لبنان
17 حزيران 2024, 09:50

البيان الختاميّ لسينودس الكنيسة المارونيّة

تيلي لوميار/ نورسات
إختتام جلسات سينودوس الكنيسة المارونيّة في الصرح البطريركيّ في بكركي، الذي انعقد على مرحلتين الأولى من اليوم الخامس من حزيران/يونيو 2024، إلى الثامن منه، وكانت بمثابة خلوة روحيّة بعنوان "بالصلاة نواجه الأزمات"، ألقاها الأب جورج الترس المرسل اللبنانيّ، والمرحلة الثانية من العاشر من جزيران/يونيو حتّى الخامس عشر منه، تدارس فيه المجتمعون شؤونًا كنسيّةً وراعويّة، متوقّفين بنوع خاصّ على الشأنين الاجتماعيّ والوطنيّ، وناقشوها بروح أخويّة وشراكة مجمعيّة تجلّت في الإصغاء والحوار والتمييز، واتّخذوا فيها التدابير الكنسيّة المناسبة.

 

تمّت هذه الجلسات برئاسة البطريرك المارونيّ الكردينال مار بشارة بطرس الراعي ومشاركة مطارنة الكنيسة المارونيّة في لبنان وبلدان الانتشار حاملين في قلوبهم شؤون أبنائهم وبناتهم وشجونهم وانتظاراتهم وتطلّعاتهم وقد صدر البيان الختاميّ وتلاه المطران منير خيرالله:  

أولاً: في الشأن الكنسيّ

1- التنشئة الكهنوتيّة

-إطّلع الآباء على تقارير المدارس الإكليريكيّة المولجة تنشئة كهنة الغد، وهي: الإكليريكيّة البطريركيّة المارونيّة في غزير، وإكليريكيّة مار أنطونيوس البادوانيّ في كرمسدّه، وإكليريكيّة سيّدة لبنان في واشنطن، والمعهد المارونيّ الحبريّ في روما. كما اطّلعوا على تقرير اللجنة المولجة تأمين التنشئة الدائمة للكهنة الجدد.

أثنى الآباء على الجهود التي يبذلها المسؤولون عن التنشئة بالتعاون مع البطريرك والأساقفة في ظلّ الظروف الاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة السائدة في لبنان وعلى تضامن أبرشيّات الانتشار معهم لرفع التحدّي الماليّ وتأمين تنشئة تتناسب مع حاجات الكنيسة اليوم. كما شدّدوا على ضرورة تعزيز راعويّة متجدّدة للدعوات وعلى تطوير صيغة التنشئة في المدارس الإكليريكيّة ودور التنشئة الرهبانيّة ومعاهد اللاهوت على أنواعها بحيث تطال العلمانيّين والشبيبة منهم بنوع خاصّ وتخرّج كهنة يؤدّون خدمتهم في إعلان الإنجيل إلى العالم وبنيان الكنيسة باسم المسيح نفسه، الرأس والراعي.

2- الإصلاح الليتورجيّ

إطّلع الآباء على أعمال اللجنة البطريركيّة للشؤون الطقسيّة التي قدّم رئيسها تقريرًا عرض فيه سير العمل بالتعاون مع مندوبي أبرشيّات النطاق البطريركيّ والانتشار.

ثمّ تدارسوا الأمور الطقسيّة المطلوب التصويت عليها، وهي بعض بنود من كتاب «الإرشادات الطقسيّة» ومن نصوص رُتبتَي «العماد والميرون» و«الخطبة والإكليل»، ورُتب سيامة المرتّل والقارئ والشدياق. ووافقوا على إنجاز كتاب القدّاس المارونيّ باللغتين الفرنسيّة والألمانيّة.

كما ناقشوا مواضيع أخرى تتناول "الكلندار" المارونيّ وكتاب الجنازات وصلوات الأزمنة الطقسيّة.

أثنى الآباء على الجهود التي يقوم بها أعضاء اللجنة الطقسيّة التي تحاول أن تلبّي حاجات الكنيسة المارونيّة في أبرشيّاتها، ذلك لأنّ الليتورجيا هي من عناصر وحدة كنيستنا وعليها أن تأخذ في الاعتبار الحفاظ على التقليد من جهة والانفتاح على لغة المتطلّبات الجديدة لشعبنا وتنوّعها بتنوّع الثقافات والبلدان التي يعيش ويشهد فيها، من جهةٍ أخرى.

