الحكمة تحيي ذكرى اهتداء شفيعها
"فرحة حقيقيّة أن نلتقي هذا المساء في رحاب جامعة الحكمة، جامعة الوطن والكنيسة، وأن نقدم لله ذبيحة شكر على كلّ ما يتمّ فيها من بحث عن الحقيقة وإعطائها للطّلاب الأحّباء، من تنظيمات تؤدّي كلّها إلى تخريج رجال ونساء يساهمون في بناء وطننا العزيز، وبناء الإنسان والمؤسّسات، وبناء الشّرق الأوسط برمّته. وما يجعلنا نفكر بذلك هو القدّيس بولس الذي نعيد لإهتدائه على طريق دمشق. هذا الفريسيّ المتعصّب لدينه الذي يغار عليه غيرة كبرى والمتحمّس في داخله للرّبّ ولإرادته، كما فهمها في الدّين اليهوديّ الذي ربي عليه. هذا الرّجل الذي رأى في المسيحيّة النّاشئة خطرًا على اليهوديّة، أراد أن يخنقها في المهد، وأخذ إذنًا ليذهب إلى دمشق ويضطهد كنيسة الله هناك وينتهي الأمر في فلسطين وفي خارجها في آن معًا. على طريق دمشق، أوقعه المسيح أرضًا وطرح سؤالًا عليه بصوت عالً قائلًا: شاول لماذا تضطهدني؟ فرد شاول: من أنت يا ربّ وماذا تريد؟ قال له الرّبّ: أكمل طريقك إلى دمشق وهناك حننيا يقول لك ما عليك فعله. فاعتمد وانفتحت عيناه للحقيقة وآمن بالمسيح وصار الرّسول الأوّل بقوّة عمله مع احترامه الكلّيّ للقدّيس بطرس. الرّبّ يحاسب ويعطي لكلّ واحد أجرًا ولكن في المناسبة لنا قول من بولس، إنّ المبشّر بالمسيح لا يطلب أجرًا، لأنّه جاء بأمر منه، والمبشّر ينفّذ مشيئة سيّده. وأنتم تعرفون، هذه التّهمة الجميلة التي اتّهم بها بولس أنّه هو مؤسّس المسيحيّة، لا بل هو الذي فهم المسيح كما لم يفهمه أحد. ويقال على مدى التّاريخ عن هذا الرجل، لن يولد بمواليد النّساء بولس آخر، هو الذي قال عن المسيح: إنّه آدم الجديد. أدرك أن يسوع، بموته وقيامته، أعاد خلق البشريّة كلّها إنطلاقًا من الحبّ الذي من الله، ومن المصالحة والسّلام. وقيل عن بولس إنّه مهندس الكنيسة، لأنّه جمع بين اليهود والشّعوب كلّها. الشّعب اليهوديّ اختاره الله ليهيّيئ مجيء المسيح ولكن عندما يأتي المسيح، يبدأ تاريخ آخر لجمع كلّ الشّعوب إلى واحد في كنيسة حدودها حدود الكون، حدود الدّنيا، وبهذا فهم بولس أنّ المسيحيّة هي دين عالميّ جامع للنّاس، وأنّه لن يعود بعد اليوم لا عبدا ولا حرًّا، لا رجلًا ولا امرأة، فالمسيحيّة هي التي أسّست المساواة بينهما بالعزّ والكرامة. هكذا عيد اهتداء بولس الرّسول، هو عيد لكلّ واحد منّا يعرف ما يأمره المسيح وينفّذه في حياته ليكون مرضيًا عند الله ويقوم بواجباته خير قيام مدركًا أنّ المستقبل هو في بناء ملكوت الله، ملكوت المحبّة والسّلام".
وإختتم عظته قائلًا: "نهنّئكم في هذا العيد، الأب الرّئيس ونائبيه والآباء وكلّ أهل الجامعة. الحكمة في الأساس، هي حكمة تقول، إنّ كلّ جماعة من جماعات لبنان كريمة وكلهم يمثّلون شعبًا واحدًا له مصير واحد. أنهي تأمّلي معكم بقول للمعلم أفلاطون الذي كان يقول: لا مستقبل لأيّة مدينة لا يدرك أهلها أنّ لهم مصيرًا واحدًا. فلنسع إلى وحدة المصير والله يكمل فينا كلّ عمل صالح له المجد إلى الأبد".