متفرّقات
15 شباط 2023, 06:15

الجمعيّة الثقافيّة الرّوميّة تحتفل بعيد تأسيسِها التّاسع وتكرِّم المبدع البروفسور أنطوان مسرّه

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفلت الجمعيّة الثقافيّة الروميّة التي تأسَّست في مطلع سنة 2014 بعيدها التاسع بإحتفالٍ أقيم في نادي المارينا بالضبيه تضمَّنته مأدبة غداءٍ أقيمت في 28 كانون الثاني 2023 وشاركَ فيه أكثرُ من 160 شخصًا من أعضاء الجمعيّة ومدعويها، وتخلَّله تكريمٌ للبروفسور أنطوان مسرّه برعاية معالي وزير التربية والتعليم العالي القاضي عباس الحلبي. وإنضمَّ الدكتور مسرّه، في هذا التّكريم، إلى قافلةِ المبدعين الرّوم الذين كرَّمتهم الجمعيّة منذ تأسيسِها وفي عيدِها السّنويّ، وهم ليلى بدر وأسعد رزق وإلياس الرحباني ومنير أبو عسلي.

بعد النشيد الوطني اللبناني ونشيد القسطنطينية، رحّب أمين السر في الجمعية الأستاذ بشاره حبيب بالوزير الحلبي وبالحضورمعلنًا بدءَ الإحتفال ومذكّرًا بأهدافِ الجمعية الثقافية الرومية. ثمَّ ترك الكلام لرئيس الجمعية الثقافية الرومية البروفسور نجيب جهشان الذي ألقى كلمةً جاء فيها: "لا نقبلُ تناسيَ ما أحرزه القدامى جيلًا بعد جيل، ولا نعتبرُ وجودَنا حاصلًا من فراغ، ولا نزدري بالذين قضَوا حياتَهم يبحثون عن الحقيقةِ ويرفعون من شأن الإنسان روحًا وجسدًا. نحن نؤمن بأنَّ الحضارةَ الإنسانية هي ثمرةُ تراكمِ الإنجازات الفردية وتضافرِ التجارب الجماعية، جيلًا بعد جيلٍ وقرنًا بعد قرن. كيف لا نختارُ هذا السبيل ونحن في بيروت، أمِّ الشرائع، مدينة أنطوان مسرّه القانوني العالمِ والمربّي، الذي خطَّ بيدِه لجيلِنا وللأجيال القادمة دستورَ الحياةِ الجماعية المنتظمة وسواءَ السبيل نحو المواطنة والرقيّ؟ كيف لا نختارُ هذا السبيل ونحن في مدينة بيروت التي لعبَت، في التاريخ الروميّ، أعظمَ الأدوار، منذ بدايات القرن الثالث والتي إحتضنَت في وسطِها مدرسةَ الحقوقِ الشهيرة التي بدأ ذكرُها في حوالي السنة 238، وروى سيرتَها كثيرٌ من المؤرخين، وبلغَت ذروةَ شهرتِها في القرنِ السادس عندما حصر أشهرُ أباطرة الروم يوستنيانوس الكبير بها وبالقسطنطينة دورَ جمع القوانين وتحليلِها وتطويرِها وتدريسِها؟"

وأنهى كلمته قائلًا: "من رحمِ هذا التاريخ العريق الذي عبقَ به أريجُ بيروت وفينيقيا الساحلية، نبتَ أنطوان مسرّه الذي نجلُّ ونكرّمُ اليوم لأنه من طينةِ هؤلاء العظام الذين تفتخرُ الجمعية الثقافية الروميّة بإبداعاتِهم وتنحني أمام إنجازاتِهم وتدعو أجيالنَا الحاضرة والقادمة للإقتداءِ بهم لتكونَ الحضارةُ إستمراريةً والثقافةُ تراكميةً. هو يجسِّدُ إستمراريةَ مدرسة بيروت الحقوقية كما تجسِّدُ كاتدرائية القديس جاورجيوس وكاتدرائية النبي إيلياس الملاصقة لها إستمرارية كنيسة القيامة Anastasis في وسطِ بيروت !"

