البطريرك عبسي احتفل بصلاة الباركليسي في كاتدرائية سيدة النجاة
نحن في المجلس الاعلى سننتقل الى كل المناطق اللبنانية، اجتماعنا الاول كان اليوم من زحلة، وهدف الانتقال هو التطلع الى مطالب البلديات واهالي المنطقة، انطلاقتنا الاولى كانت من زحلة لانها عاصمة الكثلكة، تليها محطتنا الثانية في شهر ايلول في راس بعلبك وبعدها سيكون لنا جولة على جميع الابرشيات، والاجتماعات ستعقد في المطرانيات، وانتهز هذه المناسبة لاحيي سيادة المطران عصام يوحنا درويش واتقدم اليه بالمعايدة بمناسبة عيد سيدة النجاة واتمنى له التوفيق بمناسبة الذكرى السنوية السابعة لتوليه هذه الاسقفية، واشكر جميع من شارك معنا اليوم، واكرر الدعوة التي اطلقتها منذ ان توليت مهامي كرئيس المجلس الاعلى لطائفة الروم الملكيين الكاثوليك، بجمع شمل الطائفة، وان نفتح صفحة جديدة وان ننسى خلافاتنا الضيقة، كي يكون عيد سيدة الانتقال انطلاقة لنا جميعا، ولتوحيد صفوفنا امام التحديات الكبيرة التي يتعرض لها لبنان. نتوجه من المجلس الاعلى بالتحيات الى قيادات لبنان، وعلى رأسهم فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ونتمنى له التوفيق في القيادة الحكيمة لهذا البلد."
درويش
المطران عصام يوحنا درويش القى كلمة عرض فيها تاريخ الأبرشية ودور الروم الملكيين الكاثوليك في بناء السلام، وقال:
" مرة جديدة يسرنا جدا أن نرحب بغبطة السيد البطريرك جوزف العبسي الكلي الطوبى، و يشرفنا أيضا أن نستقبل جميع أعضاء المجلس الكاثوليكي الأعلى من المناطق اللبنانية كافة، وبخاصة نائب رئيس المجلس معالي الوزير ميشال فرعون والأمين العام للمجلس سعادة المدير العام لويس لحود الذي أشرف على تحضير هذا اللقاء، ونحن نشكره على تفانيه ومحبته وحسن حكمته في إدارة شؤون المجلس الأعلى.
أيها الأحباء
تجتمعون ولأول مرة تحت حماية سيدة النجاة شفيعة الأبرشية، ربما البعض لا يعرف بأن هذه الأبرشية هي من أقدم أبرشياتنا الملكية فقد تأسست في القرن الخامس بعدما انفصلت عن أبرشية بعلبك. ومع القديس بردانوس الأسقف الأول على الأبرشية استمر تواصل الأساقفة فيها حتى عام 1724 حيث تولى عليها المطران المخلصي أفتيموس فاضل، تلميذ المطران أفتيموس الصيفي.
لمطارنة الأبرشية دور وطني بارز، وتاريخُها يشهدُ على العديد من المواقف التاريخية، فقد جاهدوا وصمدوا مع رعاياهم وتحملوا معهم كل أنواع الاضطهادات. أذكر منهم اليوم المطران كيرلس مغبغب الذي أصبح فيما بعد بطريركا للطائفة، فكان عرابَ دولة لبنان الكبير، فاوض الفرنسيين عام 1919 في فرساي على استقلال لبنان وضم زحلة والبقاع إلى لبنان الكبير.
وقد صدر كتابٌ للمؤرخ الدكتور وسام كبكب بهذا الخصوص سيُصار الى توقيعه يوم الجمعة في 24 من هذا الشهر، كما سننشر في بداية مئوية البطريرك مغبغب في مطلع السنة القادمة رسائله الى السلطات الفرنسية باللغتين العربية والفرنسية.
بعد مئة سنة من نضال هذا البطريرك أين نحن اليوم وأيننا من تحقيق هويتنا الملكية؟"
واضاف " إن هويتَنا واضحة جدا!
نحن أغنياء بتراثنا الليترجي ولاهوتنا الشرقي ولنا إرث روحي كبير مكننا من الحفاظ على مشرقيتنا وعلى شراكتنا مع الكنيسة الأم.
نحن أغنياء بانفتاحنا وكنا السباقين في الحركة الوحدوية في أواخر القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر ومازالنا نجاهد ونقدم المبادرة تلو الأخرى من أجل وحدة الكنيسة.
نحن أغنياء بعملنا الإنساني والاجتماعي، وكنيستنا كانت السباقة في تقاسم خيراتها مع الفقراء والمحتاجين، وضعتْ كل امكانياتها لخدمة الإنسان. وكنا دوما منفتحين على العالم وهمومه ودعاةً للمساهمة في حل المشاكل
نحن أغنياء بانفتاحنا على العالم الإسلامي ولنا تاريخ طويل في الحوار، فالانفتاح صارَ جزءا منا ورغم شركتنا مع الغرب بقينا موالين للحكم العربي. نحن نؤمن بأن المسيحية والإسلام هما قيمتان أساسيتان في عالمنا العربي وهما مدعوتان إلى العمل من أجل الإنسان.
يجب أن تبقى كنيستُنا خلية حية من خلايا الكنائس المشرقية تُعمقُ جذورَها وتراثَها وثقافتَها ورسالتَها، والمهم أن نتمتع بالشجاعة لنكون ملكيين، أي أن نكون أنفسنا، ففي تميزنا والمحافظة على هويتنا، يمكننا أن نساهم بفعالية في تطوير مجتمعنا الكبير. ومن خلال كوننا ما نحن عليه نحتفظ فقط بوجودنا وكياننا.
إن طائفتنا الملكية تحتاج اليوم إلى تعبئة الإنتلجنسيا وتفعيلِها، وإلى إحياء الثقة في المستقبل، وتضافرِ الجهود وإنماءِ التعاون بين أبناء الطائفة للمحافظة على موقعٍ ريادي على الصعيد الوطني والكنسي والاجتماعي. كما يتعينُ عليها ان تضعَ امامَها العملَ على القيم التالية:
أولا: المساهمة في تقريب وجهات النظر بين مختلف التيارات السياسية.
ثانيا: ان تتجند لخدمة الأخ الضعيف.
ثالثا: أن نعمل معا إكليروسا وعلمانيين على التغيير في الصورة الذهنية للكنيسة فتبقى قريبة من أبنائها تستمعُ إلى مشاكلهم وتسعى إلى توفير الحلول لهم عبر ما تملكُ من قدرات. وأن تعيدَ النظرَ بإدارة الأوقاف واستثمار الأراضي كي تتقاسم خيرات الأرض مع الناس، وأن تهتمَ بالسكن ليتجذر الشباب في أرضهم.
إن طائفتنا المغبونة حاليا في وظائف الدولة والمصابة في معنوياتها، إذا استغلت قدراتِ ابنائِها، تعودُ إلى دورها المؤسس في الكيان اللبناني."
وتابع " الدعوة إلى التلاقي والوفاق في مرافق الحياة كافة هي طريقُنا لكي تبقى زحلة عاصمة الكثلكة وعاصمة البقاع وقلبَهُ النابضَ بالحياة. وهنا أتكلم كرئيس للكنيسة الملكية الكاثوليكية في هذه الأبرشية، لنا تاريخ عريق في هذه المدينة وهذا البقاع، واساقفةُ المدينة كانوا عبر التاريخ مرجعا في الملمات وقادة في معارك الوجود، فلا يجوزُ أن يتراجعَ هذا الدور ويأفُلَ نجمُه.
اليوم نقف إلى جانب غبطة بطريركنا يوسف العبسي ومعكم أنتم أعضاء المجلس الأعلى في مطالبة دولتنا اللبنانية بإنصاف طائفتنا الوفية للوطن وذاتِ التاريخٍ الناصع في العيش المشترك، وإعطائِها ما تستحقُ وما يحفظُ كرامةَ أبنائها سواءَ في الوزارات أو الإدارات أو المرافق العامة. نأمل أن تُبصر الوزارة النورَ قريبا لتستقيم أمور الناس وتنتظم الحياة العامة."
