لبنان
20 نيسان 2020, 05:00

البطريرك يوحنّا العاشر وجّه رسالة الفصح للعام 2020، ومضمونها؟

تيلي لوميار/ نورسات
أعلن بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس يوحنّا العاشر قيامة المسيح في رسالة الفصح المجيد، جاء فيها:

"إلى إخوتي رعاة الكنيسة الأنطاكيّة المقدّسة
وأبنائي وبناتي حيثما حلّوا في أرجاء هذا الكرسيّ الرّسوليّ

"لنفعم يا إخوة الختن حبًّا. ومصابيحُنا هيا لنهيّئها. لكيما نبدو بالفضائل والإيمان القويمِ متلألئين حتّى مثلَ عذارى الرّبّ نستحقَّ أن ندخل العرس معه لأنّ الختن وهو الإله يهب الكّل الإكليل غير البالي"(١).

هذه نجوى الكنيسة في أيّام الأسبوع العظيم وضعَتْها على لسان ناظم التّسابيح مخاطبةً بها كلّ نفسٍ تواقةٍ إلى عتبات القيامة. نضعها أمامكم، لنتأمّلها مليًّا، أيّها الإخوة المرافقون لنا في الصّلاة من حنايا بيوتكم وثنايا نفوسكم. دعوتنا اليوم أن نرافق ونحن على عتبات القيامة ختن القيامة وشاغل القبر الفارغ. دعوتنا أن نتأمّل في المسيح يسوع الذي يسمّيه ناظم التّسابيح ههنا عريس النّفس. فلنطرح كلّ شيءٍ خارجًا. فلنطرح كلّ هموم الدنيا وكلّ أوبئتها ولنغفل ولو للحظةٍ عن وسائل اتّصالها، ولننظر في أعماق نفسنا المسيح الذي يسلك درب الجلجلة والقيامة، ولنُفعمه حبًّا. فلنغسله ونضمّخه بطيب محبّتنا له وبعبير حبّنا لبعضنا البعض. ولنسكب أمامه وهو المتألّم من أجل خلاصنا عبرات محبةٍ وعرفان.
نحن مدعوون في سكينة القلب ومن حنايا بيوتنا، أن نضيء القلوب أمام ربّ القلوب ونسكب من زيت صبرنا أمام نوره الإلهيّ. نحن مدعوون أن نسكب زيت الرّحمة وزيت الصّدقة وأن نشعل قنديل فصحنا أوّلًا وقبل كلّ شيء من زيت التّوبة ومن سكينة القلب الخاشع أمام المصلوب. نحن مدعوون أن نروي القلب بندى الصّلاة وأن ننقّي النّفس من كلّ تعالٍ وأن نقدّمها له، للمسيح خدرًا طاهرًا. نحن مدعوون في نهار الجمعة العظيم أن نتأمّل أنّ فجر القيامة أعقب النّحيب المرّ. وكم من نحيبٍ وتململٍ يطالنا أحيانًا، حروبًا، ضيقاتٍ، أوبئةً! إلّا أّن عزاءنا أنّ الرّبّ ماسحٌ من عيوننا كلّ دمعة وناظرٌ من علياء صليبه وحاضنٌ قلوبنا بنور قيامته المجيدة.
المسيح فصحنا الجديد وهو عريس النّفس العُذريّة، التي تطرد من ثناياها ومن قلبها كلّ هموم وأباطيل العالم لتقتني المسيح ختنًا مقدِّسًا الكيان ومفيضًا المراحم. فلنعِ ونضع نُصب أعيننا أنّ الرّبّ يحبّ النّفوس التّوّابة إليه ويفيض سلامه على الدّنيا بأسرها. فلنضع في قلبنا أنّ القيامة أوّلًا وأخيرًا قيامة النّفس في المحبّة لله وللآخر. وما الظّرف الحاضر إلّا مناسبةٌ نعبّر فيه عن حبّنا لختن النّفس وعن حبّنا لخليقته إذ نصلّي كلٌ من حيثُ هو إلى الله أبي الرأفات وربّ كلّ تعزية أن يرسل سلامه ويزيح ثقل الحجر لتلتمع النّفوس بنور القيامة.
نصلّي اليوم من أجل كلّ الموجوعين والمتألّمين والجائعين والقلقين على مصيرهم سائلين المسيح المنتصر أن يقيمهم من ضيقاتهم. نصلّي أيضًا من أجل الذين قضوا بالوباء المستجد وقد رحلوا عنّا، ومن أجل المصابين به سائلين لهم الشّفاء، ومن أجل الذين يسهرون من أجل شفائهم، ومن أجل الذين يعملون نهارًا وليلًا من أجل مكافحته كي يحوطهم القدير بعنايته وتدبيره. نصلّي من أجل السّلام في الشّرق وفي العالم أجمع ومن أجل عودة المخطوفين كلّ المخطوفين ومنهم أخوانا مطرانا حلب يوحنّا إبراهيم وبولس يازجي اللذان خطفا في مثل هذه الأيّام منذ سبعة أعوام. ونلفت ومن جديد أنّ ما يحزّ في قلوبنا وما يزيد مرارة الخطف هو التّعامي العالميّ والدّوليّ عن قضيّتهما التي تمثّل نذرًا يسيرًا ممّا تعرّض له إنسان هذا الشّرق من تهجير وقتل وإرهاب وخطف.
من كنيسة أنطاكية خرجت بشارة الإنجيل إلى الدّنيا قبل ألفي عام. وكنيسةُ أنطاكية هي التي أوصلت نور الإنجيل إلى الدّنيا. وأجدادنا كانوا أوّلًا وأخيرًا رسل محبّةٍ وإيمان. كانوا رسل قيامةٍ ورسل فرحٍ سكبوا في حياتهم وفي من التقوهم فرح إنجيل القيامة ورجاء القيامة ونصرها في كلّ آن وأينما كان ورغم كلّ ظرفٍ ومحنة. وكل ذلك مع الحفاظ على أطيب علاقة بالآخر. لم يذوبوا قلةً في كثرةٍ ولم يتقوقعوا حاصرين أنظارهم في ماضٍ مجّدوه ولا في حاضرٍ غبّطوه ولم يَثْملوا لحمايةٍ نالوها من هنا ومن هناك. لا بل إنّ قوّتهم كانت من قوّة الإيمان بالمسيح ورجاءَهم نسجوهُ من وحدة شهادتهم له ومن التحامهم به ومن إخلاصهم له على مرّ العصور. رجاؤنا أن نبقى دومًا يدًا واحدةً وقلبًا واحدًا رغم ما يطالنا من مِحَن.
صلاتنا اليوم إلى سيّد الحياة، ربّنا يسوع المسيح أن يضمّ بمراحمه السّماويّة نفوس من سبقونا على رجاء القيامة والحياة الأبديّة. صلاتنا إلى المسيح المصلوب، إلى سيّد الرّجاء وربّ القيامة، صلاتنا إلى ختن النّفس وعين المراحم أن يندي بعزائه الإلهيّ قلوبنا وقلوب البشريّة جمعاء التي تتلمس فجر القيامة من كلّ محنة.
بسلام الفصح نتوجّه إليكم يا أبناءنا في الوطن وفي كلّ بلاد الانتشار سائلين المسيح له المجد أن يكلّل حياتكم برجاء القيامة ويشرق في شتاء الزّمن ربيعَ خلاصه أيّامًا مكتنزة بالفرح السّماويّ والتّعزية الإلهيّة لنرنّم بفمٍ واحد وقلب واحد:

"المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور""