لبنان
07 آب 2016, 09:40

البطريرك لحام من القاع: اننا أسرة قاعيّة واحدة، وأسرة بقاعيّة واحدة، وكنيسة مقدسة واحدة

لكُم جميعاً أيّها الأخوة والأخوات تحيّة روحيّة يوجّهها إلينا السيّد المسيح القائم من بين الأموات قائلاً: السلام لكم، سلامي أعطيكم.

 


أيّها الأحباء،
أحيّي اليوم بنوع خاص إخوةً وأبناءً هم غائبون جسدياً عن القاع وعن هذه الصّلاة، ولكنّهم حاضرون معنا روحياً. لا بل حضورنا اليوم معاً هو بسبب غيابهم الجسدي. حضورنا اليوم بسبب شهادتهم المقدّسة. أجل إنّهم معنا: ماجد ديب وهبة، بولس عبدالله الأحمر، جوزف مطانوس ليوس، جورج الياس قارس وفيصل بديع عاد.

 إنهم معنا أكثر من الماضي. إنّهم رمز القاع في تاريخ القاع. ورمز من رموز لبنان.

وأحيّي إخوتي الجرحى والمتألّمين والّذين لا يزالون في المستشفيات والّذين أصابتهم إعاقة بسبب التّفجيرات الإجراميّة... منهم من هم معنا الآن، ومنهم في العلاج. 
لهم جميعاً تحيّتي ومحبّتي ومحبّتنا جميعاً: مطارنة، كهنة، رهبان، راهبات، وزراء، نواب، ممثلو دولتنا... لاسيّما الجيش الّذي هو عمدة لبنان وحاميه والواقف على أسواره وحدوده، لأجل أمنه واستقراره والحفاظ على حريته واستقلاله. 
في مطلع الدّعوة لهذا اليوم آية مقدّسة: "ليس من حبّ أعظم من هذا، من أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبّائه" 
إنّنا معاً لكي نصلّي لأجل أرواح شهدائنا الخمسة، ونؤاسي الجرحى والمحزونين على فقدان أحبائهم، ولكي نؤكّد تضامننا معاً، لأننا: 
أسرة قاعيّة واحدة، وأسرة بقاعيّة واحدة، وكنيسة مقدسة واحدة.
 

إنّ ما حدث في القاع صبيحة يوم السابع والعشرين من حزيران الماضي 2016 هزَّ مشاعرنا جميعاً. وشعرنا أننا كلنا أبناء القاع، والسلطات اللّبنانيّة على اختلاف درجاتها ومقاماتها تسابقت لتعبِّر عن تضامنها مع مأساة أبناء هذه البلدة الحبيبة. 
فأشكركم جميعاً أنتم الذين تمثّلون لبنان بسلطاته المختلفة باسم كنيسة الروم الكاثوليك والشّهداء والجرحى كلهم من أبنائها، وباسم أبناء وبنات القاع وباسم لبنان، لأنّ مأساة ومجزرة القاع أظهرت عمق محبّة اللّبنانيين ولهفتهم وصدق مشاعرهم. 


أيها الأحباء، 
إنّ ما حدث في القاع وما حدث ويحدث في عواصم ومدن العالم، وما يحدث وحدث في سورية والعراق، وسواهما من البلدان العربيّة، وما حدث ويحدث في فلسطين على مدى 68 عاماً... يعبِّر عنه بولس الرسول قائلاً: "إنّ سرّ الإثم يعمل في العالم". 
إنّ هذه الجرائم التي تغمر البشريّة كسيلن عامر  سببها الخطيئة، سببها البعاد عن الله الذي خلق الإنسان على صورته ومثاله. ونسي وتناسى الإنسان أن أخاه الإنسان هو صورة الله تعالى. 
الإنسان كل يوم يعيد مجزرة التّاريخ الأولى: قابين يقتل أخاه هابيل أو يتنصل من جريمته قائلاً: هل أنا حارس لأخي. 
أجل، إنّ سرّ الإثم ،سرّ الخطيئة، البعَاد عن الله، غياب الله عن العالم، تدنِّي قيم الإيمان ، هي في أصل هذا التّسونامي من الإجرام والعنف والإرهاب. 
وهذا ما قاله بولس الرسول: "يا أخوة تشدّدوا في الرّب وفي قدرة قوّته، البسوا سلاح الله الكامل، لتستطيعوا مقاومة مكايد ابليس، فانّ مصارعتنا ليست ضدّ دم ولحم، بل ضدّ الرئاسات، ضدّ السلطات، ضدّ سائدي العالم، عالم ظلمة هذا الدهر، ضد قوى الشرّ الروحية في السماويات".(افسس6) 
أمام هذا كلّه،  ومن القاع، وفي يوم القاع يجب أن نطلق نداء: 
إنّه نداء القاع لأجل تضامن عالمي. 
فقط وحده التّضامن العالمي والتّوافق العلمي، هو الكفيل بأن يحقّق النّصر على هذا التّنين رأس الشرّ الصاعد من البحر، ومن ظلمات الشرّ والفساد، الذي يتكلم عنه القديس يوحنا الحبيب في سفر الرؤيا. 
إنّ خطر ووباء الإرهاب والعنف يشمل العالم بأسره. ولهذا لا بد من وقفة عالميّة شاملة لدهره وإنقاذ العالم من ويلاته. وكما قال البابا فرنسيس: إنّها مكاذبة فاضحة أن نتكلم عن السّلام والحلّ السّلمي، ونحن نغذِّي الإرهاب بالسلاح. أجل إنّها مكاذبة كبرى أن تتحارب الدّول الكبرى لأجل مصالحها، على أرضنا وفي مشرقنا مهد الديانات والحضارات. 
ولهذا نطلق في القاع هذا النّداء الرّوحي الوجداني، داعين إلى  حلف روحي إيماني إنساني عامي شامل لأجل مستقبل أجيالنا، ولأجل مستقبل إيماننا وقيمنا الإنسانية المقدسة.
هذه الوقفة الإيمانيّة الرّوحيّة، والإنسانيّة العالميّة، هي الكفيلة بأن تؤمّن السّلام الذي تتوق إليها الشعوب بأسرها، ولاسيّما شعوب شرقنا الحبيب. 
ونحب أن نؤكّد لأبنائنا في القاع أنّ الكنيسة إلى جانبكم معنويّاً وروحيّاً... سيادة أخينا  المطران الياس رحال راعيكم راعيقن الموقر وأخي وابني الحبيب الغيور الأب اليان نصرالله . وأنا سأبقى إلى جانبكم لكي أدعم صمودكم وأقول لكم: إنّني أحبّكم. والمحبّة لا تسقط أبداً. 
لقاؤنا اليوم للصّلاة أختصره في الطّلبات الأولى من ليترجيا القدّاس الإلهي: 
بسلامٍ إلى الرب نطلب. 
لأجل السّلام العلوي وخلاص نفوسنا إلى الرب نطلب. 
لأجل سلام العالم أجمع، وثبات كنائس الله المقدّسة، واتّحاد الجميع إلى الربّ نطلب. 
لأجل هذه القيم نجتمع اليوم ونرفع الصّلوات لأجل تحقيقها في حياتنا.