عليكم وعلى عائلاتكم وعلى النّفوس الّتي نعمت بخدمتكم المثلّثة.

6. الرّحمة هي حاجة جيلنا وعالمنا: حاجة المتنازعين والمتخاصمين إلى الغفران والمصالحة؛ حاجة المظلومين والـمُهمّشين إلى العدالة والإنصاف؛ حاجة الأجيال الطّالعة إلى مكان في وطنهم، وإلى فرص عمل، وإلى مستقبل آمن وواعد، وإلى مجتمع أفضل.

هي حاجة الفقراء بكلّ أنواع عوزهم، المادّيّ والثّقافيّ والاجتماعيّ، يحتاجون بالأكثر إلى رحمة تتجسّد في أفعال المحبّة والمبادرات الإنسانيّة والإنمائيّة، وفقًا لحاجات الجسد والرّوح.  

فحاجات الرّوح هي تربية الإيمان وتثقيفه والتّعليم والإرشاد والتّشجيع والتّعزية والمصالحة والتّفهّم والغفران ورفع المعنويّات وحماية الصّيت واحترام الكرامة.

وحاجات الجسد هي إطعام الجائع، وإيواء الشّريد، وإلباس العريان، وزيارة المريض والسّجين، والتّصدّق على الفقير (راجع متّى 25: 31-46).

إنّ تلبية كلّ هذه الحاجات للجسد والرّوح هي فعل عدالة وبرّ مرضيّ لله (التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة، 2447). فلا يكفي الكلام والدّعوة والدّعاء لسدّ هذه الحاجات، بل يجب الالتزام شخصيًّا وجماعيًّا في أفعال المحبّة على أنواعها، عملًا بقول يعقوب الرّسول: "إذا لم تعطوا العريان والجائع حاجات جسده، فأيّ نفع في ذلك. كذلك الإيمان؛ إن لم يقترن بالأعمال، فهو ميتٌ في ذاته" (يع 2: 16-17)؛ وبقول يوحنّا الحبيب: "من كانت له خيرات الدّنيا، ورأى بأخيه حاجة، فأغلق أحشاءه دون أخيه، فكيف تُقيم فيه محبّة الله؛ لا تكن محبّتكم بالكلام أو باللّسان، بل بالعمل والحقّ" (1يوحنّا 3: 17-18).  

7. الرّحمة مطلوبة من كلّ مسؤول في الكنيسة والدّولة: المسؤولون السّياسيّون عندنا ينتهكون بشكل سافر الرّحمة ومقتضياتها تجاه المواطنين. وقد أوصلوا الدّولة إلى تفكّكها، والشّعب إلى حالة الفقر المدقع والحرمان، وحرموه حقوقه الأساسيّة والعيش بكرامة. وها معطّلو نصاب جلسات مجلس النّوّاب لانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة يمعنون في ذلك، وكأنّ العمل السّياسيّ أصبح وسيلة للهدم والقهر، بدلًا من أن يكون فنًّا شريفًا لخدمة الخير العامّ.  

مرّة اخرى نردّد للمسؤولين السيّاسيّين: إنّ لبنان ليس ملكًا لاحد ليتصرّف به وبشعبه على هواه وبحسب مصالحه. لبنان ملك شعبه وتاريخه وثقافته وحضارته. نحن نشجب وندين هذا التّصرّف الهدّام للبنان ومؤسّساته واقتصاده وماله العامّ. إنّ مدينة طرابلس العزيزة الّتي كانت تدعى "أمّ الفقير" أصبحت اليوم "مدينة الفقراء".  

وليتذكّروا مقدّمة الدّستور الّتي تنصّ على أنّ لبنان جمهوريّة ديموقراطيّة برلمانيّة". فليتفضّل المجلس النّيابيّ أن ينتخب رئيسًا للجمهوريّة ولديه مرشّحان محترمان.

8.  إنّنا نصلّي إلى الله كي يجعل يوبيل الخمسين سنة بداية مسيرة نحو اليوبيل الماسيّ، ويوبيل الخمس وعشرين سنة افتتاح المسيرة نحو اليوبيل الذّهبيّ، لخير الأبرشيّة العزيزة وخلاص أبنائها وبناتها، ونصلّي كي يفيض المسيح الرّبّ الدّعوات لاتّباعه على طريق الكهنوت، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، ومار يوحنّا المعمدان، ومار مارون، آمين".