التنشئة المسيحية - الاحد 12 حزيران 2016
يستكمل الربّ يسوع تكوين الكنيسة التي هي جسده السرّي، فيختار اثني عشر من التلاميذ الذي تبعوه، وسمّاهم رسلاً أي مندوبين من قِبله يحملون سلطانه الإلهي المثلّث التعليم والتقديس والتدبير، ويمارسونه باسمه وبشخصه. إنهم سفراء المسيح. وهم أقاموا خلفاء لهم لمواصلة الرسالة، هم الأساقفة، وهؤلاء اختاروا معاونين لهم: الكهنة والشمامسة.
شكّل الرسل وباقي التلاميذ وجماعة المؤمنين الكنيسة الأولى الناشئة التي ينقل مسيرتها كتاب أعمال الرسل. زمن العنصرة هو زمن الروح القدس الذي يحيي الكنيسة ويقودها ويلهمها.
أولاً، شرح نص الانجيل (من إنجيل القديس لوقا 10: 1-7 )
1. لفظة "رسول"، كما في أصلها اليوناني وفي ترجمتها العربية، تعني الشخص الذي اختير وأُرسل لمهمة معيّنة. لكنّه شخص متمرّس في معرفة مضمون مهمّته، وفي معرفة نيّة مرسله ومراده. وهو رجل ثقة بالنسبة إلى مرسله، ويؤدّي رسالته "بأمانة وحكمة" (لو 12: 42).
عندما اختار الرسلُ الأحد عشر رسولاً جديدًا ليحلّ محل يهوذا الاسخريوطي اشترطوا، في اختيار مرشحين للاقتراع على واحد، أن "يكون من الذين صحبونا طوال الزمن الذي فيه كان يسوع يدخل ويخرج معنا، بدءًا بعماد يوحنا إلى يوم صعد من بيننا. وهكذا يكون شاهدًا لقيامته" (اعمال 1: 21-22).
اليوم فيما الكنيسة تختار شمامستها وكهنتها وأساقفتها، إنما تتبع الشروط نفسها، بحيث تختار مَن هم مهيّأون روحيًا وثقافيًّا وانسانيًّا وعلميًّا، ومتمرّسون في حياة الكنيسة، ومعروفون باخلاقيّتهم وأمانتهم وتجرّدهم.
2. بحكم المعمودية والميرون، كلّ مسيحي يصبح رسولاً، يشهد ليسوع المسيح بأقواله وأفعاله، وبالمشاركة في أعمال راعويّة ورسوليّة في رعيّته وأبرشيّته، من خلال المنظّمات الرسولية والمجالس واللّجان الراعوية، وبمبادرات خاصّة.
من جماعة المؤمنين يختار المسيح الربّ، في سرّ تدبيره، أناسًا يشركهم بحكم الدرجة المقدّسة في مهامه الكهنوتيّة الثلاث: التعليم والتقديس والتدبير، إذ يوليهم سلطانًا الهيًّا لممارستها بشخصه وباسمه. من بين هؤلاء المختارين شمامسة وكهنة وأساقفة. لكن الاختيار الالهي يتمّ على يد الأسقف الذي يهيّئ ويميّز دعوة الشمامسة والكهنة، بالتعاون مع المدارس الاكليريكية وكلّيات اللّاهوت.
3. في نصوص الاناجيل الازائية، تكتمل صورة الرسل الاثني عشر ومهمّتهم وفقًا لنيّة الربّ يسوع وللسلطان المُعطى لهم. دعاهم: ليكونوا صيادي بشر (متى 4: 18-22)؛ ليكونوا معه ولكي على مثاله يكرزوا بالانجيل، يشفوا المرضى ويطردوا الشياطين (مر 3:14؛ متى 10: 1)؛ ليوفدهم في إرساليّة خاصّة لكي يتكلّموا باسمه (مر 6: 6-13) ليُرجعوا الضالّين ويعلنوا اقتراب ملكوت الله(متى 10: 6-7)؛ وهم يفعلون ذلك بسلطان: "من قَبلكم قبلني، ومن قبلني قَبِل الذي أرسلني (متى 10: 4)، ليوليهم سلطة خاصّة على الجماعة التي ينبغي أن يديروها: النصح الأخوي لحلّ النزاعات، وسلطان الحلّ والربط مع التأييد الالهي: "كلّ ما تربطونه على الأرض، يكون مربوطًا في السماء. وكلّ ما تحلّونه على الأرض، يكون محلولاً في السماء" (متى 18: 17-18)؛ وليكونوا شهودًا له إلى أقاصي الأرض، شهود موته لفدائنا وقيامته لتقديسنا (راجع اعمال 1: 8).