وتوإلى على الكلام بعده الدكتور إيلي موقّديه رئيس لجنة تكريم المبدعين الذي روى كيفيةَ إختيار البروفسور مسره ليكونَ المبدع المكرم في سنة 2023 والذي وجدت فيه اللجنة كلَّ صفاتِ الإبداع الوطني والثقافي والأكاديمي والذي أجمع الجميعُ على إعتبارِه متألّقًا في عالم القانون وعلم الإجتماع السياسي. 

وكانت كلمةٌ للبروفسور ميشال عبس الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط الذي تلا سيرة الدكتور مسرّه.  فهو "القانونيّ والأستاذ الجامعي، عضو المجلس الدستوري اللبناني بين 2009 و2019، رئيس كرسيّ الأونيسكو للدراسات الدينية المقارنة والوساطة والحوار في جامعة القديس يوسف، الأستاذ الجامعي في عدّة مؤسّسات لبنانية وأجنبية، وفي معهد الدروس القضائية، عضو لجان التحديث التربوي في لبنان، حامل عدة أوسمة، وصاحب مؤلفاتٍ قانونية وإجتماعية عديدة. إشتهرَ البروفسور مسرّه بدراساته في إدارة التعددية السياسية والإجتماعية، في معنى المواطَنَة وأبعادِها، في التربية المدنية الحافظة للتراثِ الوطني وللقيم الإنسانية، في تطبيق الديمقراطية، في التشريع، في الإدارة المحلية، في الحقوق الإقتصادية والإجتماعية، في التعددية الدينية والثقافية ، وفي السلم الأهلي الدائم."

عُرضَ بعدئذٍ فيلمٌ قصير يوثِّقُ حياة المكرم أنطوان مسره ويتضمّنُ شهاداتِ البعض من أترابه وتلاميذه الذين عايشوا أعماله وإنجازاتِه وخدماتِه الكبرى. 

 

وقبل تسلّمِه درعَ التكريم، ألقى البروفسور مسرّه كلمةً جاء فيها: "أشكر الجمعية الثقافية الرومية لأن مبادرتَها تأتي في زمنٍ أحلم بالراحةِ الأبدية، بدون أنْ أجرؤ بالبوح بذلك كي لا أعمِّمَ اليأس! تأتي بالتالي مبادرةُ الجمعية كدفعٍ أحتاجُ إليه للإستمرار. تعلمتُ كلَّ ما أنا عليه من الغير: من والدتي التي فقدتها في الثامنة من عمري، من والدي في نظراتِه القلقة والمسؤولة والذي فقدته في سن الرابعة عشرة من عمري، من زوجتي وأولادي وأحفادي، من آباءٍ يسوعيين في مدرسة الجمهور، في كلية الحقوق، ....

طوالَ أكثر من ستين سنة في ممارستي التعليم، كان هاجسي الأول ودائمًا، بفضل عصبية بعض الممتحنين وليس التربويين، إكتشافَ وإستنهاضَ المواهب والنظرَ إلى كل تلميذٍ وطالبٍ كمشروع عبقريةٍ وإرتقاءٍ في مستقبلٍ قريبٍ أو بعيد. الفضلُ الوحيدُ ربما لي هو الإصغاءُ. فضيلة الإصغاءِ نابعةٌ من صوت الضمير الذي يسمّيه جان جاك روسو الغريزةَ الإلهية، شرط إبقائه حيًّا وعدمِ تدجينه أو إنزوائه في حالة غيبوبة. الضميرُ هو صوت الله في كل إنسان وجوهر خاصّيّة الإنسان.

ومن أنا لولا إكتشاف يسوع بعد سنوات من القلق على إثر وفاةِ والدي وبفضل الأب جان بيروز الذي كان موضوعَ تعليمِه المسيحي هو رسالة الإنسان على ضوء الإنجيل. 

