العراق
22 تموز 2019, 09:29

البطريرك ساكو يكتب عن "الزّواج المسيحيّ"

في موضوع السّبت، أضاء بطريرك بابل للكلدان مار لويس روفائيل ساكو على سرّ الزّواج، فكتب بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ، موضوعه تحت "الزّواج المسيحيّ: إيمان وسرٌ مقدس وعائلة "يا ربّ بالمجد والكرامة كلّلهما"، وجاء فيه:

 

"الإنسان خُلِقَ ليُحِبّ، ويُحَبّ، ويعيش سعيدًا بالحرّيّة الّتي منحه إيّاها الله، بكونها أساس كرامته. والحبّ مصدر الحياة، وبه ننمو ونكبر. والزّواج حقٌّ طبيعيٌّ رائع وخلّاق، إنّه  "سُنَّة الحياة". والإعتكاف عنه أمرٌ يفوق الطّبيعة، وله قيمة عظيمة نظرًا للهدف الّذي من أجله يضحّي الشّخص به، كما الحال عند المكرّسين. الإنسان (آدم) كان ينقصه شئ أساسيّ ليغدوَ إنسانًا كاملاً وسعيدًا، فَخَلَقَ اللهُ المرأة من أحد أضلاعه، أيّ من الجزء الأقرب إلى قلبه. وهنا اكتملت سعادة آدم فقفز من شدّة الفرح، يصيح: "هذا لحمٌ من لحمي، وعظمٌ من عظامي" (تكوين 2: 23).

الزّواج: حقيقة إنسانيّة واجتماعيّة ولاهوتيّة. تكوين الرّجل والمرأة، وفروقُهما تكاملٌ عجيب، يكمن في صفاتهما الجسديّة والنّفسيّة، والفكريّة والرّوحيّة، ويوطّد العلاقة بينهما. عُدَّ الزّواج في البدايات عقدًا اجتماعيًّا طبيعيًّا ووسيلة لاستمرار البشريّة، وفي نطاق خاصّ، وسيلة لاستمرار العشيرة وتقويتها بأفراد جدد، ومن هنا جاء تعدّد الزّوجات لإنجاب أكبر عدد من الأطفال، للعمل والدّفاع عن القبيلة، لكن هذا يتعارض مع التّصميم الإلهيّ: "فمُنذُ بَدْءِ الخَليقَة جعَلَهما اللهُ ذَكَرًً وأُنْثى. ويَصيرُ الاثنانِ جسَدًا واحدًا. فما جَمَعَه الله فَلا يُفَرِّقَنَّه الإِنسان" (مرقس 10: 6-9). كما يتعارض مع الكثير من الأعراف والقوانين المدنيّة النّافذة في العالم. واعتبرته الكنيسة أحد الأسرار السّبعة المقدّسة.

يخضع المكرَّسون في الكهنوت والرّهبانيّة لتنشئة طويلة تمتدّ إلى أربع أو خمس سنوات، بينما المُقدِمون على الزّواج، يكتفون بحضور بعض المحاضرات في فترة الخطوبة، لا تكفي لمساعدتهم على النّضوج الإنسانيّ والعائليّ والنّفسيّ والرّوحيّ. أعتقد جازمًا أنّهم يحتاجون إلى فترة أطول للإعداد والتّنشئة من جميع الجوانب، ليؤسِّسوا عشًّا دافئًا، يكون لهم مصدرًا للثّقة والاحترام، ولاستمراريّة الحياة بتناغم. بعد كلّ الّذي ذكرته، لا بدّ من القول إنّه، وبسبب التّحوّلات الثّقافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، سرعان ما يلجأ بعض المسيحيّين بسهولة إلى المحاكم الكنسيّة طلبًا للبطلان، فيصير بمثابة طلاق مغلَّف. بصراحة في مجتمعنا الحاليّ تنكَّرَ الكثيرون للـ"حشمة"، فالإنترنت يبيح كلّ شيء. وبصدد الطّلاق، لا بدّ من الإشارة هنا إلى مثال القدّيسة ريتا الّتي عرَفَتْ زوجًا صعبًا، شرسًا وعنيفًا، لكنّها حاولتْ أن تتكيّف مع وضعها بصبرٍ وصلاةٍ وصمود، حفاظًا على عائلتها– أولادها. لذا، فالزّوجان مدعوَّان إلى الإصغاء، الواحد للآخر، لتعميق حبّهما. والإصغاء فنٌ يحتاج الى جهد، خصوصًا لأنّهما قطعا عهدًا شخصيًّا وحرًّا،عندما قال الواحد للآخر في الكنيسة: "نعم أريد". هذا الحبّ يُقصَد به للأبد، ولكي يكبر خطوة خطوة يتطلّب امحّاء الواحد في الآخر وعيش الاهتداء الإنجيليّ المستديم.