3-المشاركة في سينودس أساقفة الكنيسة الكاثوليكيّة عن السينودسيّة

إطّلع الآباء على تقرير اللجنة البطريركيّة المواكبة لمسيرة سينودس الأساقفة في جمعيّته العامّة السادسة عشرة عن السينودسيّة الذي قدّمه رئيسها، عرض فيه حصيلة إسهامات الأبرشيّات والرهبانيّات تحضيرًا للدورة الثانية التي ستعقد في روما في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2024، وفيها الأجوبة على السؤال الرئيس: « كيف نكون كنيسة سينودسيّة في حالة رسالة ؟

ويعرض التقرير الذي أُرسل إلى الأمانة العامّة لسينودس الأساقفة في روما، في القسم الأوّل، مسار الممارسة السينودسيّة، التي هي تقليد قديم في كنيستنا، وما يعتريها من شوائب في الزمن الحاضر، وكيف يمكن ترميمها وتعزيزها في الهيكليّات الكنسيّة على تنوّعها، وما هي الوسيلة أو الطريقة الواجب اتّباعها لممارسة السينودسيّة في الإصغاء والحوار والتمييز وفي تعزيز المسؤوليّة المشتركة مع العلمانيّين بفئاتهم كلّها. ولهذه الغاية قرّر الآباء تنظيم لقاء سينودسيّ لكهنة الرعايا كونهم مفتاح المسيرة السينودسيّة، في 25 تمّوز/يوليو 2024 في بكركي.

وفي القسم الثاني، يعرض التقرير بعض المواضيع المطروحة للبحث في الدورة الثانية، ومنها دور المرأة ورسالتها في الكنيسة استنادًا إلى توصيات سينودس المرأة في الكنيسة المارونيّة، وخدمة الكهنة المتزوّجين في كنيستنا في النطاق البطريركيّ وبلدان الانتشار، وواقع الهجرة والتهجير لدى أبنائنا الموارنة والمسيحيّين في لبنان وبلدان الشرق الأوسط والإشكاليّات المطروحة جرّاء تناقص عدد المؤمنين في الوطن الأمّ وكيفيّة المحافظة على الهويّة والانتماء في بلدان الانتشار. وفي التقرير أيضًا مطالبة بتوسيع ولاية البطريرك خارج نطاق أنطاكية وسائر المشرق بحيث تشمل عموم أبنائه المنتشرين في العالم.

4-الشؤون القانونيّة وخدمة العدالة

إستمع الآباء إلى تقارير الأساقفة المولجين السهر على خدمة العدالة في محاكمنا الابتدائيّة والاستئنافيّة. وأشاروا إلى أنّهم يبذلون الجهود الكبيرة لاستقبال المتقاضين والإصغاء إليهم ومرافقتهم وتسريع إصدار الأحكام ومنح المعونات القضائيّة لمن هم في حاجة.

لفت الآباء في التقارير إلى أنّ عدد الدعاوى عاد الى الارتفاع.

ولاحظوا تفاقم الأزمات الأخلاقيّة والنفسيّة والروحيّة والمادّيّة التي تؤدّي غالبًا إلى تفكّك العائلة واللجوء إلى المحكمة.

وأثنوا على الجهود التي يقدّمها العاملون في المحاكم وعلى البرامج المحاذية للعمل القضائيّ والمكمّلة له التي تنظّمها المحاكم والأبرشيّات، من مثل مركز الإصغاء والوساطة والمرافقة القانونيّة والنفسيّة، قبل تحويل الدعاوى إلى المحكمة، بالتعاون مع مكتب راعويّة الزواج والعائلة في الدوائر البطريركيّة واللجنة الأسقفيّة للعائلة وبالاشتراك مع جامعتَي الحكمة والقدّيس يوسف.

5-الشؤون الإداريّة والرعويّة

إطّلع الآباء على تقارير مكاتب الدائرة البطريركيّة والمؤسّسات البطريركيّة والمارونيّة.

وتوقّفوا بنوع خاصّ أوّلًا على تقرير مكتب راعويّة الشبيبة الذي يعمل بنشاط وحماسة وفرح شاهدًا على التزام شبيبتنا بإيمانهم المسيحيّ وبالقيم الإنجيليّة والإنسانيّة المستمدّة من تعليم الكنيسة الاجتماعيّ من أجل خدمة الخير العامّ متخطّين مجمل العقبات الاقتصاديّة والمادّيّة والاجتماعيّة لزرع الرجاء في قلب إخوتهم الشباب ودعوتهم إلى الالتزام ببناء مجتمع جديد يليق بهم وبطموحاتهم.