البطريرك عبسي
البطريرك يوسف العبسي القى كلمة شكر فيها المطران درويش على حفاوة الإستقبال، وقال:" أشكر سيادة الأخ المطران عصام يوحنا راعي الأبرشية الجزيل الإحترام على الكلمة الترحيبية الكنسية التي أورد فيها ومضات من تاريخ وواقع وتطلعات كنيستنا، وأضم صوتي الى صوته. أشكره على استضافة المجلس الأعلى لكنيستنا في لبنان وعلى دعوته لنا للإشتراك في هذه الصلاة وفي العشاء الرعوي السنوي الذين يجمعان أبناء ابرشيته من حوله في عيد السيدة العذراء شفيعتهم. أشكر سيادته على السنوات السبع السمان التي بذلها في خدمة الأبرشية على مختلف الأصعدة منذ ان تسلّم زمامها في عيد شفيعتها في مثل هذه الأيام."
واضاف " ان التئام المجلس الأعلى لكنيستنا في زحلة اليوم هو البدء بالسير في طريق رسمناه للإجتماع في المناطق اللبنانية المختلفة لكي نعبّر عن قربنا من ابنائنا كلهم حيثما كانوا، وعن عنايتنا بهم وعن حملنا لهمومهم وشجونهم وعن مشاركتنا في تطلعاتهم ومتطلباتهم بحيث نكون في لبنان كله ويكون لبنان كله في قلوبنا. وقد أردنا ان تكون البداية هنا من زحلة لما تعنيه هذه المدينة لنا نحن الروم الملكيين الكاثوليك، ولما لها في وجداننا وفي تاريخنا من حضور سواء على مستوى كنيستنا أم على مستوى لبنان وما ابعد من لبنان حتى بلاد الإنتشار. وكيف لا ولزحلة في المجلس الأعلى منذ نشأته الى اليوم نصيب كبير من الأعضاء الذين لحضورهم ومشاركتهم اثر كبير وفعال، واسمحوا لي ان اذكر في هذه الصلاة أمين السر الحالي السيد المدير العام لويس لحود، واذكر ايضا ًالذين انتقلوا الى الأخدار السماوية ولا سيما المرحوم السيد الياس سكاف الذي تولّى نيابة الرئاسة سنوات وسنوات وكان عطاؤه وعمله مميزين، وكذلك المرحومين فؤاد الترك ونقولا الخوري."
وتابع " نحن اليوم في زحلة عاصمة الكثلكة. والعاصمة هي المدينة التي تلتف حولهاوتتعلق بها سائر المدن وتجعل منها رمز وحدتها. نحن اليوم كما في كل يوم عيوننا تتطلع الى زحلة عاصمة الكثلكة وقلوبنا تحن اليها، رائين فيها المدينة التي تجمع وتحتضن جميع ابنائها، المدينة النموذج التي بموقعها الجغرافي والتاريخي والحضاري تعطي صورة عن كنيستنا التي هي فوق كل حدود، ايدويوليجية كانت هذه الحدود أم اثنية أم جغرافية، بل صورة جميلة عن الكنيسة الجامعة التي رآها يوحنا الرسول امام العرش الإلهي والحمل مجتمعة. " من كل امّة وكل قبيلة وكل شعب وكل لسان " ( رؤ 9:7 ). ذلك بأننا نعتقد بأن الذي يضع حدوداً او يرفع اسواراً لنفسه يأتي يوم لا مناصة يرى فيه أن هذه الحدود ما عادت تسعه وهذه الأسوار ما عادت تحميه وأن خطر التآكل والتلاشي صار على الأبواب. وما نقوله عن الداخل نقوله بالحري عن الخارج. نحن كنيسة مشرقية في اطار كنائس شقيقة يُغني تنوعها الجميع ويُظهر جمال الكنيسة الجامعة الواحدة في ابنائها المتنوعين. ونحن مسيحيون مشرقيون الى جانب اخوتنا المسلمين، شركاء متساوون بالمواطنة، متحابون ومتآزرون في الوطن الواحد الذي ننعم كلنا بالعيش فيه معاً."
