لبنان
18 كانون الأول 2017, 10:00

التّنشئة المسيحيّة للبطريرك الرّاعي: إيمانُ يوسف استباقٌ لنعمة الميلاد

قبل عيد الميلاد، أطلّ البطريرك مار بشارة بطرس الرّاعي على المؤمنين في بكركي، في التّنشئة المسيحيّة، متأمّلا بإنجيل "البيان ليوسف"، فبدأ قائلاً:

 

"بعد البشارة لمريم، عذراء النّاصرة، بأنّها بنعمة مجّانية من الله مدعوّة لتكون أمّ ابن العليّ، يسوع المخلّص، كان لا بدّ من نقل هذه البشارة إلى يوسف، وتبيان حقيقة حَبَل مريم. هو الرّوح القدس، القدرة الإلهيّة، يحقّق الحَبَل في العذراء والميلاد. وهو إيّاه يحقّق في كلّ واحد وواحدة منّا، وفي الكنيسة، ميلاد المسيح الرّبّ، نعمة في داخلنا تقدّسنا. إنّ الفترة الّتي تفصلنا عن عيد ميلاد المخلّص الإلهيّ تدعونا لنفتح قلوبنا بالصّلاة والتّوبة لنعمة قبول الرّبّ الّذي يولد في قلوبنا.

ثمّ كان شرح لإنجيل متّى1/ 18- 25، توقّف فيه عند:

"1. العنصر الأساسيّ في ميلاد ابن الله إنسانًا هو أنّه وُلد في عائلة شرعيّة فيها أب وأمّ. فالخطبة في التّقليد اليهوديّ هي زواج رسميّ، لا يمكن حلّه إلّا بالطّلاق. وهي ضروريّة حتّى يتمكّن العروسان من تحضير حفلة زفافهما؛ فالزّيارات كانت ممنوعة بين الجنسين، إلّا بعد هذه الخطبة الرّسميّة، فيُسمح لهما حينها أن يتقابلا وأن يخرجا سويًّا، وإن برفقة أحد أفراد الأسرة، للقيام بالتّحضيرات الضّروريّة للعرس. وهكذا، وعند الانتهاء من التّحضيرات، كانت تتمّ حفلة الزّفاف، مع انتقال العروس إلى بيت عريسها. من الطّبيعيّ أنّ متّى يشدّد على أنّ ما يربط بين مريم ويوسف هي خطبة، أيّ أنّهما لم يتساكنا، وبالتّالي فيسوع ليس ابن يوسف الطّبيعيّ. ولكن، من ناحية أخرى، فإنّ يوسف هو مسؤول رسميًّا إن عن مريم وإن عن يسوع، بعد قبوله لهذه المهمّة. يوسف هو الأب الشّرعيّ المربّي للمخلّص؛ هو عرّاب المشروع الإلهيّ.

كانت عائلة يوسف ومريم ضروريّة لكي "ينمو يسوع في القامة والحكمة والنّعمة بالطّاعة لهما وبسهرهما عليه" (راجع لو2: 51-52). هذا ما أراده الله في سرّ تدبيره ويضيء على الانحراف في عالم اليوم الّذي يريد الاعتراف بزواج المثليِّين. فالولد بحاجة إلى أب وأمّ طبيعيَّين، ولا يحلّ محلّها تبنّيه من مثليّين ولو كان يتيمًا أو لقيطًا أو غير شرعيّ.

2. لماذا فكّر يوسف بأن يترك مريم سرًّا عندما علم بحَبَلها؟ (الآية 19)، لأنّه بارّ، ولو صَدَمه حَبَلها، لم يشكّ ببرارة مريم. لقد أخبرته مريم، من دون أيّ شكّ، عن بشارة الملاك لها. فهم منها أنّها حبلى من الرّوح القدس وأنّ مولودها إلهيّ، وهو المسيح المنتظر. فلم يجرؤ هذا البارّ، لشدّة تواضعه، على تحمّل هذه المسؤوليّة الضّخمة في تربية يسوع. لذلك قرّر الانسحاب خلسةً. هذه القراءة تعلّمنا التّواضع والامّحاء أمام الرّبّ العظيم. تعلّمنا أن ندرك قدرنا الحقيقيّ وحجمنا أمام المشروع الإلهيّ.

