العراق
04 تشرين الأول 2022, 11:50

البطريرك ساكو يشرح التّكريس البتوليّ للعلمانيّات والعلمانيّين، فماذا يقول؟

تيلي لوميار/ نورسات
تلبية لطلب الشّمّاسة منتهى أبشارة من كاليفورنيا، تناول بطريرك الكلدان مار لويس روفائيل ساكو موضوع العلمانيّين المكرّسين، شارحًا دورهم وضرورة وجودهم اليوم في الكنيسة الكلدانيّة.

وفي هذا الخصوص، كتب ساكو بحسب ما نشر إعلام البطريركيّة:

"الحبُّ الأعظم

التّكريس نعمة من الله (دعوة). يضع المكرّس نفسه تحت تصرّف المسيح بالكامل، ومن دون تجزئة، عن  حبّ وقناعة.  ويصبح رهن إشارته على نموذج التّكريس البتوليّ لمريم العذراء. إنّهم بركة وغنى للكنيسة والمجتمع.

يخصّص المكرّس نشاطه في التّبشير، والتّعليم والعبادة والرّعاية والخدمة والمرافقة بفرح .

يتطلّب التّكريس ثباتًا وأمانة في تفاصيل الحياة اليوميّة وصعوباتها، ليعيش سلامًا ينعكس على وجهه.

يوجد اليوم مكرّسون من كلا الجنسين في الكنيسة الكاثوليكيّة خارج الرّهبانيّات، يعيشون في بيوت صغيرة خاصّة، أو في عائلاتهم ولهم نشاطهم وفق كريزما كلّ جماعة.  

في العراق يوجد فريقان للعذارى المكرّسات الأوّل يتبع كاتدرائيّة اللّاتين ببغداد، والثّاني الآباء الكرمليّين في دهوك.

التّاريخ

نجد نمطًا من التّكريس غير الرّهبانيّ في جماعة العهد– القيامة ܒܢܝ̈ ܩܝܡܐ الّتي يتكلّم عنها أفراهاط الحكيم (270- 345) في المقالة السّادسة. في اعتقادي إنّه أحد أعضائها البارزين إذ يقول: "هذه الأمور الّتي أكتبها لكم، هي لي أيضًا، لتنبيه كلينا" (6/19). كنيستنا متأثّرة بالتّقليد الأورشليميّ. هذه الجماعة كانت موجودة أيّام المسيح والرّسل وكانوا يسمّون أبناء العهد وبالعبريّة "Beni berith" .

هذه الجماعة مؤلّفة من مؤمنين معمّدين، من كلا الجنسين لم يكن لهم دير ولا حصن، إذ لم تكن الرّهبنة بمفهومها القانونيّ الحصريّ قد دخلت بعدُ إلى مناطقنا. كانوا يسكنون غالبًا مع ذويهم، أو في جماعات صغيرة متجانسة، أو في الكنيسة الخورنيّة، مكرّسين حياتهم للخدمة وأعمال المحبّة والرّحمة والتّعليم والمرافقة والإرشاد وإعداد اللّيتورجيا وفرق الصّلاة…

كانوا غير متزوّجين لذا يسمّيهم بالوحيدين أيّ العازبين. ويوصي أن تسكن البنات منفصلات عن البنين: "ينبغي أن تسكن السّيّدات مع بعضهنّ والرّجال مع بعضهم أيضًا... أيّها المتوحّدون الأحبّاء هذه نصيحتي إليكم" (6/4). ويعتبر العزوبيّة (البتوليّة) اقتداء بالمسيح.  

أمّا تسميتهم بجماعة العهد فلأنّ كلمة "قياما" تعني العهد أو القسم الّذي أدّاه المؤمن في العماد وتشير أيضًا إلى اليقظة الّتي كانت الجماعة المسيحيّة تتحلّى بها في سهرها لاستقبال الرّبّ. وسمّيت الكنيسة "الأولى بـ"قياما" بدلاً من "عيدتا" أو "كنوشتا" للدّلالة على شعب "العهد الجديد" السّاهر والملتئم حول الرّبّ القائم.

