لبنان
17 كانون الثاني 2017, 14:55

الرئيس عون واللبنانية الاولى يشاركان الرهبنة الانطونية الاحتفال بعيد القديس انطونيوس..

شارك رئيس الجمهورية العماد ميشال عون واللبنانية الاولى السيدة ناديا الشامي عون، الرهبنة الانطونية احتفالها بعيد القديس انطونيوس الكبير اب الرهبان، فحضرا القداس الالهي الذي اقيم في كنيسة دير مار انطونيوس الكبير في الحدث والذي رأسه الرئيس العام للرهبنة الانطونية الاباتي داود رعيدي وعاونه رئيس الدير الاب جورج صدقة ومدير المعهد الانطوني الاب غسان نصر.

 

حضر القداس وزير شؤون رئاسة الجمهورية الدكتور بيار رفول ووزير الشؤون الاجتماعية بيار ابي عاصي، والنواب انطوان زهرا (ممثلاً رئيس "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع)، وآلان عون وامل بو زيد وحكمت ديب وناجي غاريوس وشانت جنجيان وفادي الهبر. وحضر الوزراء السابقون ادمون رزق وناجي البستاني ودميانوس قطار، والمدير العام لرئاسة الجمهورية الدكتور انطوان شقير، ومحافظ جبل لبنان فؤاد فليفل، ومحافظ  بيروت زياد شبيب، ورئيس بلدية الحدث جورج عون، كما شارك في الصلاة المطارنة بولس مطر وسمعان عطا الله ونبيل شكر الله الحاج والرهبان الانطونيون.


وبعد الانجيل المقدس القى الاباتي رعيدي كلمة استهلها بالترحيب بالرئيس عون والسيدة الاولى وقال:


" يسرّنا أن نرحب بفخامتكم وبالسيدة الاولى وبالحضور الكريم، في عيد مار انطونيوس اب الرهبان، في ديره المجاور للقصر الرئاسي.
يسرنا ان نلتقي بكم شخصياً في ديرنا الانطوني الذي يحمل معكم همّ الجمهورية، ويصلي من أجل نجاح مساعيكم الخيرة، لمصلحة لبنان وابنائه. نحتفل معكم، يا فخامة الرئيس بعيد هذا القديس الرؤيوي الذي ما زال يلهم الحياة الرهبانية في اتباعها للمسيح، كما ألهم، على مر الاجيال الكثير من المؤمنين الذين غدت حياتهم مكرّسة  لقضايا متنوعة. وما يلفت في مار انطونيوس اب الرهبان، أن حياته كانت مراحل توغل في الصحراء وفي السلّم الروحي نحو الكمال.


وبالرغم من مسيرته النسكية الجذرية لم يتوان يوماً عن التدخل الحاسم في الامور الكنسية، والدفاع ضد الهرطقات التي كانت تعصف في الكنيسة والمجتمع. لذا، يشكل لنا هذا القديس صورة مميزة عن الالتزام المسيحي الكنسي في مختلف ابعاده بدءاً من شخصانية الرسالة الانجيلية الموجهة لكل مسيحي بشكل فردي وصولاً الى العمل الكنسي الشامل في حياة الكنيسة والدفاع عنها.


لقد عاش القديس انطونيوس سنوات طويلة، من سنة 251 لغاية 356 للميلاد، انتقل فيها من حال الى حال، ودوماً في مسيرة نحو الافضل مفتشاً عن الكمال، ولم يأل جهداً في التعلّم ممن قبله، حتى فاق الجميع بثباته، ورسم طريقاً مميزاً للقداسة، واقفاً دوماً أمام الله. في بدء مسيرته، قام بخيار جذري، إذ ترك كل شيء وتبع المسيح مستنيراً بجرأة التخلي عن كل شيء من اجل الخير الاسمى. خياره ووضوح الرؤية عنده شكلا له المشعل الذي انار طريقه في بحثه عن القداسة.