الثقافة والتربية والحضارة هي تراكم... ماذا يحصل في العالم عندما تنعدمُ أو تضطربُ آلياتُ النقل من جيلٍ إلى جيل؟ ليس هدفُ نقل التراث التباهي ولا الإفتخار ولا الشوفينية ولا التعظيم... بل لهدفَين متكاملين نحتاجُ إليهما في كل سلوكياتنا في لبنان: إدراك المسؤولية لأن كلَّ واحدٍ منا وريثٌ ومكمِّل، وإكتسابُ بُعد النظر في كل سلوكٍ ونبذُ المقاربة المحض آنية. ليس التاريخُ علمَ أحداثِ الماضي بل علمَ الإنسان في الزمن الطويل.": وإنتهى قائلًا: " وأختمُ بالشأن الوطني الذي هو ثمرةُ معاناةٍ وإنجازاتٍ مشتركة وتراث. الكيان اللبناني والميثاق والدستور هي ثمرة إختبارٍ متراكم."

 

بعدئذٍ سلَّمَ رئيس الجمعية البروفسور جهشان المحتفى به درعَ التكريم الذي تقدِّمُه الجمعية سنويًّا لمبدعٍ "قدَّم لكنيستِه أو لطائفتِه أو لوطنِه أو للإنسانيةِ عملًا مميَّزًا يتّسِمُ بالفرادة أو الإقدام أو الإختراع أو رصِّ الصفوف أو الخدمة، وكانَ عملًا ذا فائدةٍ جماعيةٍ ومستديمة، ولم يتَّصِفْ بالإفراطَ في الفائدةِ الخاصة أو الربحِ المادي أو المعنويِّ لشخصِه". وشارك في تسليم الدرع الوزير الحلبي والوزيران السابقان نقولا الصحناوي وميشال فرعون والمحافظان السابقان نقولا سابا وزياد شبيب ورئيس لجنة التكريم الدكتور إيلي موقديه والأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط البروفسور ميشال عبس.

 

وإنتهى الإحتفال بكلمة الوزير عباس الحلبي  الذي قال: "الأوطان تزهرُ برجالاتها، وأنطوان مسره أزهرَ في الوطن، فحلَّ الربيع دومًا في ربوعِه، بالرغم من حرِّ الصيف، وقلقِ الخريف، وقسوة الشتاءِ. عرفتك صديقي، أستاذًا ومرشدًا وعرفناك مشرِّعًا ومربيًا وأكاديميًا وعالمًا في المجتمع وفي السياسة، تريدُ تحصين الوطن في الوجدان، قبل رسمِه في جغرافية الحدود وفي مجاهل الأعراق والأقوام والإثنيات واللغات. إنتهت الحربُ وبدأتَ أنتَ مسيرتَك المديدةَ في تضميدِ جراحِ الوطن الكبير، فمضيتَ محاولًا تحصين السلمِ الأهلي مناديًا بالعيش المشترك وبالحوارِ الإسلامي المسيحي وبالمواطنَةِ وبالديمقراطية وبالحقوقِ الإقتصادية والإجتماعية. وكان ما كان، وخذلَك الكبيرُ مجدَّدًا، وقد تفشّى فيه سرطانُ الطائفيةِ والتبعيةِ وأورامُ الفسادِ وسوءِ الإدارة والتخطيط، وأمسى جسمًا واهنًا ضعيفًا، وبِتنا نحنُ في عدادِ المترقبين لجنازةٍ لم تصلْ بعد.

سينهضُ لبنان، يا عزيزي أنطوان، بأفكارك الوطنية الصائبةِ التي حفرتَها وتحفرُها في القلوبِ والعقولِ، وستشرقُ الشمسُ مجدّدًا في سماء لبنان، فالأفكارُ الخصبةُ لن تموتَ، ولها زمنُها في الولادةِ وفي النموِّ وفي النضج...

أما الشكرُ فيبقى للجمعية الثقافية الرومية التي كرَّمتكَ والتي أوجهُ إليها التهنئةَ في ذكرى تأسيسِها كما أهنئُ أعضاءَها ورئيسَها وإلى سنين عديدة.

هنيئًا للأرض التي أنبتتكَ والتي ستخلدُ إسمك عَلمًا من أعلام الفكر والثقافةِ في بلاد الأرز، فالكبارُ الكبار لا ينصفُهم الاّ التاريخ، والتاريخُ هو محكمةُ الحقيقة، وأنتَ يا أنطوان كبيرٌ في الكلمة وأنتَ رسولُها."