الجاويش: شهداء كنيسة النّبيّ الياس الأرثوذكسيّون هم شهداؤنا جميعًا فشهادة الدّمّ توحّدنا قبل أن توحّدنا العقيدة
ترأّس القدّاس مطران كندا للرّوم الملكيّين الكاثوليك ميلاد الجاويش، وألقى خلاله كلمة جاء فيها:
"دمشق، يا قديمة المدائن، يا زهرة الياسمين، وأقحوانة الشّرق...
ترتدين اليوم رداءً مخضّبًا بالدّماء، وشاحًا أرجوانيًّا، ملوكيًّا، منسوجًا لا بأيدي حرفيّيك المهرة، بل من أشلاء وأمعاء، من أعضاء أبناء المسيح المبتورة وعظامهم المطحونة.
ترتدين رداءً توشّحت به سابقًا آلاف المرّات، كلّ مرّة كنت تقدّمين أبناءك شهداء على مذبح الإيمان. لا شهداء الحرب الأخيرة فحسب، ولا شهداء معلولا، ولا شهداء 1860، بل الكثيرين الكثيرين من قبلهم، منذ أن وطأت قدما أوّل تلميذ للمسيح روضتك الغنّاء حتّى اليوم.
شهداؤك اليوم، لا نبكيهم، بل نمجّدهم، نرفعهم، نعلّي ذكراهم حتّى حدود السّماء، نخبر قصصهم لولد الولد... وإن كان لنا أن نبكي، فإنّنا نبكي وطنًا أردناه وطنًا يليق بأحلامنا، عزيزًا، مكرّمًا معافًا، يتّسع للجميع، غير أنّه لم يعرف وقت افتقاده إلى اليوم. إن تحسّرنا، فإنّنا نتحسّر على سوريّا الّتي باتت تضيق بأبنائها... وطن بولس والرّسل والقدّيسين والرّهبان والمناسك القديمة جعلوه ضيّقًا على مسيحيّيه. يا للمهزلة!
فليقم أحد ليقول لذلك المجرم الّذي فجّر نفسه ابتغاءً للجنّة: إنّ أبواب الجنّة موصدة بإحكام في وجهك وفي وجه أمثالك. إنّك الآن تحترق في لهيب النّار الأبديّة الّتي لا تطفأ، وليس هناك من يبرّد لسانك أو يبلّ طرف إصبعك. فليقم أحد ليوقف هذا التّعليم الشّاذّ ويفهم هؤلاء المضلّلين أنّ طريق الله تمرّ حتمًا بطريق إخوتنا في البشريّة، إلى أيّ لون أو دين أو طائفة انتموا. الجنّة ليست قطّ مصير القتلة، بل مصير من أحبّوا وأوصوا بالمعروف. الجنّة ليست قطّ نصيب من يكفّرون الآخرين، بل نصيب من ينادون بالحوار والعيش الأليف تحت سماء الله الواسعة.
أحبّائي،
شهداء كنيسة النّبيّ الياس الأرثوذكسيّون، الإنطاكيّون، الدّمشقيّون، هم شهداؤنا جميعًا، هم أحبابنا وإخوتنا وشفعاؤنا جميعًا. لأنّ من قتلهم لم يتعمّد أن يقتل أرثوذكسيّين، بل مسيحيّين ختموا بميرون المسيح المقدّس. شهادة الدّمّ توحّدنا قبل أن توحّدنا العقيدة.
من كاتدرائيّة المخلّص في مونتريال، باسمي وباسم أبرشيّتنا الرّوميّة الملكيّة الكاثوليكيّة في كندا، إكليروسًا وعلمانيّين، نتوجّه بأخلص آيات التّعزية لغبطة البطريرك يوحنّا العاشر اليازجي ولسائر أبناء الكنيسة الرّوميّة الأرثوذكسيّة الشّقيقة في سوريّا والعالم. كما نعزّي أخانا سيادة المطران سابا إسبر، مطران أميركا الشّماليّة للروم الأرثوذكس الإنطاكيّين، ولمعاونه في كندا سيادة المطران ألكسندر مفرّج، سائلين الرّبّ أن يتشفّع بنا بصلوات شهدائه الثّلاث والعشرين، وأن يمدّ الجرحى والمصابين بالشّفاء العاجل والصّحّة الوافرة، وينعم على سوريّا وعلى بلادنا أجميعن بالسّلام والوفاق والمحبّة، ويمنّ على المسيحيّين هناك بوافر بركاته ورجائه وصبره وحبّه وصموده. آمين.
ومع الكنيسة، لنقف جميعًا ونصلّ قائلين: مغبوطة الأرض الّتي أخصبتها دماؤكم، يا شهداء الرّبّ الظّافرين، ومقدّسة المساكن الّتي قبلت أجسادكم. فإنّكم قد غلبتم العدوّ في الميدان، وكرزتم بالمسيح بشجاعة، فنسألكم أن تبتهلوا إليه، بما أنّه صالح، في خلاص نفوسنا."