عندما انتشرت الرّهبانيّة في مناطقنا في القرن السّادس بتأثّر رهبان مصر، اندمج فيها أبناء العهد. عاش هؤلاء الرّهبان روحانيّتهم وتكريسهم الكامل في صيغ متعدّدة، وكان لهم تأثير كبير على حياة الكنيسة وتبوّأوا فيها مناصب رفيعة، وطبعوا روحانيّتها وفكرها وليتورجيّتها وقوانينها!

اليوم

أتمنّى أن يتجدّد هذا النّوع من التّكريس بنفس الاسم: بنات العهد، أبناء العهد، لاستعادة الوعي المسيحيّ الأصيل كما اختبرته جماعة "العهد" في اتّباع المسيح. جماعة ملتزمة بالإنجيل وبالخدمة ضمن الكنيسة ومعها. ويبقون دومًا أشخاصًا بسيطين، مصغين، منفتحين وملتزمين بالعهد الّذي قطعوه لله والكنيسة  في تكريسهم ولا زيّ خاصّ بهم. يلبسون صليبًا صغيرًا من الخشب فقط، لكن يتحتّم عليهم اتّباع نظم الكنيسة الكاثوليكيّة الّتي نشرها الكرسيّ الرّسوليّ."

ثمّ شرح ساكو خطوط القوّة للجماعة، وهي:

"1- المحبّة غير المشروطة مثل محبّة يسوع.

2- الأخوّة وروح الخدمة على مثال جماعة العهد في فجر كنيسة المشرق بعيدًا عن إظهار الذّات.

3- نشر ثقافة السّلام والحوار والمصالحة (في مجتمع متعدّد كمجتمعنا).

4- الصّلاة (الشّخصيّة والجماعيّة). فهي مصدر رجاء وفرح وسلام وطمأنينة وأمان.

5- قراءة يوميّة تأمّليّة لكلمة الله ترسّخ الإيمان والمعرفة وتوطّد الرّجاء. قراءة توجّه الحياة بما يتماشى مع  إرادة الله.

6- المشاركة في حياة الكنيسة: حضور ومشاركة كثيفة في نشاطاتها وتشجيع المبادرات الرّوحيّة والرّسوليّة، ممّا يؤكّد على الجماعيّة وعلى التّجدّد الإنسانيّ والرّوحيّ والتّقدّم كي يكونوا قوّة تغيير إيجابيّة في المجتمع.

المعيشة: يمكن ان يعيشوا في بيوت صغيرة، أو في عائلاتهم ويلتقون باستمرار للصّلاة والمقاسمة والاستقبال بطيبة وسخاء فتصبح لقاءاتهم واحة محبّة وعلاقة وسلام وفرح…".

أمّا عن صيغة التّكريس فـ"هذه الصّيغة كنت قد أعددتها لجماعة العهد من شباب وشابّات كركوك عندما كنت مطرانها.

أيّها الرّبّ يسوع/ يا من صلّيت من أجل تلاميذك/ ليكونوا واحدًا مُقَدَسين بالحقّ/ إنّنا نعلن اليوم رسميًّا/ وأمام أسقفنا/ وعدنا بالبقاء في الأمانة على إيماننا المسيحيّ ونقاوته/ وعيشه بجذريّة وحماسة/ كجماعة واحدة/ جماعة العهد المقدّس/ في الشّركة والشّهادة/ والخدمة وإشاعة قيم المحبّة والسّلام/ بكلّ سخاء وتجرّد وفرح.

أيّها الرّبّ يسوع بارك تكريسنا وتعهّدنا/ وأسندنا في تحمّل مسؤوليّاتنا بصدق/ فنعيش خِبرة شراكة حقيقيّة بيننا/ متجاوبين بجرأة مع  نداءاتك النّبويّة المبدعة/ فتغدو خدمتنا قوّة رجاء وفرح وطمأنينة/ لنا وللكنيسة/ ولكلّ من نعمل معهم أو نلتقي بهم/ لك المجد إلى الأبد."