من خلال هذا الإطار، رعاةُ الكنيسة الأساقفة والكهنة معاونوهم، مدعوّون لوعي مسؤوليّتهم الروحية والراعوية ولممارستها.
* * *
ثانيًا، تعريف بالرسل الاثني عشر
1. سمعان بطرس
هو سمعان بن يونا من بيت صيدا، الجليل، صيّاد سمك. من اللحظة الأولى لاختيار يسوع له وعده بتبديل اسمه من سمعان إلى بطرس أي الصخرة من دون أي استحقاق منه. الدعوة الإلهية مجّانية وفعل محبة خاصّة، تنتظر جوابًا مماثلًا من المدعو. بيته أصبح بيت يسوع والتلاميذ الأوائل. عندما أعلن في قيصرية فيليبس ايمانه بيسوع انّه "المسيح ابن الله الحيّ" تمّم وعده وجعله الصخرة التي يبني عليها كنيسته. ولن تقوى عليها ابواب الجحيم، وأعطاه ملء سلطان الحلّ والربط (راجع متى 16: 13-19). وعندما أعلن حبّه الشديد ليسوع على شاطئ بحيرة طبرية، سلّمه الرب رعاية الكنيسة. نرى في كتاب أعمال الرسل أنّ بطرس يقوم بدور المسؤول الأول في جماعة الرسل. فكان دائمًا يتكلّم باسمهم. كتب رسالتَين إلى المسيحيّين من الأمم المنتشرين في آسيا الصغرى. في الأولى دعاهم الى الثبات في الايمان، وحثّهم على احتمال الاضطهاد والطاعة للحكّام. وفي الثانية حذّر المؤمنين من أهل البدع ومن الأنبياء الكذبة.
يُجمع التقليد على أنّ أمبراطور روما نيرون (54-68) قبض على بطرس وسجنه، ثمّ أمر بصلبه على تلّة الفاتيكان في سنة 67. فطلب أن يُصلب منكَّسًا لا مثل معلّمه، لأنّه أنكره ثلاث مرّات.
2. اندراوس أخو بطرس
كان مثل اخيه بطرس صيّاد سمك، فدعاه معه الرب ليكون صيّاد بشر (متى 4: 19). كان من تلاميذ يوحنا المعمدان وأوّل مَن لحق بيسوع واكتشف انّه "المسيح" (يو 1: 41). كان شاهدًا لمعجزة تكثير الخبز. بشّر بالمسيح في آسيا الوسطى في الشمال الشرقي من البحر الأسود. أمر الوالي اخايتوس بصلبه مثل معلّمه، لانّه رفض تقديم الذبيحة للآلهة. تمّ صلبه سنة 60 في باتراس اليونانية. كان صليبُه بشكل X. ظلّ عليه حيًّا مدّة يومَين يعظ المؤمنين ويثبّتهم في الايمان.
3. يعقوب بن زبدى
هو شقيق يوحنا بن زبدى، والمعروف بيعقوب الكبير. كان هو وشقيقه شريكَي سمعان. دعاهما يسوع معًا لاتّباعه وهما يصلحان الشباك مع ابيهما (راجع متى 4: 21-22). خصّهما الرب مع بطرس بمرافقته ثلاث مرات: في إحياء ابنة يائيرس، وفي تجلّيه على الجبل، وفي صلاة النزاع في بستان الزيتون. قتله هيرودس اغريبا الاول بضرب عنقه سنة 42 (راجع اعمال 12: 2). وُجدت ذخائره في كومبوستيل – اسبانيا في القرن التاسع، حيث بنيت كاتدرائية على اسمه، ما ساهم في انتشار إكرامه. يُعتبر شفيع اسبانيا.
