لبنان
20 حزيران 2017, 11:00

التنشئة المسيحيّة - الاحد الرابع من زمن العنصرة

ألقى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي التنشئة المسيحيّة للأحد الرابع من زمن العنصرة بعنوان "فرح الرسالة وصلاة الشكر" (لو 10: 17-24)، كما تحدّث عن الجمعيّة العموميّة لسينودس الأساقفة الخاصة بالشبيبة (تشرين الأوّل 2018)، جاء فيها:

 

التلاميذ الإثنان والسبعون يرجعون فرحين، بعد رسالة قاموا بها بإرسال من الربّ يسوع. فصلّى ربّنا صلاة الشكر للآب، وهنّأهم على ما رأوا من ثمار رسالتهم وتعبهم. كلّ رسالة بحدّ ذاتها صعبة من كلّ جوانبها، لكن الصعوبة تزول بالتأييد الإلهي، وبرؤية الثمار. فيحلّ الفرح محلّ التعب والصعوبات المعاكسة.

 

أوّلًا، شرح نص الإنجيل

 

من إنجيل القديس لوقا 10: 17-24

 

عَادَ الاثْنَانِ وَالسَبْعُونَ بِفَرَحٍ قَائِلِين: «يَا رَبّ، حَتَّى الشَيَاطِينُ تَخْضَعُ لَنَا بِاسْمِكَ!». فَقالَ لَهُم: «كُنْتُ أَرَى الشَيْطَانَ سَاقِطًا كَالْبَرْقِ مِنَ السَمَاء. هَا إِنِّي أَعْطَيْتُكُمُ السُلْطَانَ لِتَدُوسُوا الحَيَّاتِ وَالعَقَارِب، وَكُلَّ قُوَّةِ العَدُوّ، فَلَنْ يُؤْذِيَكُم شَيء. لا تَفْرَحُوا  بِهذَا أَنَّ الأَرْواحَ تَخْضَعُ لَكُم، بَلِ افْرَحُوا بِأَنَّ أَسْمَاءَكُم مَكْتُوبَةٌ في السَمَاوَات».

فتهلّل يَسُوعُ بِالرُوحِ القُدُس، وقَال: «أَعْتَرِفُ لَكَ، يَا أَبَتِ، رَبَّ السَمَاءِ وَالأَرْض، لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ  هذِهِ الأُمُورَ عَنِ الحُكَمَاءِ وَالفُهَمَاء، وَأَظْهَرْتَها لِلأَطْفَال. نَعَم، أَيُّهَا الآب، لأَنَّكَ  هكَذَا ارْتَضَيْت. لَقَدْ سَلَّمَنِي أَبي كُلَّ شَيء، فَمَا مِنْ أَحَدٍ يَعْرِفُ مَنْ هُوَ الابْنُ إِلاَّ الآب، وَلا مَنْ هُوَ الآبُ إِلاَّ الابْن، وَمَنْ يُريدُ الابْنُ أَنْ يُظْهِرَهُ لَهُ». ثُمَّ التَفَتَ إِلى تَلامِيذِهِ، وقَالَ لَهُم عَلى انْفِرَاد: «طُوبَى لِلْعُيونِ الَّتِي تَنْظُرُ مَا أَنْتُم تَنْظُرُون! فَإِنِّي أَقُولُ لَكُم: إِنَّ أَنْبِياءَ وَمُلُوكًا كَثِيرِينَ أَرادُوا أَنْ يَرَوا مَا أَنْتُم تَنْظُرُون، فَلَمْ يَرَوا، وَأَنْ يَسْمَعُوا مَا تَسْمَعُون، فَلَمْ يَسْمَعُوا».

 

 التلاميذ الاثنان والسبعون هم المؤمنون الاول الذين تبعوا يسوع، ولازموه، وتتلمذوا له يومًا بعد يوم، فاختار منهم، بعد ليلة قضاها في الصلاة، اثنَي عشر سمّاهم رسلًا (راجع لو6: 12-16). ويعتبرون أول معاونين للرسل. وبعد أن تبلورت هيكلية الكنيسة بالتقليد وهداية الروح القدس، أصبح الأساقفة خلفاءَ للرسل، والكهنة معاونين لهم، والرهبان والراهبات بنذورهم مكرَّسين لخدمة المحبة في حياة الكنيسة ورسالتها، والمؤمنين العلمانيين مشاركين بحكم المعمودية والميرون، في هذه الرسالة.

يذكّرنا نصّ الإنجيل بأنّ كلّ أبناء الكنيسة وبناتها مدعوّون إلى تعزيز الروح الرسولي فيهم، وإلى المشاركة في رسالة الكنيسة، انطلاقًا من الحالة التي هم فيها: الأسقفية والكهنوت بحكم الدرجة المقدّسة، والحياة الرهبانية والمكرّسة بحكم النذور، والحالة العلمانية بحكم المعمودية والميرون. هذا الواجب يشمل كذلك المؤسّسات التربوية والاستشفائيّة والاجتماعيّة على أنواعها. فإنّها لهذه الغاية الأساسية أُنشئت.

 

 عند عودة التلاميذ فرحين، "ابتهج يسوع أيضًا بالروح القدس" (الآية 21). إنّه فرح مشترك: التلاميذ يفرحون بالرسالة وثمارها، والربّ يسوع يتهلّل ومعه الروح القدس، لأنّ كلمة الله أعطت ثمارها في النفوس بفعل الروح القدس، فتمجّد الآب. إنّه فرح الثالوث القدّوس. صلاة الابتهاج هذه ترفعها الكنيسة في ليتورجيا الأرض، التي تنضمّ إلى ليتورجيا السماء وتعكسها. بهذا الإدراك والوعي نحتفل بالليتورجيا الإلهيّة على أرضنا.

فرح التلاميذ لأنّهم أعطوا كلّ قواهم الفكرية والجسدية. أن نعطي من القلب وبسخاء وبدون حسابات للرسالة والواجب والشهادة للمسيح، إنّما هو مصدر فرحنا. إنّه فرح اختبار عناية الله، الذي يعوّض عمّا ضحّينا به في سبيله وسبيل الكنيسة والرسالة المسيحية. هؤلاء التلاميذ، الذين عاشوا مع يسوع قبل إرسالهم، تعلّموا منه الكَرَم مع الله.

 

 صلاة يسوع (الآيتان 21-22):

أ- "أعترف لك يا أبتِ، ربّ السماء والأرض". إنّه يشهد لأبوّة الله الشاملة والظاهرة في عنايته وتأييده وسهره؛ ويشهد لقوّة الله بوصفه سيّد السماء والأرض. إنّها قوّة تفوق كلّ القوى الأخرى، وتولّد الثقة والرجاء في القلوب. ما جعل بولس الرسول يقول: "إن كان الله معنا فمَن علينا" (روم 8: 32).

ب- "أخفيتَ هذه الأمور عن الحكماء والفهماء، وأظهرتها للأطفال". إنّ يسوع يحمد الآب على أنّه يكشف تصميمه الخلاصي وإرادته للّذين يفتحون عقولهم وقلوبهم بروح الطفولة، التي ترغب في أن تعرف، وتصدّق ما تسمع، وتثق بالذي يقول لها الحقيقة. أمّا الذين يكتفون بمعارفهم ويقفون عند قناعاتهم، ولا يرغبون في سماع ما يقوله الله وما يكشفه، وما تعلّمه الكنيسة بسلطانها الإلهي، هؤلاء لا ينكشف لهم سرّ التدبير الإلهي، لأنّهم "حكماء وفهماء". ما جعل الربّ يسوع يقول: "إن لم تعودوا كالأطفال، لن تدخلوا ملكوت السماوات" (متى18: 3).

ج- "سلّمني الآب كلّ شيء وأنا أظهره لمَن أريد". إنّه إقرار الإبن الإلهي بأنّه تسلّم رسالته من الآب، وهي الحقيقة والخلاص الشامل. ويؤكّد يسوع أنّه يكشف ذلك لمَن يشاء. لقد كشفه لكنيسته التي سلّمها وديعة الإيمان، وسلطان التعليم وأنارها بالروح القدس الذي يقودها إلى الحقيقة كلّها. أمّا المؤمنون فمدعوّون للرجوع إلى الكنيسة من أجل الحصول على الحقيقة، والإجابة على جميع تساؤلاتهم.

 

طوّب يسوع تلاميذه (الآيتان 23 و24) على ما رأوا من آيات على يده، وعلى أيديهم أثناء رسالته ورسالتهم؛ وعلى ما سمعوا من المعلّم الإلهي، وما تمكّنوا هم من نقله إلى الآخرين في أنشطتهم. وسيقول الربّ يسوع لتوما الرسول: "طوبى للّذين لم يروني وآمنوا" (يو20: 29)؛ هذا يعني أنّ يسوع "هو هو أمس واليوم وإلى الأبد" (عبرا 13: 8)؛ وان حضوره السّرّي دائم في الكنيسة وعاملٌ من خلالها: "وها أنا معكم طول الأيام إلى نهاية العالم" (متى 28: 20)؛ وانّ آياته تتواصل في الكنيسة على أيدي الذين أوكل إليهم رسالته، فيما هم يمارسونها، على ما يؤكّد القديس مرقس في إنجيله: "بعدما كلّم الربّ يسوع تلاميذه، رُفع إلى السماء. أمّا هم فذهبوا يبشّرون في كلّ مكان، وكان الربّ يعينهم، ويؤيّد كلامهم بما يصحبها من الآيات" (مر16: 19-20).