وتابع غبطته " عما قريب، في الخامس عشر من هذا الشهر، تحتفل الكنيسة الجامعة بعيد انتقال السيدة العذراء الى السماء بالنفس والجسد. وقد جعلت كنيستنا لذلك من شهر آب شهراً للعذراء تتهيأ فيه لإستقبال العيد بصلاة ابتهالية تشفعية اسمها الباركليسي، اي التضرع، نحتفل بها في الأيام السابقة للعيد كما نحن فاعلون الآن.
تتكلم صلوات العيد كثيراً عن الحياة. يقول نشيد العيد على الأخص مخاطباً السيدة العذراء " انك انتقلت الى الحياة بما انك ام الحياة" ويضيف القنداق قائلاً " بما انها ام الحياة نقلها الى الحياة". الحياة عطية من الله. الحياة ليست ملكاً للإنسان بل هي ملك لله ولا يحق للإنسان بالتالي ان يتصرف بها كما يشاء، لا بل عليه ان يحترمها ويحافظ عليها كما تقبلها من الله. وكل طريقة يستعملها الإنسان لوضع حد للحياة ايّاً تكن حالة الذي يحمل هذه الحياة ( أكان ضعيفاً ام معتوهاً أم مشوهاً ام معوقاً ) وفي اي مرحلة كانت هذه الحياة ( منذ بدء الحمل الى اكتماله الى ما بعد الحمل ) هي عمل قتل.
ولكن قتل الحياة ليس فقط ان نضع لها حداً، بل كل عمل يشوه هذه الحياة هو عمل قتل : الفقر والحرمان من الغذاء والدواء واللباس والطبابة والسكن.... والإستغلال والتشريد والقهر والذل... كل هذه هي انواع من القتل لأن الحياة لا تكون حياة الا اذا كانت تامة كاملة من جميع جوانبها وبجميع عناصرها، تطبعها الكرامة والحرية والسعادة.
هذا النوع من الحياة في نظرنا نحن المسيحيين، يحصل بمصادقة السيد المسيح، بالمحافظة على السيد المسيح، لأنه هو الحياة كما قال عن نفسه " انا الطريق والحق والحياة ". هكذا كانت السيدة العذراء فحافظت على يسوع، حافظت على الحياة. ورسالتنا بالتالي هي ان نشهد بأن يسوع الحياة هو الذي يعطي معنى لحياتنا، يعطي نكهة لحياتنا، بل هو نفسه معنى حياتنا ونكهتها. علينا ان نشهد بأن الحياة من دون يسوع هي ليست حياة حقيقية بل هي ظلّ او شبه حياة، هي حياة تقود الى الموت ." ان الحياة الأبدية هي ان يعرفوك " قال يسوع مخاطباً اباه. أجل حين نعرف الله تعالى، حين نعرف يسوع، عندئذ تصبح حياتنا حياة."
وختم غبطته بتقديم التهنئة للمطران درويش فقال " استنح الفرصة لأهنئ سيادة ألأخ المطران عصام يوحنا ولأهنئكم جميعاً بالعيد، ولأهنئ بنوع خاص الذين يحملون اسم السيدة العذراء مريم . ولا يسعني والعيد آتٍ لأول مرة بعد وفاة اخينا المثلث الرحمة المطران اندريه حداد الا ان اذكره بالصلاة مع سائر الأساقفة الذين تعاقبوا على رعاية هذه الأبرشية. أراحهم الله جميعاً في اخداره السماوية."
وبعد الصلاة انتقل غبطته والحضور الى قاعة المطران اندره حداد حيث استقبل المهنئين وفي طليعتهم النائبين عاصم عراجي وانور جمعة.