التكنولوجيا والمناخ.. الإيديولوجيا المتناقضة بين الداء والدواء
في مشهد غريب جلب معه الذهول، غطَّت الثلوج مدينة الإسكندرية المصرية، وأصبحت كأنها جزء من القارة القطبية الشمالية. وقبيل هذه الحادثة، ضربت أميركا أعاصير بالجملة لم تشهد لها مثيلاً، خلّفت وراءها ندباً سوداء في ولايات عدة، ودماراً رهيباً هو الأول من نوعه في البلاد. ومن المؤكّد أنَّ أخبار الفيضانات التي اجتاحت عدة مناطق حول العالم وصلت إلى مسامع الجميع ومرآهم.
ماذا يفعل المناخ بنا أو ماذا فعلنا بأنفسنا؟ لا شكَّ في أن تغير المناخ هو أحد أكبر التحدّيات في عصرنا، وما لا يختلف عليه اثنان هو أننا - نحن البشر - السبب الرئيسيّ في تردّي البيئة.
كلفة باهظة
غيّرت الثورة الصناعية مفهومنا للحياة، لتغدو أكثر راحةً ومتعة وتطوراً، ولكن من دون احتساب النتائج الطويلة الأمد على ما حولنا، فبعد الانتقال إلى عمليات التصنيع الجديدة في أوروبا والولايات المتحدة، من العام 1760 وحتى اليوم، وكنتيجة لاستخدامنا التقنيات الجديدة بقوة هائلة، واستمرار التصنيع والتقدم التكنولوجي في البلدان المتقدمة حول العالم، من الطبيعي أن تلفظ الأرض أنفاسها الأخيرة.
لقد أضرّت الثورة وتقنياتها المتلاحقة بعالمنا بطريقتين رئيسيتين؛ تلوّث الهواء الناجم عن إحراق الوقود الأحفوري والمصانع ومحطات الطاقة والزراعة الجماعية والسيارات، ما أدى إلى زيادة كمية الغازات الدفيئة في الهواء، وبالتالي احتباس الطاقة الحرارية في الغلاف الجوي للأرض، وتسبب بارتفاع درجة الحرارة العالمية، ناهيك بتلوث المياه بسبب الأنشطة البشرية، كالنفايات المنزلية والصناعية السائلة والمبيدات الحشرية، وإطلاق مياه الصرف الصحي المعالجة بشكل غير كافٍ، ما أدى إلى تدهور النظم الإيكولوجية المائية.
استنفاد الموارد الطبيعيّة، كإزالة الغابات، هو تأثير سلبي آخر، فقد أفاد البنك الدولي بأنّ صافي الخسارة في الغابات العالمية بين العامين 1990 و2015 بلغ 1.3 مليون كيلومتر مربع، والرقم تزايد قطعاً بعد الحرائق المهولة التي شهدها القطاع الأخضر في دول عدة. كلّ هذه الأمثلة هو غيض من فيض ناجم عن الاستهلاك البشري غير المدروس.
تحذيرات شديدة وردود فعل بائسة
رغم سماع صوت ناقوس الخطر الذي يحدق بالأرض، يتحفّظ قادة الدول العظمى عن إصدار مواقف حاسمة للحد من تفاقم الاحتباس الحراري وكبح جماحه، فقد تمخّضت قمة المناخ "كوب 26" المنعقدة في مدينة غلاسكو الإسكتلندية عن مفاوضات وُصفت بالعسيرة والبائسة، لما انتهى إليه المشاركون في المؤتمر من تغييرات مفاجئة تتعلق بآلية استخدام الفحم والغاز، وخصوصاً من قبل القوى الصناعية الكبرى والدول التي يقوم اقتصادها على التهام الوقود الأحفوري.
لم تستطع اتفاقيّة باريس الموقّعة في العام 2016 إلزام كلّ دولة في العالم تقريباً ببذل جهود جدّية لمكافحة تغير المناخ ومحاولة الحفاظ على متوسّط درجة حرارة عالمية أقلّ من درجتين مئويتين، فسادة العالم يكتفون بخطابات يشددون فيها على خططهم المستقبلية "الضبابية"، ليكونوا أصدقاء أوفياء للبيئة مجدداً، ولكنّهم يعملون في خطوط موازية، كخطة (ب) البديلة، في حالة دمار الأرض واستحالة العيش عليها. لذا، نراهم يكثّفون الجهود في اكتشاف الفضاء والبحث عن موطن بديل للسكن.
داوِها بالتي كانت هي الداء
سباق الدول المحتدم للحاق بقطار التكنولوجيا السريع لعقود نخر لبّ الأرض، فإذا كانت التكنولوجيا "سوس البلاء"، فهي اليوم الحل والدواء الذي سينقذ كوكبنا من الضرر الذي حدث، فرغم التأثير السلبي للتكنولوجيا في البيئة، فإنّ ارتفاع الاهتمام العالمي بتغير المناخ أدّى إلى تطوير تقنية بيئية جديدة تهدف إلى المساعدة في معالجة بعض أكبر المخاوف البيئية التي نواجهها كمجتمع، من خلال التحوّل نحو نهج أكثر استدامة واقتصاد منخفض الكربون.
تُعرف التكنولوجيا البيئية باسم التكنولوجيا "الخضراء" أو "النظيفة"، وهي تقوم على تطوير تقنيات جديدة تهدف إلى تقليل التأثير السلبي للتكنولوجيا في البيئة، وخفض استهلاك الموارد أو على الأقل مراقبتها أو تقليلها.
هذه الأيديولوجيا المتناقضة مدعومة من "WWF 1" (The World Wide Fund for Nature)، وهو الصندوق العالمي للطبيعة، الذي اعتبر أنّ التكنولوجيا جزء من المشكلة، وأنها أيضاً عامل تمكين للحلّ، فبعد أن كان الفحم في العام 2015 ثاني أكبر مولد للكهرباء، تنتج المصادر المتجددة حالياً أكثر من 30% من الكهرباء في المملكة المتحدة على سبيل المثال، كذلك الأمر بالنسبة إلى تكنولوجيا السيارات الكهربائية وأنظمة المدن الذكية التي تعمل على توفير استهلاك الطاقة، وكذلك الألواح الشمسية والعنفات الهوائية وغيرها من التقنيات التي يمكن اعتبارها الخطوة الأولى في طريق "الألف ميل" للحل.
تكنولوجيا التحكّم في الطقس
في الوقت الذي تعاني مناطق شاسعة من الجفاف نتيجة التغيّر المناخي، نجحت السلطات الصينية بالسيطرة على الطقس في وقت سابق من هذا العام، بممارسة مناخيّة يعتبرها البعض مثيرة للجدل، إذ تركّزت العملية على توليد أمطار صناعية قبل حدث رسميّ بساعتين لضمان سماء صافية.
عمليَّة الاستمطار تقوم على إضافة مواد كيميائية، مثل الجزيئات الصغيرة من يوديد الفضة، إلى السحب. وقد أكّد الباحثون أنّ تكنولوجيا البذر السحابي ساهمت في تقليل التلوث الهوائي، كما أنها طريقة ناجعة لحلِّ مشاكل الجفاف حول العالم، لكن في الطرف الآخر من المعادلة يجد البعض في هذه التقنيّة تلاعباً بالطّقس غير مسموح به، وستظهر نتائجه السلبية عاجلاً أم آجلاً.
رغم تزايد استخدام الطاقات النظيفة حول العالم، فإن محاولة استيعاب التغير المناخي والحدّ منه لا تزال مقيدة بقرارات سياسية اقتصادية، وما يتّفق عليه الجميع هو أنَّ إنقاذ البشرية من العواصف والفيضانات والجفاف لن يكون بيد السياسيين، إنما بيد المهندسين والباحثين.
المصدر: الميادين نت