4. يوحنا الإنجيلي
هو أخو يعقوب. والده زبدى، وأمّه مريم سالومي، من بيت صيدا الجليل. كان يمارس مهنة الصيد مثل أخيه وأبيه. سمّاه يسوع مع أخيه "ابنَي الرعد" (مر3: 17). هو التلميذ الذي كان يسوع يحبّه والمذكور في العشاء السّري (يو13: 23) وعلى أقدام الصليب (يو19: 25-27)، وعلى القبر صباح القيامة (يو 20: 2) وعلى البحيرة في الصيد العجيب (يو21: 21). بشخصه كانت أمومة مريم للكنيسة (راجع يو19: 25-27). وكتب الإنجيل الرابع في أفسس، ومن بعده ثلاث رسائل. كما كتب سفر الرؤيا.
في ايّام اضطهاد الامبراطور دومسيانوس وُضع في قدر من زيت يغلي فنجّاه الله. توفّي حوالي سنة 100 .
5. فيليبس
هو أيضًا من بيت صيدا. التقاه يسوع وقال له: اتبعني فتبعه وراح يخبر نتنائيل: "إنّ الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء، قد وجدناه. وهو يسوع ابن يوسف من الناصرة، تعال وانظر" (يو1: 43-46). هذا دليل أنّ فيليبس كان يعرف الكتب المقدّسة، ويعيش رجاء الشعب، تائقًا إلى الأزمنة المسيحانيّة. وفي الواقع كلّمه ملاك الله ليلتقي الحبشي ويشرح له الكتب ويعمّده (أعمال8: 26-39). توسّط لدى يسوع لليونانيّين الآتين إلى عيد الفصح والراغبين في التعرّف إلى يسوع. ما يعني أنّه كان ينعم بدالّة وثقة لدى معلّمه الإلهي. طلب من يسوع: "أرنا الآب وحسبنا". ما جعل يسوع يعلن حقيقة لاهوتيّة كبيرة: "من رآني فقد رأى الآب... أنا في الآب، والآب فيّ" (يو 14: 8-10).
بحسب تقليد الكنسية بشّر فيليبس في تركيا الحالية (سْكيثْيا وليديا وفريجيه)، وردّ الكثيرين من الوثنيّين إلى الإيمان بالمسيح، وأقام لهم أساقفة وكهنة. هجم عليه كهنة الأصنام في مدينة هيروبوليس في آسيا ورجموه بالحجارة، ثمّ علّقوه على الصليب حيث أسلم الروح.
6. برتلماوس
هو من قانا الجليل. ربّما هو نفسه نتنائيل (يو1: 45). بشّر بالمسيح في تركيا الحالية (إيقونيه وفريجيه وبلاد ما بين النهرين وبلاد فارس وأرمينيا). ردّ الكثيرين من عبادة الاوثان. اغتاظ منه الوثنيون، وجلدوه جلدًا عنيفًا وهو صابر يشكر الله. ثمّ ربطوه إلى شجرة وسلخوا جلده عنه وهو حيّ. ثمّ قطعوا رأسه سنة 71.
7. توما
هو من الجليل. كان ملازمًا ليسوع، دقيقًا في إيمانه. هو سأل الربّ في العشاء السّري: "لا نعلم إلى أين تذهب، كيف يمكن أن نعلم الطريق؟". ما جعل يسوع يؤكّد حقيقة عظمى مجيبًا: "أنا هو الطريق والحقّ والحياة" (يو 14: 4-6). وهو بسبب صدمة الصلب لم يشأ أن يصدّق خبر قيامة يسوع ما لم يرَ آثار المسامير في يدَيه ورجلَيه وأثر الحربة في جنبه. ولكن عندما تراءى له يسوع هتف مؤمناً بألوهيّته: "ربّي وإلهي". ما جعل يسوع "يطوّب الذن لا يرون ويؤمنون" (يو20: 26-29).
بإيمان راسخ بشّر توما في اليهودية، ثمّ في بلاد فارس حتى الهند. عمّد وأقام كهنة وردّ الكثيرين إلى الإيمان بالمسيح. بينما كان يصلّي يومًا هاجمه كهنة الأصنام ورجموه بالحجارة وطعنوه بحربة في عنقه سنة 75.
8. متى العشار
هو متى الإنجيلي، من كفرناحوم على ضفّة بحيرة طبريّة الشماليّة الغربية. كان يمارس مهمّة جباية الأموال للدولة الرومانيّة الحاكمة. دعاه يسوع لاتّباعه، وهو جالس على طاولة الجباية. فقام وتبعه تاركًا وظيفته. لوقا يدعوه في إنجيله "لاوي". كتب الإنجيل الأوّل إلى المسيحيّين من أصل يهودي، ليثبت أنّ يسوع هو موسى الجديد، وبه تحقّق الخلاص للعالم أجمع.