الزّواج دعوة حبّ، لتكوين عائلة تشارك الله في الخلق، في منح الحياة بكلّ جوانبها. فالزّوجان مدعوَّان إلى أن يكونا أبًا وأمًّا، وأن يُربيّا أولادهما تربية سليمة، مسؤولة وحرّة. العائلة هي الخليّة الأساسيّة للكنيسة وللمجتمع، والمكان الّذي نتعلّم فيه أن نعيش مع بعضنا البعض، ونستلم الإيمان ونختبره ونعمِّقه، ونعيشُ الاقتسام في الفَقرِ والغِنى والصّحّة والمرض. العائلة هي بداية الانطلاقة نحو مسيرة اللّقاء المسيحيّ، كونها مدرَسة صغيرة وكنيسة بيتيّة. لقد عاش والديَّ حياتهما ببساطة كمؤمنَين مُخلِصيَن، وزوجيَن محبّين وفرحين. وأمام كلّ مشكلة وصعوبة وألم، كنّا نحن الأولاد نشعر أنّ إيمانَهما وحبَّهما أقوى من أيّ شيء آخر. كان ردّ فعلهما: "أنّ زواجنا أكثر أهمّيّة من أيّة مشكلة تواجهنا". وهكذا تغلّبا على صعوبة الحياة بإيمان وأمانة، وصلاة وصبر. بلا حُبّ، لا توجد عائلة ولا كنيسة.

شروط الزّواج المسيحيّ الصّحيح: أن يكون الخطيب والخطيبة شخصين بالغيَن وواعييَن، وقد أنهيا السّنة 18 من العمر. وأن يكونا مؤمنيَن، وبعيديَن عن القرابة الدّمويّة المباشرة، ويُقبِلان إلى الزّواج برضى تامّ: "من دونِ جبرٍ ولا إكراه وبالرّضى العلنيّ" كما جاء في صيغة طلب الرّضى، أثناء الرّتبة. في المسيحيّة، كما في مجتمعات عالميّة مدنيّة ودينيّة عديدة، لا يوجد تعدّد الزّوجات والأزواج لأنّ الصّفة الأولى للزّواج هي وحدته: زوج واحد وزوجة واحدة. وهذا يتماشى مع الشّريعة الطّبيعيّة وتصميم الخالق. أمّا البُطلان فهو إعلان المحكمة الكنسيّة بعدم صحّته لفقدان أحد شروطه الأساسيّة: عدم المعرفة ببعضهما، فقدان الرّضى، الإكراه الجسديّ والنّفسيّ، عدم اكتماله، وجود عيب جسديّ لم يعلن عنه مسبقًا، وموانع مُبطِلة كالقرابة الدّمويّة، الدّرجة الكهنوتيّة أو النّذر الرّهبانيّ. وبصراحة  للبطلان في بعض الأحوال تسمية أخرى للطلاق.

ألهِب يا ربّ العروسين بنار حبّك، يا ليتهما يستيقظان كلّ صباح من حياتهما وقد إزدادا حُبًّا وفَرحًا.

(صلاة من رتبة التّكليل في الطّقس الكلدانيّ الجديد)".