ويعدّد التقرير النشاطات التي يقوم بها المكتب، ومنها إقامة الخلوات ودورات التنشئة الروحيّة والاجتماعيّة، والتحضير لمؤتمر وطنيّ للشبيبة حول الذكاء الاصطناعيّ في تموز/يوليو 2024، وإطلاق التحضيرات للاحتفال بالأيّام العالميّة للشبيبة المارونيّة المزمع عقدها في لبنان من 17 تمّوز/يوليو 2025 إلى 27 منه.  

توقّف الآباء ثانيًا على تقرير مكتب راعويّة المرأة الذي يتابع مسيرة التحضير للسينودس الخاصّ بالمرأة في الكنيسة المارونيّة. واستمعوا إلى تقرير منسّقة المكتب، تعرض فيه أوّلًا منهجيّة المسار السينودسيّ ومراحل العمل حتّى اليوم، ومنها إطلاق الوثيقة التأسيسيّة "لدعوة المرأة ورسالتها في تدبير الله وحياة الكنيسة والمجتمع" من بكركي في 9 أيلول/سبتمبر 2023. وهي وثيقة تشكّل منطلقًا لمسار السينودس الرعويّ العلميّ في الأبرشيّات والرهبانيّات والمؤسّسات والمنظّمات الرسوليّة في الكنيسة المارونيّة. وتعرض فيه ثانيًا مراحل المسار السينودسيّ المقبلة، ومنها تنظيم مؤتمر لاهوتيّ حول المرأة في كانون الأول/ديسمبر 2024.

وينهي التقرير بالقول: "وإنّنا نسير ونعمل معًا، نساءً ورجالًا وشبيبة، لنكون أفق رجاء ينفتح على الكنيسة، وعلامةً واضحة لحضور الروح القدس من أجل عيش عنصرة جديدة، بانتظار أن يتّخذ مجلس المطارنة برئاسة البطريرك قرار عقد هذا السينودس الخاصّ المرتقب".

 

ثانيًا: في الشأن الرعويّ

1-أوضاع الأبرشيّات في النطاق البطريركيّ

إستعرض الآباء أوضاع الأبرشيّات في لبنان وبلدان النطاق البطريركيّ. وتوقّفوا عند الحاجات المتزايدة التي يواجهها أبناؤهم وبناتهم في ظلّ الأوضاع الاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة والمعيشيّة والأمنيّة المتدهورة، لا سيّما في لبنان وسورية والأراضي المقدّسة جرّاء الحرب الدائرة في غزّة والضفّة الغربيّة، وما تجرّه على الفلسطينيين وعلى أبناء المنطقة من ويلات ودمار وضحايا بشريّة. وامتدّت الحرب إلى لبنان، وبخاصّة إلى جنوبه، لتزجّ به وبأهله في دوّامة الموت والدمار وحرق الأرزاق وتعطيل المؤسّسات التربويّة والصحّيّة والتجاريّة.

يعبّر الآباء عن استنكارهم الشديد لما يتعرّض له قطاع غزّة والضفّة الغربيّة وجنوب لبنان منذ أكثر من ثمانية أشهر، من تقتيل وتدمير وتنكيل يصيب المدنيّين، الأطفال والنساء قبل سواهم.

ويدعون أصحاب الضمائر الحيّة جميعهم في العالم إلى الضغط من أجل متابعة الحوار للوصول إلى وقف نهائيّ لإطلاق النار تمهيدًا لبدء مفاوضات بين الأطراف المعنيّين، على قاعدة الدولتين وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 181.

كما توقّفوا عند أوضاع أبنائهم في بلدان الخليج وحاجاتهم الروحيّة والكنسيّة من تأمين كهنة لخدمتهم الراعويّة حفاظًا على تقاليدنا وروحانيّتنا وتراثنا السريانيّ الأنطاكيّ. وثمّنوا ما يقوم به هؤلاء من دعم إنسانيّ ومادّيّ لأهلهم وعائلاتهم في لبنان وسورية والأراضي المقدّسة.

ويتقدّم الآباء بالشكر من الأبرشيّات المارونيّة في بلدان الانتشار، ومن المؤسّسات العالميّة، الكنسيّة والمدنيّة، على تضامنها ودعمها ومساعداتها السخيّة.

2-أوضاع أبرشيّات الانتشار

تناول الآباء كذلك أوضاع أبرشيّات الانتشار في أوروبا وأفريقيا وأميركا الشماليّة والجنوبيّة وأوقيانيا وحاجات بعضها.

وتوقّفوا بشكل خاصّ عند أبرشيّتَي فرنسا والمكسيك. واستمعوا إلى التقارير التي قدّمها مطرانا الأبرشيتيّن وتدارسوا اقتراح إنشاء أبرشيّة مارونيّة لفنزويلا. وطلبوا مزيدًا من الوقت لاستكمال الاستشارات قبل انتخاب لائحة أسماء لمطارنة الأبرشيّات الثلاث ترفع إلى الكرسي الرسوليّ حيث يتّخذ القرار فيها قداسة البابا.

وتوقّفوا عند ظاهرة هجرة أبنائهم الموارنة من لبنان ومن سائر بلدان الشرق الأوسط نحو بلدان الانتشار وهي بتزايد مستمرّ وتطرح إشكاليّة تناقص أعدادهم في الأوطان الأمّ وتزايد الحاجات الرعويّة لخدمتهم في الأوطان الجديدة والمضيفة.

وقدّر الآباء ما يقوم به مطارنة الانتشار من جهود في سبيل جمع شعبهم وتوعيته على هويّته وتراثه وتاريخه عبر الحفاظ على الليتورجيا وعلى اللغتين السريانيّة والعربيّة في المدارس والرعايا، إضافة إلى التعليم المسيحيّ. وثمّنوا مطالبة هؤلاء المطارنة بتوسيع ولاية البطريرك القانونيّة على أبنائه المنتشرين حول العالم جميعهم وتعزيز العلاقات الأخويّة مع مطارنة الأبرشيّات الكاثوليكيّة في بلدان تواجدهم.

كما شكروهم على تجديد التزامهم بدعم كنيستهم ومؤسّساتها وأبنائها في لبنان وبلدان النطاق البطريركيّ.

 

ثالثًا: في الشأن الاجتماعيّ والتربويّ وخدمة المحبّة

تداول الآباء في الأوضاع المعيشيّة المتدهورة في لبنان بسبب الأزمات المتراكمة وضعف القوّة الشرائيّة مقابل ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائيّة والأدوية. ما أوصل أبناءهم وبناتهم إلى حالة الفقر وانعدام القدرة على تأمين الحاجيات الضروريّة للحياة اليوميّة.

وتداولوا كذلك في الأزمات الاقتصاديّة والتربويّة والاستشفائيّة التي يعاني منها أولادهم في لبنان، وبخاصّة في ظلّ تقاعس المسؤولين في الدولة عن القيام بواجباتهم لتسهيل حياة المواطنين والحفاظ على كرامتهم.

وتوقّفوا عند واقع المؤسّسات الكنسيّة، وبخاصّة تلك التربويّة والصحّيّة والاجتماعيّة، التي تمرّ في مرحلة دقيقة وصعبة على المستوى الماليّ. وشدّدوا بنوع خاص على أهمّيّة المحافظة على مستوى التربية والتعليم في لبنان وعلى إبعاد التدخّل السياسيّ الخطير في المواضيع التربويّة، وبخاصّة في البرامج التربويّة والامتحانات الرسميّة. فالقطاع التربويّ هو كنز لبنان الحقيقيّ ولا يزال يعاند الأزمة الاقتصاديّة التي هزّت كيانه وأفلست مؤسّساته. لذا وجب دعمه بالوسائل كلّها.

يعبّر الآباء عن قلقهم البالغ حيال هذا الوضع وأكّدوا وقوفهم إلى جانب شعبهم وأنّهم سيعملون كما عملوا في السابق على تقديم مجمل المساعدات الممكنة عبر مؤسّساتهم الكنسيّة المختصّة وبالتعاون مع أبرشيّات الانتشار والهيئات العالميّة المانحة للمساهمة في دعم التعليم والاستشفاء والدواء لأبنائهم وبناتهم، وأنّهم سيخصّصون جزءًا مهمًّا من مداخيل الأوقاف لهذا الغرض.

ويهمّهم تأكيد عزمهم على ألّا يبقى أخ في عوز وأخت بلا علم ومريض ينازع على باب المستشفى. ويطلبون من المسؤولين في المؤسّسات التابعة للكنيسة المارونيّة التعاون على تحقيق هذا الهدف السامي، هذا من جهة أولى، ويطالبون، من جهة ثانية، الدولة بالقيام بواجباتها وإعطاء المؤسّسات التربويّة والصحّيّة والاجتماعيّة حقوقها، وكذلك حقوق المواطنين الذين يؤدّون واجباتهم كاملةً بدفع الرسوم والضرائب والمتوجّبات الإداريّة.

