البطريرك ساكو يبحر في أعماق سنة اليوبيل المقدّسة
وفي هذا السّياق، قال ساكو- بحسب إعلام البطريركيّة- منطلقًا من اليوبيل في العهد القديم: "اليوبيل تقليدٌ نجده في العهد القديم، حيثُ كان اليهود يَشتغلون ستِّ سنوات متتالية، ثم يرتاحون في السّابعة، تمامًا كما كانوا يعملون ستّةَ أيّام في الأسبوع، ويرتاحون في اليوم السّابع- السّبت (السّبات)، أيّ الرّاحة. وبعد سبع مرّات لسبع سنوات كانوا يحتفلون بالسّنة الخمسين، سنة اليوبيل، يقول سفر الأحبار: “اَحسُبْ لَكَ سَبعَةَ أَسابيعَ مِنَ السِّنين، أيّ سَبعَ مَرَّاتٍ سَبْعَ سِنين، فتَكونُ لَكَ أَيَّامُ أَسابيعِ السِّنينَ السَّبعةِ تِسعًاً وأَربَعينَ سَنَة. وآنفُخْ في بُوقِ الهُتافِ في اليَومِ العاشِرِ مِنَ الشَّهرِ السَّابع، في يَومِ التَّكْفيرِ تَنفُخونَ في البوقِ في أَرضِكم كُلِّها. وقَدِّسوا سَنةَ الخَمْسين ونادوا بإِعْتاقٍ في الأَرضِ لِجَميعِ أَهْلِها، فتَكونَ لَكم يوبيلًا، فتَرجِعوا كُلُّ واحِدٍ إِلى مِلكِه وتَعودوا كُلُّ واحِدٍ إِلى عَشيرَتِه. سَنَةُ الخَمْسينَ تَكونُ لَكم يُوبيلًا، فلا تَزرَعوا فيها ولا تَحصِدوا خِلفَةَ زَرعِكم ولا تَقطِفوا ثَمَرَ كَرمِكم غَيرِ المَقْضوب. إِنَّها يوبيل، فتَكونُ لَكم مُقَدَّسة” (25/8-12). سنة اليوبيل كانت تشمل أيضًا إعفاء الدّيون (سفر حزقيال 46/ 17). وبحسب إنجيل لوقا طبّق يسوع برنامج سنة اليوبيل على نفسه، وعدّه يوبيلًا دائمًا: "روح الرّبّ عليّ، لأنّه مسحني لأبشِّر المساكين، أرسلني لأشفي منكسري القلوب، وأنادي المسبيّين بالأفراج، وللعميان بالبصر، وبتخلية المأسورين، وأعلن سنة رضا (يوبيل) عند الرّبّ" ( لوقا4/18).
اليوبيل برنامج العهد الجديد الّذي جسّده يسوع، ويتعيّن على الكنيسة والمسيحيّين أن يطبّقوه في واقعهم على مدى الزّمن، ليخفّفوا عن الظّلم والفقر والمرض واحترام حرّيّة النّاس وكرامتهم."
أمّا في الكنيسة فـ"اليوبيل تقليدٌ عريق في الكنيسة الكاثوليكيّة، وذو قيمة روحيّة عالية، مارسته منذ 1300، ليغدوَ زمنًا مقدّسًا للمؤمنين. كلمة يوبيل "Jubileo" تشير إلى الاحتفال بفرح المصالحة والمغفرة الّتي ننالها من الله ومن الآخرين. يهدف اليوبيل إلى تنقية الذّات وإعادة العلاقة مع الله، ومع الآخرين الّذين نعيش معهم. اليوبيل سنة مفتوحة لبناء الذّات، وتنقيتها وإعادة العلاقة السّليمة مع الله، ومع الآخرين الّذين نعيش معهم، ومع الخليقة. عمومًا يحتفل باليوبيل كلّ خمسين سنة، لكن استثناء كلّ 25 سنة أيضًا كاليوبيل الحاليّ."
وواصل ساكو مفصّلًا رمزيّة الباب المقدّس في اليوبيل، إذ "يُعدّ الباب المقدّس رمزًا مهمًّا في اليوبيل، حيث يُمثّل فتحه بداية السّنة المقدّسة، وإغلاقه بنهايتها. في روما تفتح أبواب أربع كنائس خلال اليوبيل: هي البازيليكات الكبرى: القدّيس بطرس، القدّيس يوحنّا اللّاترانيّ، مريم الكبرى (ماريا ماجوري)، والقدّيس بولس خارج الأسوار.