*   *   *

 

ثانيًا، الجمعيّة العموميّة لسينودس الأساقفة الخاصة بالشبيبة (تشرين الأوّل 2018)

نواصل نقل ما جاء في الوثيقة التحضيرية والاستشارية المعروفة "بالخطوط العريضة" التي تتوسّع بموضوع الجمعيّة، وهو:الشبيبة، الإيمان، وتمييز الدعوة". فنبدأ بمضمون الفصل الثاني تحت عنوان: إيمان، تمييز، دعوة.

 

1. أهداف الفصل الثاني

يهدف هذا الفصل إلى  إبراز اهتمام الكنيسة بكلّ شاب وشابّة. فهي ترغب في لقائه، ترافقه، تخرجه من عزلته وإقصاء العالم له، وتحميه من الضياع على دروب العنف والموت، وتحرّره من قبضة خيبة الأمل والنفور والارتهان. وتستطيع ذلك عندما يصان الإيمانعند الشبيبة، وهو العطية الكبرى التي قبلوها.

ولا بدّ من تذكير الشباب بالولادات الثلاث: الأولى طبيعية من والدين أتوا بهم إلى الوجود من أجل حياة سعيدة. والثانية روحيةمن معمودية الماء والروح، التي يصبحون بها أبناء وبنات لله بالنعمة. والثالثة صيرورية، بالعبور من طريقة حياة جسدية إلى طريقة حياة روحية؛ وهذه الولادة تُدخلهم في ممارسة ناضجة لحريتهم.

المقصود في هذا الفصل الثاني مرافقة الشباب انطلاقًا من إيمانهم من أجل مساندتهم في تمييز دعوتهم في الحياة، وتحمّل الخيارات الأساسية في حياتهم.

 

2. الإيمان والدعوة

الإيمان، كمشاركة في منظار يسوع، هو مصدر تمييز الدعوات، من حيث انه يوفّر مضامين هذا التمييز الأساسية، وهيكليته الخصوصية، ونهجه الخاص، وطريقته التربوية. إنّ قبول نعمة الإيمان بفرح وجهوزية يقتضي تثميرها بخيارات حياتية ملائمة معها.

الدعوة تنطلق من قول الربّ يسوع: "لستم أنتم اخترتموني، بل أنا اخترتكم، لتذهبوا وتعطوا ثمارًا، وتدوم ثماركم. ما أوصيكم به: أن تحبّوا بعضكم بعضًا" (يو15: 16). إنّها الدعوة إلى فرح الحبّ، وهي النداء الاساسي الذي يودعه الله قلب كلّ شابّ  وشابّة لكي  يعطي وجوده أو وجودها ثماره.

ولذا، الإيمان هو في آن عطيّة من علُ وجواب يُشعر كلّ واحد وواحدة ان الله أحبّه واختاره ودعاه. ليس الإيمان ملجأً للّذين يفتقرون إلى شجاعة، بل هو انفتاح على الحياة. هو الجلوس لسماع الروح القدس، وللدخول في حوار مع الكلمة الذي هو "الطريق والحقّ والحياة" (يو14: 6). أما مساحة هذا الحوار فهي الضمير، هذا المقدس حيث الشخص البشري يتواجد لوحده مع الله، ويسمع صوته (الكنيسة في عالم اليوم، 16)، ويميّزه من بين أصوات أخرى، فيقرّر ايّ جواب يعطي لدعوة الله. وهذا واجب على كلّ شخص، فيما الآخرون يستطيعون مرافقته وتثبيته، لا الحلول محلّه.

*   *   *

 

صلاة

أيّها الربّ يسوع، أنت ما زلت ترسل أبناء الكنيسة وبناتها، جيلًا بعد جيل، بحكم المعمودية والميرون والنذور الرهبانية والدرجات المقدّسة. ويفرح كلّ المرسلين والمرسلات بنجاح رسالتهم وبثمارها الروحية والاجتماعية والثقافية. رافقنا يا ربّ بهداية كلمتك وأنوار روحك القدوس، كي نستمدّ منها الحقيقة الصافية التي نعلنها بشرى سارّة لجميع الناس. وعلّمنا أن نصلّي مثلك معترفين بالقدرة الإلهيّة التي تقود كلّ يوم مساعينا، وأن نرى دائمًا بوضوح سرّ الحضور الإلهي في كلّ عمل صالح ونجاح منظور، وأن نلتمس كلّ يوم المزيد من هذه القدرة وهذا الحضور. ونرفع باستمرار نشيد المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.