فكّر بتركها سرًّا، وبعدم التّشهير بها، لئلّا تُطبَّق عليها شريعة الرّجم من أجل محو العار. هل يوسف البارّ خالف الشّريعة؟ نقول: لا! بل أنسنها، "فالحرف يقتل والرّوح يحيي" على ما كتب بولس الرّسول (2كور3: 6). هكذا فعل يسوع عندما أحضر الفرّيسيون إليه امرأة أُخذت بالزّنى، وقالوا إنّ "شريعة موسى توصي برجم أمثالها، فماذا تقول أنت؟ فكان جوابه: مَن كان منكم بلا خطيئة، فليرمها بأوّل حجر. ولما انسحبوا كلّهم، وبقيت وحدها، قال لها: أما حكم عليك أحدٌ منهم؟ فأجابت: لا، يا سيّدي. فقال لها يسوع: وأنا لا أحكم عليك: إذهبي، ولا تخطئي بعد الآن" (يو8: 3-11).

إنّ الأبرار الحقيقيّين، مثل يوسف، فهموا أنّ الشّريعة هي للحياة لا للموت؛ وهي للتّوبة والخلاص لا للدّينونة والعقاب. لقد تصرّف يوسف كإنسان بارّ حقيقيّ يفهم المعنى العميق للكتب المقدّسة، وتصرّف انطلاقًا من هذا الوعي.

بما أنّ يوسف ليس أب الولد، ولم يفهم مكانه ودوره في سرّ هذا التّدبير الإلهيّ، وإنسانيًّا من دون أن يحكم هو عليها قرّر أن يترك مريم لتواجه هي المسؤوليّة. فهم يوسف أنّه ليس ديّان البشر وأنّه لا يملك المعرفة الكاملة ليحدّد تمامًا حالة مريم. بهذا الموقف بالذّات، أيّ الاعتراف أنّه لا يعرف كلّ شيء، يبدأ يوسف بفتح قلبه لتقبّل ما سيقوله له الملاك.

3. وجود الملاك وتدخّلُه كانا ضروريّين لكي يكتشف يوسف طريق الحلّ ومن أجل إنقاذ العائلة. وهنا يمكننا أن نبيّن أهمّية أن تترافق عائلاتنا الجديدة من المرشد أو في جماعات عيليّة. دور الرّعيّة أساسيّ في بناء كلّ عائلة وفي مساعدتها على التّمرّس بالحياة المشتركة والحياة الزّوجيّة، فهذه الحياة لا تخل نهائيًّا من الصّعوبات والأزمات. الزّواج ليس نزهة في حديقة ورود بدون أشواك. لذلك نقول إنّ على الزّوجين أن يلتزما بهذه الجماعات. وأيضًا، على مثال يوسف، وقت الصّعوبات والشّكوك، عليهما اللّجوء إلى الكنيسة، من خلال ما يمكن أن نسمّيه "ملاك الكنيسة" أيّ كاهن الرّعيّة، أو من خلال المرشد الرّوحيّ، وخاصّةً من خلال مراكز الإصغاء، حتّى يستدركا الأمر منذ البداية فلا يتفاقم بهما الحال للوصول إلى الانفصال.

4. يعلّمنا القدّيس يوسف أخذ مسافة من أيّ مشكلة لنتمكّن من حلّها. فهو لم يتّخذ قرارات متسرّعة وانتقاميّة. قرّر أنّ يبتعد سرًّا. وهذا ما أمّن له فرصة اللّقاء بالملاك، من دون أن يدمّر الحبّ والودّ والعلاقة الطّيّبة مع مريم. لو أنّ يوسف انفعل في ساعتها لما كانت العلاقة على ما هي عليه بينه وبين مريم. كلّ شيء يولد صغيرًا في الحياة ومن ثمّ يكبر إلّا المشكلة، فهي تولد كبيرةً ومع الأيّام تصغر. الوقت والتّفكير هما العلاج الأقوى لأصعب الأزمات.

5. "وما أن فكّر يوسف بهذا حتىّ تراءى له ملاك الرّبّ في الحلم" (الآية 20).

نرى جهوزيّة عالية عند الملاك، أو بالأحرى عند الرّبّ. ولكن بالحقيقة، هذه الجهوزيّة رأيناها في قلب يوسف المنفتح على الكلمة الإلهيّة، بفهمه لروحيّة الشّريعة وبانفتاحه على فهم أمور جديدة. هذه الجهوزيّة سمحت للرّبّ أن يتدخّل. بل قل إنّ الرّبّ جاهز على الدّوام وهو ينادي كلّا منّا في كلّ لحظة من حياتنا. يسمعه فقط القلب الجاهز للحقّ، فيدخله على ما يقوله الرّبّ يسوع في سفر رؤيا يوحنّا: "أنا واقف على الباب أقرع، من يفتح أدخل وأتعشّى عنده" (رؤيا3: 20). هذا تمامًا ما يدعونا إليه بقوله: "إسهروا وصلّوا" (متّى 26: 41). فالصّلاة هي "صلة" دائمة مع الله.