رابعًا: في الشأن الوطنيّ

يتعرّض لبنان اليوم لأزمة خطيرة تهدّد كيانه وهويّته وتضعه في مأزق وجوديّ مصيريّ بالغ الخطورة والفرادة في تاريخه الحديث. ولكن لا خوف عليه لأنّه حقيقة حيّة في التاريخ وله دور ورسالة ولأنّ اللبنانيّين جميعهم يعترفون بأنّه وطن حرّ ومستقلّ ونهائيّ لأبنائه جميعهم، ولأنّ العالم يعترف له بأنّه مهد حضارة عريقة وبلد التعدّديّة وأمّة حوار وعيش مشترك. "إنّه أكثر من وطن، إنّه رسالة حرّيّة وتعدّديّة للشرق كما للغرب". ومن واجب المواطنين الولاء لهذا الوطن النهائيّ.

من المشاكل الأساسيّة التي يعاني منها لبنان، بالإضافة إلى التدهور الاقتصاديّ والماليّ والاجتماعيّ، النزوح السوريّ إليه الذي يقوى يومًا بعد يوم بشكل مخيف. والحرب على الجنوب اللبنانيّ التي جاءت لتزيد من مأساة الجنوبيّين خصوصًا، واللبنانيّين عمومًا، الاقتصاديّة والتجاريّة والزراعيّة والماليّة والتربويّة، ما أدّى إلى تهجير أهله وتعطيل دورة حياتهم الطبيعيّة.

يثمّن الآباء جهود الدول الشقيقة والصديقة من أجل تحييد لبنان عن النزاعات الإقليميّة. ولكنّهم يرفضون رغبة بعض المراجع الدوليّة في إبقاء النازحين على أرض لبنان من دون الاهتمام لما يجرّه ذلك على لبنان من أخطار مصيريّة.

في النظر الى الواقع السياسيّ المأزوم اليوم، يعتبر الآباء أن لا أولويّة تعلو على أولويّة انتخاب رئيس للجمهوريّة. لذا، يدعون السادة النوّاب إلى القيام الفوريّ بواجبهم الدستوريّ والوطنيّ وانتخاب رئيس،لأنْ، من دونه لا حماية للدستور ولا إشراف على انتظام عمل مؤسّسات الدولة، ولا فصل للسلطات، ولا خروج من الشلل السياسيّ والاقتصاديّ والماليّ.

أمام هذا الواقع الخطير، ونظرًا إلى دور بكركي الوطنيّ الجامع والحريص على لبنان الوطن الرسالة والنموذج، يرى الآباء أنْ بات من الضروريّ أن تقف كنيستنا بشجاعة وجرأة وتواضع أمام التاريخ وأمام الضمير وأمام الله لتقود عمليّة وطنيّة لتنقية حقيقيّة للذاكرة التي تقتضي مراجعة ذاتيّة نقديّة ترقى إلى فحص ضمير وتوبة ومحاسبة وغفران للوصول إلى حوار صادق وصريح وإلى مصالحة باتت ملحّة اليوم.

لهذه الغاية، يعلن الآباء عن تأليف لجنة أسقفيّة تضمّ حكماء تعمل على التواصل مع الأطراف اللبنانيّين جميعهم، دينيّين وسياسيّين، وتهيئة الأجواء لإطلاق المسيرة الوطنيّة لتنقية الذاكرة.

خاتمة

في الختام يتوجّه الآباء إلى أولادهم المنتشرين في أنحاء العالم كافّة، ويقولون لهم: أنتم تطلبون منّا، نحن الرعاة، شهادة حيّة في عيش خدمتنا الراعويّة على مثال المسيح. إنّنا نسمع صراخكم وأنينكم ونتحسّس وجعكم، ولا نستطيع أن نغمض أعيننا عن مآسيكم، ولا أن نصمّ آذاننا عن معاناتكم، ولا أن نجعل قلوبنا من حجر لئلّا نغفل عن مساعدة أي فقير ومريض ومظلوم.

الكنيسة هي أمّ لكم، ونحن فيها نحبّكم ونسعى إلى خدمتكم بكلّ إمكاناتنا المتوافرة.

وعلى الرغم من الأوضاع الكارثيّة التي تحمل على اليأس، نقول لكم إنّنا نحمل الرجاء بالربّ يسوع المسيح الذي لا يخيّب. ومدعاة الرجاء عندنا كبيرة وتتجلّى في شبابنا وآبائنا وأمّهاتنا وكهنتنا ورهباننا وراهباتنا الواقفين مع الصامدين في أرضهم أو المنتشرين في العالم وهم يتضامنون معنا ومع أهلهم ووطنهم.

لا تخافوا، يقول لنا الربّ يسوع. فكنيستنا قويّة به وبتضامننا ووحدتنا. فلنطلب من الله، بشفاعة العذراء مريم وقدّيسينا جميعهم، أن يجعل منّا رسل محبّة وأنبياء حقّ وصانعي سلام.