لقد كان تصميمه ثابتاً بالرغم من انه تقلّب في التجارب وصراعات الابالسة، وحاجات الاخوة والكنيسة في الدفاع عن قضايا الايمان، كان لا ينفكّ  ثابتاً دوماً في سلم القداسة الى أن بلغ الذروة.
أذكر حيثيات حياة انطونيوس، فخامة الرئيس، لما لوضوح التشابه بين مسيرته ومسيرتكم. فأنتم ابن مدرسة الشرف والتضحية والوفاء وقد عاهدتم الوطن خلال مسيرة حياتكم للحفاظ عليه وبالرغم من كل الصعاب والمشاكل والاحداث التي اجتزتموها، كان وضوح الرؤية في العمل السياسي والخوف على الوطن هو الذي يقود خطاكم، وكان خياركم للأمانة اكثر تصميماً وجرأة في العمل الامني والسياسي، ما جعل من نجمكم يلمع في سماء الوطن وفي قلوب وعقول الكثير من مناصريكم. وبالرغم من الصعاب والاخفاقات التي شابت مسيرتكم، كان نور الالتزام بالوطن وبقضاياه اقوى وهجاً وأكثر وضوحاً، وبالرغم من محاولات البعض خنق هذه الرؤية الجريئة والالتفاف عليها مراراً، كان إصراركم على الحق اقوى، وجرأة مد يدكم للجميع ابسل، حتى استغرب الكثيرون اقدامكم على الكثير من الخطوات التي شكلت تحدياً كبيراً أخرج الجميع في النهاية من دوامة الانتقاد الى التشبه بكم في مقاربة الامور، فتجاوزنا، ولو بصعوبة، مأزق الشغور لنخرج منه الى اصطفاف لصالح الوطن والمواطنين وبرئاستكم يا من فتحتم افق التعاون وتجاوز الذات من اجل المصلحة العامة.


في الواقع، إن أي تكرس في الكنيسة او في الحقل المدني او السياسي، لا يبلغ ملأه إلا إذا تزيّن بالتجرد عن الامور الشخصية وبالعمل من اجل مصلحة المجتمع. وكل نجاح في الحياة إنما يتأتى من تجاوز الذات والانكباب على ترقية الآخرين. وأعتقد، فخامة الرئيس، أننا وإياكم من الذين لا يوفرون شيئاً من اجل المصلحة العامة. فنحن نسهم في بناء الانسان على مختلف الاصعدة، الروحية والاجتماعية والتربوية والصحية والمدنية والوطنية، فإن أديارنا ومؤسساتنا الانطونية والكنسية هي اولاً وآخراً في خدمة الانسان.


همّ الرهبانية الانطونية بناء مواطن يتمتع بأخلاقيات راقية والعمل على تكوين فكر منطقي ومتوازن عند كل انسان. همّ الرهبانية كما الكنيسة ان تكون صرحاً للعمل الوطني، وأن تكون مختبراً للعيش المشترك.
واذا نظرنا الى الوطن، نرى أن مدارسنا ومؤسساتنا الكنسية هي اهم معقل للتلاقي بين اللبنانيين، ونقوم بهذه الرسالة بكل جرأة واقتناع. فنحن ممن يريدون ان يسهموا بمدماك الانفتاح والتعاون والاخوة بين اللبنانيين على تنوعهم.لا نريد أن نتقوقع  كما يوشوش في آذاننا البعض، نحن نؤمن بأن الآخر أيّا يكن انتماؤه الديني هو مستقيم وخلوق وراق. فالاديان تدعو الى التسامي وإذا ما جرّها البعض الى التكفير، إن مدارسنا وأديارنا ومزاراتنا مفتوحة لكل من يفتش عن الله، لكل من يؤمن بكرامة الإنسان افتداه الله وهداه السراط المستقيم، لذلك، لا نرضى بديلاً عن الشراكة والتعاون مع إخواننا المسلمين. وما يسمى بـ"التوازن الطائفي" في عالم السياسة، ما هو إلا المجال الطبيعي للتداخل الإنساني والديني والفكري والأخلاقي، في عالم الدين والمجتمع والمواطنة.


فخامة الرئيس، نصلّي معكم ومن أجلكم، كي يبقى لبنان، بإدارتكم الحكيمة، درّة الشرق تلمع في سمائه وهجاً من فكر، وحرية ، ولغة عيش مشترك.


اشكركم، فخامة الرئيس، لأنكم حافظتم على هذا التقليد بزيارة ديرنا مار أنطونيوس، الحدث-بعبدا، ليس فقط لأن الجار قبل الدار، ولكن كلي ثقة، لانكم تحبون هذا الدير وهذه الرهبانية، ولكم معها تاريخ مجيد من النضال والكرامة والصداقة، ونحن نبادلكم حبكم لنا، ونتمنى لكم أن توفقوا في مسعاكم لإرساء لبنان المتنوع بتركيبته المميزة، ومصدّر القانون والحرف إلى العالم. كونوا على ثقة بأننا نصلي لكم لكي يمدكم الله بالعافية والصحة والعمر المديد، لتقوموا بمهمتكم هذه.