6.  يذكّره الملاك بأنّه من سلالة داود الملوكيّة، ليهيّئه للرّسالة المطلوبة منه، وهي أن يولد في بيته المسيح المنتظر أن يجلس على عرش داود، كما كشفه الملاك لمريم في البشارة. وبهذا شجّعه ليصغي للدّعوة الإلهيّة: "لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك" (الآية 21).

يذكّره أن مريم هي امرأته التي أحبّها والّتي اختارها من بين جميع بنات إسرائيل لتكون له شريكةً مدى الحياة. إنّه يعرف مريم ويعرف أخلاقها، فلا يحسن به أن يشكّ بها، ويكسر الرّباط الذي أقاماه أمام الله، ويخون وعده وأمانته.

هذا الكلام موجَّه لكلّ متزوّج يمرّ بصعوبة مع شريكه. نرى أنّهما وفي لحظة، ينسيان التّاريخ الطّويل الّذي عاشاه معًا. ينسيان التّضحيات الّتي قام بها كلّ منهما في سبيل الآخر وفي سبيل بنيان العائلة. بل ينسى كلّ الحبّ والإعجاب اللّذين قاداه لاختيار الشّريك وللارتباط به. في وقت الخلاف لا يذكران سوى المساوئ، وكأنّ لا شيء جميل في الآخر. يسعى كلّ منهما إلى تصوير الآخر على أنّه أسوأ إنسان في الوجود. عليهما أن يأخذا مسافةً من الأمور ومن الخلاف، للتّفكير مع الله الّذي دعاهما إلى الحياة الزّوجيّة، وبالصّلاة والتّروّي يبلغان إلى باب الحلّ.

7.  وكشف له الملاك ما قاله لمريم:

أ- إنّ المولود منها هو من الرّوح القدس (الآية 20). صدّق يوسف ولو لم يفهم هذا الكلام عن الرّوح القدس وفعله، وهو مجهول في كتب العهد القديم. بهذه الثّقة قَبِل الواقع والمهمّة.

ونحن أيضًا، في مسيرتنا مع الله، هناك أمور كثيرة قد لا نفهمها أو نستوعب كيف تحصل. الله يفوق كلّ العقول. هو سرّ، وسيبقى على الدّوام سرًّا. لذلك، فالمؤمن مدعوّ للثّقة بالله، حتّى وإن لم يفهم كلّ شيء. وكما طمأن الرّبّ يوسف وأعطاه بعض الإشارات، يعطينا نحن أيضًا إشارات مطمئنة تدلّنا على وجهة سير الأمور. هذا ما نسمّيه في الكنيسة "علامات الأزمنة": نجد أنّ كلّ شيء يدفعنا نحو خيار معيّن، وأنّ رغبةً قويّةً فينا نحوه وأنّنا كلّما سرنا على هذه الدّرب نجد سلامًا، وإن مصحوبًا بالخوف أحيانًا أو بالصّعوبات أو حتّى بالاضطهادت. عندها نعلم أنّ الرّبّ يدعونا إلى هذا الخيار. هكذا نكتشف دعوتنا في الحياة. من ينتظر أن تتوضّح له كلّ الامور حتّى يقول "نعم" لله، لن ينطلق أبدًا. الدّعوة، وبخاصّة الكهنوتيّة والرّهبانيّة، هي بالأساس رغبة وميل داخليّ.

ب- "سوف تلد ابنًا، فسمّه يسوع، لأنّه يخلّص شعبه من خطاياهم" (الآية 21).

كلّ النّاس هم شعب الله. بل كلّ الّذين يتوبون عن خطاياهم وينالون خلاص المسيح يصبحون شعب الله. المسيح أتى لغاية واحدة: أن يخلّص كلّ إنسان من خطاياه ويبلغ به إلى نور الحقيقة، فتسلّم حياته الخاصّة والعائليّة والاجتماعيّة والوطنيّة. ذلك أنّه يستنير بنور المسيح، ويعكس هذا النّور في ظلمات الحياة الخاصّة والعامّة.