بشّر أوّلًا في أورشليم واليهودية ثمّ في مصر وبعدها في الحبشة مدّة 23 سنة. فهدى الكثيرين إلى الإيمان بالمسيح. أقام الكنائس وكرّس الأساقفة والكهنة والشمامسة.
استشهد في الحبشة سنة 90، فيما كان يقيم ذبيحة القداس، فانقضّ عليه جندي من قبل الملك هيرْتاكوس، وطعنه بحربة، فأسلم الروح.
9. يعقوب الصغير أخو الرّبّ.
دُعِيَ "أخا الرّبّ" لأنّه كان ابنًا لمريم إمرأة حلفى أو كلاوبا، وهذه كانت من أقرباء العذراء مريم أمّ يسوع. اُقيمَ أسقفًا على أورشليم، فكان الراعي الصالح لتلك الكنيسة الأولى أمّ الكنائس. رُجِمَ في أورشليم سنة 62.
له الفضل الكبير في وضعه الليتورجيا الأولى للقدّاس، المعروفة باسمه ومنها صدرَتْ جميع الليتورجيات. كتبَ رسالة هي الأولى بين الرسائل الكاثوليكيّة، فيها يُبيّن وجوب المحبّة والإحسان ولزوم الإيمان المقرون بالأعمال. ويُصرّح عن سرّ مسحة المرضى (يعقوب 5: 14 -15).
10. يهوذا الملقّب بتادي (تدّاوس) أو لابي
هو الذي سالَ يسوع سؤالاً جوهريًّا: "كيف أنتَ مزمعٌ أن تُظهرَ ذاتك لنا، لا للعالم؟" فكان جواب يسوع هنا أيضًا مهمًّا للغاية إذ أجابَ عن سكنى الله في الإنسان المؤمن: "مَن يُحبّني يحفظ كلمتي، وأبي يُحبّه، وإليه نأتي، وعنده نجعل منزلاً" (يو 14: 22 – 23).
بشّرَ بالمسيح في أورشليم واليهوديّة، ثمّ في بلاد ما بين النهرين وأدوم والبلاد العربية وأرمينيا. ردّ الكثيرين إلى الإيمان، قبضَ عليه الوثنيّون وشدّوه إلى خشبة ورمَوه بالسهام. ففاضتْ روحه الطّاهرة.
11. سمعان القانوي أو الغيور
لُقِّبَ "بالقانوي" بالنسبة إلى قانا الجليل، و"بالغيور" لانتمائه إلى حزب الغيارى الثائرين على الإحتلال الروماني، كما ظهروا في ثورة 67- 70.
بشّرَ بالمسيح في أرمينيا، وهناك مات حوالي نهاية القرن الأول.
12. متّيا
هو الرّسول الذي انتُخِبَ مكان يهوذا الإسخريوطي (أعمال 1: 15-16؛ 21- 26). وُلِدَ في بيت لحم وكان من التلاميذ الإثنين والسّبعين. بشّرَ في بلاد ما بين النّهرين وتدمر والعربية الجنوبية. وافتقد القديس توما في الهند وبشّرَ في الحبشة. قضى هناك شهيدًا بقطع الرّأس على يد جندي روماني نحو سنة 63.
* * *
صلاة
أيّها الرّبّ يسوع، لقد أسّستَ الكنيسة، لتكون جسدك السّرّي، ولتواصل بواسطتها رسالة خلاص العالم، بنشر كلمة الإنجيل، وبناء ملكوت الله، وشفاء الأجساد والنّفوس. وأرسَيتَ الكنيسة على اثني عشرَ رسولاً كأساسِ ثابتٍ وصامدٍ لها. فكانوا أساقفتها ورعاتها الأوّلين، وهم بدورهم انتخبوا أساقفة رعاة ليواصلوا الرسالة من بعدهم، وكرّسوا كهنة وشمامسة. وهكذا يتواصل حضور الأساقفة والكهنة والشّمامسة في الكنيسة إلى نهاية العالم. نسألك أيّها المسيح، راعي الرّعاة العظيم، أن تقدّسهم بنعمتك لكي يكونوا أمناء لك ولرسالة الخلاص الموكولة إليهم. وإنّا نرفع نشيد المجد والتّسبيح للآب والإبن والرّوح القدس الآن وإلى الأبد. آمين.