وفي هذا الوقت المصقع والذي نحنّ فيه كلنا إلى الموقد لنصطلي ونأخذ الدفء، لا يسعني إلا أن أوجه التحية، معكم ومن خلالكم إلى الجيش والقوى الأمنية التي تشبه المدفأة والتي تبث الثقة في الوطن، وتعطيه الشعور بالأمان والسلام . نصلّي لهم ولعيالهم، ليحفظهم الرب، ويردّ إلينا المخطوفين سالمين، ويرحم نفوس شهدائنا الذي يضخّون الكرامة في كل واحد منّا. نصلّي ليبقوا مدرسة لكل لبناني في العطاء والتضحية.
وليكن القديس أنطونيوس رمز المثابرة والصمود في وجه حاليات العالم والتجارب القاسية، وقد مشيتم لغاية اليوم أميالاً على هذا الطريق، سراجاً يضيئكم في عملكم، وليبارككم الله الآب والابن والروح القدس، وليقدّسكم لخير لبنان وهذا الشرق."


وفي نهاية القداس، قدم الاباتي رعيدي للرئيس عون النسخة رقم واحد من اول انجيل في اللغة العربية طبع في لبنان، وكان محفوظاً في دير مار شعيا في برمانا واعادت الجامعة الانطونية طبعه. 


وبعدما تقبل الرئيس عون والسيدة الاولى تهاني الحاضرين، شاركا في مأدبة الغداء التي اقيمت لمناسبة عيد القديس انطونيوس. وقبيل قطع قالب الحلوى التقليدي الخاص بالعيد، القى الاب صدقة كلمة قال فيها:


" كم يشرّفنا يا فخامة الرئيس ان تزور ديرنا في عيد القديس انطونيوس الكبير. وقد عهدناك تزورنا اخاً وصديقا وثائرا وقائدا، والان، تزورنا فخامة الرئيس. فاهلا وسهلا بكم، متشبّثا بالحق، بحسب قول الانجيل "من يثبت الى المنتهى يخلص". ونحن، بدورنا نقول: "من يثبت الى المنتهى يصل ويقود السفينة ويخلّص لبنان".


وانتم اليوم، تجمعون حولكم كل اللبنانيين في مسيرة مصالحة انتم عنوانها! وهذا امل كبير في انهاض لبنان واخراجه من ازمته الخانقة والبلوغ به الى ما يطمح اليه هذا  الشعب "العظيم".
وها نحن نعيّد مع القديس انطونيوس الذكرى السنوية الاولى لــ "تفاهم معراب" الذي بلسم الجراح وانعش الامل في نفوس المسيحيين، وأعطاهم قوة ودفعا لاستعادة حقهم ودورهم الطليعي في لبنان والمشرق. وهذا الاتفاق لا يقتصر بدوره الخلاصي على المسيحيين فقط بل يتعداه الى كل مكونات الوطن والشرق، متمنين ان يكون هذا الاتفاق مثالا وخميرة تطيّب عجين كل القادة المسيحيّين واللبنانيين. فشكرا لكم يا صاحب الفخامة وللدكتور سمير جعجع على هذا العمل المقدّس والانجاز البطولي.


انّ آمال اللبنانيين يا صاحب الفخامة، معقودة على عهدكم الميمون، عهد الاصلاح والتغيّير والمحاسبة، لكي ينمو هذا البلد، اقتصاديا واجتماعيا ويعود اليه مغتربوه وابناؤه المبعدون قسرا من الجنوب، والمحتجزون من عسكريّين ومدنيّين، وينعم اللبنانيوّن بالامان والسلام والازدهار، ويعود لبنان الى لعب دوره الرائد في عالمه العربي وفي العالم.


فباسم الرهبانية الانطونية وقدس الرئيس العام الاباتي داود رعيدي وباسم جماعة الدير نشكركم والحضور، ونتمنى لكم وللبنان التوفيق بشفاعة القديس انطونيوس."


ورد الرئيس عون شاكراً الاباتي رعيدي وجمهور الدير على استقبالهم، مشيداً بالعلاقة التي جمعته  بالرهبنة الانطونية وخصوصاً في الايام الصعبة التي تمنى الرئيس الا تعود مجدداً. ودعا اللبنانيين الى الاعتماد على انفسهم من اجل بناء وطنهم، وليس الاعتماد على اي جهة اخرى، فالقيم اللبنانية والتعلق بالارض كفيلان بتأمين ازدهار لبنان الذي ننشده جميعاً.


وشدد الرئيس عون على ان بناء الدولة يعطي الامان للبنانيين، وقال: "ان شاء الله خلال هذا العهد، وبمساعدة الجميع، ينتعش لبنان الذي احلم ان اراه نجمة الشرق الاوسط وهذا ما سيكون عليه."