في نصف اللّيل، في ذروة الظّلمة الحالكة وُلد المسيح وسطع نوره حول الرّعاة السّاهرين. الظّلمة رمز الخطيئة ومحن الحياة ومصاعبها. وحده نور المسيح الخلاصيّ، نور كلامه ونعمة الفداء، يبدّد هذه الظّلمة بكلّ وجوهها.

الاستعداد لعيد الميلاد يقتضي منّا الدّخول في نور المسيح من أجل خلاصنا.

8.  يختم متّى إنجيله بتطبيق نبوءة أشعيا الّتي حصلت قبل الميلاد بخسماية سنة "العذراء تحبل وتلد ابنًا يُدعى اسمه عمّانوئيل، الله معنا" (الآيتان 22-23). أشعيا والأنبياء تكلّموا عن "المسيح المنتظر"، ولذلك هو "اتنظار الشّعوب" قبل ميلاده وبعده. العذراء تعني الصّبيّة المكرّسة لله. لقد تأمّل الأنبياء مرارًا بكيفيّة الخلاص الّذي عاشوه عبر تاريخهم مع الله، ووجدوا أنّ الرّبّ يختار دومًا شخصًا واحدًا ليعمل من خلاله مرحلةً معينّةً من هذا التّاريخ. فعلى سبيل المثال، مع ابراهيم خلّصنا من الوثنيّة، ومع موسى خلّصنا من العبوديّة ومع داود خلّصنا من الفوضى وأسّس المملكة. ففهموا أنّ الخلاص المنتظر بحاجة إلى شخص مكرَّس مُختار من الله. وهنا بدأ اليهود ينتظرون أن يأتي المسيح من امرأة مكرّسة. ولذلك، كانوا يكرّسون بناتهم لله في الهيكل في طفولتهنّ، قبل سنّ الزّواج. وكان من الواجب على كلّ فتاة مكرّسة أنّ تتزوّج، فربّما تكون هي المختارة لإنجاب المسيح. في إنجيل متّى نجد أنّ مريم هي تلك المنتظرة. وهي ليست فقط عذراء، بمعنى أنّها مكرّسة لله، بل عذراء بمعنى أنّها ستلد من لا أب له. مريم تختصر مسيرة شعب الله المختار الّذي منه وُلد المسيح بحسب الوعد الإلهيّ. وأصبحت مريم مثال الكنيسة البتول والأمّ الّتي منها يولد المؤمنون بالمسيح.

النّبيّ أشعيا لم يكن يعرف اسم المسيح المنتظر فسمّاه "عمّانوئيل" أيّ الله معنا. وهو اسم يشرح اسم "يسوع" الله الّذي هو مع كلّ إنسان ليخلّصه من خطاياه ويهديه إلى معرفة الحقّ.

9.  وتننتهي رواية الحدث بأنّ "يوسف عندما نهض من نومه، فعل كما أمره ملاك الرّبّ. فأخذ امرأته ولم يعرفها فولدت ابنها البكر" (الآيتان 24-25).

مثل مريم آمن يوسف بوحي الملاك وبدعوة الله له "ففعل كما أمره ملاك الرّبّ". إنّها "طاعة الإيمان" الّتي تتميّز بها مريم خطّيبته. ليس الإيمان مجرّد عاطفة أو مشاعر، بل هو إتمام ما يريده الله لتحقيق تصميمه الخلاصيّ. بمسؤوليّة الزّوج والأب أخذ يوسف مريم امرأته والجنين يسوع. واحترامًا لقدسيّة العذراء والدّعوة الإلهيّة وتجسّد ابن الله في بيته بفعل الرّوح القدس، كرّس يوسف أيضًا بتوليّته لله من أجل خدمة الكنزَين: مريم ويسوع.

 

ثانيًا، الإرشاد الرّسوليّ "فرح الحب"

ننقل من الفصل الثّالث وموضوعه "دعوة العائلة"، إلى ما يختصّ بنقل الحياة البشريّة وتربيتها (80-85).

1. الزّواج "جماعة حياة وحبّ" تشكّل خير الزّوجَين الخاصّ. من حُبِّ الزّوجَين في عطائهما المتبادل يأتي الولد، كثمرة له واكتمال. إنّه حاضر منذ بداية الحبّ كميزة جوهريّة لا يمكن إنكارها. وإن فعلنا شوّهنا الحبّ الزّوجيّ. الحبّ من طبعه يرفض أيّ ميل إلى الانطواء على الذّات، بل ينفتح على خصوبة تمكّنه من الامتداد إلى أبعد من وجوده الخاصّ. لا يمكن للفعل الزّوجيّ أن ينكر هذا المعنى، ولو لم يتمكّن الزّوجان من الإنجاب، أيّة كانت الأسباب. هذه الحالة لا تؤثّر على حياة الزّوجَين الإنسانيّة والمسيحيّة.

