البطريرك يوحنّا العاشر: للصّفح والمصافحة في الفصح
"المسيح قام، حقًّا قام
هذا هو اليوم الّذي صنعه الرّبّ، لنفرح ولنتهلّل به. وفيه نرتّل:
"اليوم يوم القيامة فسبيلنا أن نتلألأ بالموسم ونصافح بعضنا بعضًا ولنقل يا إخوة ولنصفح لمبغضينا عن كلّ شيءٍ في القيامة ولنهتف هكذا قائلين: المسيح قام من بين الأموات دائسًا الموت بالموت والّذين في القبور وهبهم الحياة".
ترسم لنا كلمات هذه القطعة من خدمة العيد السّبيلَ الّذي يمهّد لأن نحتفل بقيامة الرّبّ يسوع من بين الأموات، فهي تدعونا إلى المصافحة والصّفح. كأنّها تريد أن تقول لنا: ما من فصحٍ من دون مصافحة ومن دون صفْحٍ.
وهذا ما نعايدكم به وندعوكم إليه في هذا الموسم البهيّ، موسم قيامة ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح من بين الأموات غالبًا الموت بالموت. أمّا يذكّرنا الذّهبيّ الفمّ في ميمر العيد بأنّ الصّفح العامّ قد بزغ مشرقًا من القبر؟
فمعه نقول: "تنعّموا كلّكم بغنى الصّلاح، لا يتحسّر أحد شاكيًا الفقر لأنّ الملكوت العامّ قد ظهر، ولا يندبنّ معدّدًا آثامًا لأنّ الصّفح قد بزغ من القبر مشرقًا، لا يخشى امرؤ الموت لأنّ موت المخلّص قد حرّرنا".
يا أحبّة في أيّام الحروب والشّدّة، ما تخافه الكنيسة على أبنائها ومجتمعها بالأكثر هو أن تملك المرارة في القلوب بفعل الموت أو بفعل الفقر. ما تخشاه هو أن يتسلّل الحزن الّذي يحكم القلوب فيما هي تعدّد الآثام، آثام الإنسان نفسه وآثام الآخرين. لذلك يدعونا الذّهبيّ الفمّ في العيد لأن نتمتّع بغنى الصّلاح وألّا نندب معدّدين الآثام لأنّ الصّفح قد بزغ من القبر مشرقًا.
نقول هذا وفي فكرنا رحى الحرب الّتي كلّما اعتقدنا أنّها توقّفت عن الدّوران، تعود فتتحرّك في غير مدى من شرقنا الحبيب. تعالوا نكسّر هذه الرّحى حتّى لا تعود تدور من بعد وذلك بالتصاقنا بالمسيح القائم من الموت الّذي كسّر قيود الموت ودحرج الحجر عن باب القبر. تعالوا نُصفِّ القلوب من أيّ مرارة تركتها الحرب ونطهّر النّفوس من كلّ إثم سرنا إليه بسبب من ضعف بشريّتنا. تعالوا "ننقِّ حواسنا حتّى نعاين المسيح ساطعاً كالبرق بنور القيامة الذي لا يُدنى منه" . وكلنا رجاء في المسيح القائم أننا إذا فعلنا هذا، ينغلب الشّرير ويبزغ السّلام في النّفس وفي الأرض.
لذلك نقول في فصح الرّبّ، يدنا ممدودة للمصافحة وقلبنا مفتوح للصّفح، لأنّنا أبناء القيامة، لأنّنا أبناء المسيح الغالب الخطيئةَ والموتَ بالمحبّة والحياة.
نقول هذا وفي فكرنا كلّ ضيق وتحدٍّ يواجهان أبناء شعبنا الأنطاكيّ أينما حلّوا في الشّرق وفي عالم الانتشار، إنْ على الصّعيد الرّوحيّ أو المادّيّ أو الاجتماعيّ. لنشدّدْ بعضنا البعض بقوّة قيامة الرّبّ ولنكن سندًا بعضنا لبعض ولنصفح ولنحبّ ولنعطِ فيعمّ الفرح والسّلام.
نقول هذا وفي فكرنا الاستحقاقات الرّعائيّة الّتي تتوالى في كنيستنا. هذا ندعوكم إلى أن ترافقوه بالصّلاة وبالصّفح والمصافحة وبمحو المرارة من القلوب، حتّى إذا ما نزلت علينا كلمة الرّبّ وجدت لها أرضًا صالحة مخصّبة بالمحبّة فينبت زرع الرّبّ ويثمر كرمه كما هو يريد لا كما نحن، ولا تكون قساوة القلوب صخورًا تحول دون أن يكبر هذا الزّرع وينمو.
نقول هذا وفي فكرنا كلّ غائب وفي صلاتنا كلّ المخطوفين ومنهم أخوانا مطرانا حلب يوحنّا ابراهيم وبولس يازجي المخطوفان منذ خمس سنوات، وكلّ مصاب ومتألّم، كلّ طفل وكلّ عجوز، كلّ شابّ وكلّ صبية، وكلّ عائلة في كلّ منطقة.
المسيح قام، حقًّا قام. هكذا نحيّي بعضنا البعض في العيد. رجائي وطلبي الأخويّ والأبويّ أنّه في كلّ مرّةٍ تلقون التّحيّة الفصحيّة، اتركوا لها صدىً في قلوبكم وعلى وجوهكم لكي نكون شهودًا في هذا الشّرق وفي هذا العالم لملكوت الله الّذي حقّقته قيامة المسيح المجيدة.
المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت ووهب الحياة للّذين في القبور.
المسيح قام، حقًّا قام!".