يرمز الباب إلى العبور الرّمزيّ من الخطيئة إلى النّعمة، وهذا مستوحى من قول المسيح: "أَنَا هُوَ الْبَابُ. إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ" (يوحنّا 10: 9).
يترأّس البابا في روما والأساقفة في أبرشيّاتهم هذه الاحتفالات الّتي تتكلّل دائمًا بالاحتفال بالقدّاس.
تُجسّد هذه الاحتفالات وِحدة المؤمنين وتدعوهم إلى اليقظة والتّوبة، والاستفادة من رحمة الله.
شعار الرّجاء لهذا اليوبيل، اختاره البابا فرنسيس لحاجة عالمًا إلى الرّجاء. الرّجاء يحمل لنا العزاء ويدفع كلَّ شيء إلى الأمام، لذلك علينا أن نُبقِيَ شعلته مضاءة في داخلنا، ونحمل نوره في ظلام عالمٍ منقسمٍ وجريح!".
وعن أهداف اليوبيل قال:
"1- عندما ندع صوت الله يكلّم قلوبنا، سنجد بوضوح كلّ ما يريد الله أن يقوله لنا لنجسّده بفرح وننقله برجاء إلى الآخرين. الصّلاة والإصغاء إلى الرّوح القدس يرشدنا في وقت الخطيئة والأزمات والتّعب.
2- التّوبة والمصالحة هي في قلب اليوبيل
اليوبيل فرصة لنبدأ مرحلة جديدة يسمّيها الإنجيل التّوبة، لكي نتخلّص من الماضي المؤلم من تضخيم الذّات، والأنانيّة والفساد وروح الانتقام.
أوّل خطوة نبدأ بها لنوقظ حقيقتنا هي المصالحة والتّغيير عبر فحص الضّمير في مجتمع مشوّش.
المصالحة تكمن في معالجة الخصومة والزّعل وروح الانتقام من خلال الاعتراف الصّريح بالخطأ، والنّدم الدّاخليّ العميق على ما ارتكبناه من خطأ، والشّجاعة في طلب الغفران، والسّعي لتغيير السّلوك لنعيش بسلام ووئام. ومثلما يفتح الله باب الرّحمة والنّعمة والمغفرة لمن يتوبون حقًّا، علينا نحن أيضًا أن نغفر لمن أساء إلينا، ونطلب المعذرة لمن أساء إليهم. هذا ما علَّمهُ يسوع في صلاة الأبناء: "اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا لمن أخطأ إلينا" (متّى 6/ 12).
3- خدمة المحبّة والرّحمة
اليوبيل مناسبة فريدة لمدّ يد العون نحو الآخرين: التّطوّع بسخاء في خدمة الفقراء، والأشخاص المرضى وذوي الإعاقة: تقديم ملابس لا نستعملها، أثاث، مواد غذائيّة، نقود... يقول البابا فرنسيس كلّ عمل من أعمال الرّحمة هو علامة الرّجاء (عظة قدّاس الأحد 17/11/2024 بمناسبة يوم الفقير). ما نعطيه يبقى وما نأكله يزول. هذا التّغيير اليوبيليّ لا يمكن أن يتحقّق من دون ترسيخ ثقتنا بالله وطاعتنا له. قراءة رسالة البابا فرنسيس العامّة "لقد أحبّنا Dilexit nos" تساعدنا على التّأمّل في موضوع اليوبيل والتّحلّي بالرّجاء الّذي يقودنا في "حَجٍّ روحيٍّ داخليّ"، وتقاسم المحبّة."
وبالنّسبة للنّشاطات: "من المؤكّد أنّ البطريركيّة والأبرشيّات في الدّاخل والخارج سوف تنظّم نشاطات متعدّدة منها:
1- تنظيم خدمة روحيّة وليتورجيّة خاصّة باليوبيل: صلوات مشتركة وقداديس خاصّة، وحلقات تأمّل في كلمة الله، ورتب توبة جماعيّة.
2- الحجّ إلى الأماكن المقدّسة، في روما/ إيطاليا، ولورد/ فرنسا، وفاتيما/ البرتغال بحيث يضمن استمراريّة حضور كنيستنا في هذه التّجمّعات الكنسيّة ذات القيمة الرّوحيّة العالية كذلك الحجّ إلى المزارات الكلدانيّة داخل العراق.
هذا وقد شكّلنا في بغداد لجنة لتنظيم الحجّ في داخل العراق وخارجه.
لنضع هذه المسيرة في ظلّ حماية أمّنا مريم لكي ترافقنا في سنة اليوبيل كما رافقت ابنها يسوع.
سنة يوبيل مقدّسة للجميع."