2. الولد يطلب أن يولد من هذا الحبّ، ولا بأيّة طريقة أخرى. فهو ليس شيئًا من حقّ أحد، بل هو هبة من الله، وثمرةٌ لفعل حبّ والدَيه الزّوجيّ الخاصّ. ذلك أنّ الحبّ الزّوجيّ بين الرّجل والمرأة، ونقل الحياة البشريّة، قد جُعلا أحدهما للآخر بحسب نظام الخلق (راجع تك1: 27-28). هكذا أشرك الخالق الرّجل والمرأة في عمل خلقه، وجعلهما وسيلتَين لحبّه، موكلًا إليهما مستقبل البشريّة من خلال نقل الحياة. لذا، الكنيسة تعضد وتساند العائلات الّتي تتقبّل الحياة وتربّيها وتحوطها بالحبّ في كلّ حالاتها وظروفها.

3. العائلة هي مقدس الحياة، والمكان الّذي فيه تولد الحياة وتُصان. قيمة الحياة البشريّة عظيمة جدًّا، والطّفل البريء الّذي يتكوّن في رحم أمّه ينعم بحقّ شرعيّ في الحياة، غير قابل للانتزاع. لا يحقّ لأحد أن يتصرّف بمصيره، وكأنّ له حقّ على جسده، فالحياة غاية بحدّ ذاتها، ولا يمكن أبدًا أن تكون موضوع سيطرة إنسان آخر عليها. العائلة هي حامية الحياة في كلّ مراحلها. الكنيسة من جهّتها ترفض العلاج العنيد والقتل الرّحيم والإعدام، وتدعو العاملين في القطاع الصّحّيّ لاستعمال حقّهم في ممارسة اعتراض الضّمير.

4. تربية الأولاد هي الواجب الأوّل والحقّ الأساسي الواقعان على مسؤوليّة والديهم. معلوم أنّ التّربية اليوم تواجه تحدّيات صعبة وكبيرة، ولها مقتضيات عديدة. لا يستطيع أحد أن يحلّ محلّ الوالدين في تربية أولادهما. الكنيسة تساندهم بالتّنشئة المسيحيّة وعملها الرّاعويّ المناسب، لكي يتمكّن الوالدون من القيام برسالتهم التّربويّة الّتي هي دعوة لهم من الله. فعندما يربّون أولادهم يبنون الكنيسة. والدّولة تقدّم خدمة تربويّة مساعِدة، بتمكين الأهل من تحمّل مسؤوليّتهم. فلهم حرّيّة اختيار المدرسة الّتي يريدونها لتربية أولادهم، ومن الضّرورة أن تضمن لهم الدّولة هذه الحرّيّة. والمدرسة تقدّم عونًا للوالدين، من دون أن تحلّ مكانهم. كلّ الّذين يتعاطون التّربية فيها على أشكالها، لا يعملون إلّا باسم الأهل وبموافقتهم، فيما هم مكلّفون منهم. يجب السّهر على ألّا تنكسر علاقة التّعاون بين العائلة والمجتمع، وبين العائلة والمدرسة. هذه العلاقة في جوهرها ميثاق تربويّ فيما بينهم".

في الختام، تلا البطريرك الرّاعي صلاة من وحي المناسبة، فقال متضرّعًا: "أيّها الرّبّ يسوع، في ذكرى البيان ليوسف، تعلّمنا جهوزيّة الله الدّائمة لمساعدتنا، وكشف إرادته على كلّ واحد وواحدة منّا، وإعلان تصميمه الخلاصيّ. نلتمس منك نعمة الجهوزيّة، كي نكون، على مثال القدّيس يوسف، مستعدّين لسماع الصّوت الإلهيّ والعمل بموجب كلامه. إحفظ، يا ربّ، قدسيّة الزّواج في المتزوّجين، وجمال العائلة لتظلّ مقدس الحياة والمدرسة الأولى للتّربية، الّتي فيها يُنقل الإيمان وتتربّى الأجيال على القِيَم فتنمو المجتمعات والأوطان، وتُبنى الكنيسة. فنرفع نشيد المجد والتّسبيح للآب والإبن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".