البطريرك ساكو: ضرورة تجديد بعض المصطلحات الدّينيّة
"تؤثّر المصطلحاتُ اللاهوتيّة واللّيتورجيّة، على فهم الأحداث الّتي تحصل في حياتنا إيجابًا أو سلبًا. هكذا الصّلاة، فالصّلاة الواعية النّابعة من القلب تقربِّنا من الله المحبّة وتُعطينا تعزية كبيرة، وتشجّعنا على السّير معه بأمانة الى الأخير، وتُحمّسنا للأخبار عنه.
لا بدّ من التّجديد، فالحياة تغيَّرت. وإنسان اليوم غير إنسان القرون الأولى والوسطى وعصر النّهضة. هناك تغيير عميق في العقليّة والثّقافة. وثمّة جيل جديد يناقش القيم والمعتقدات الدّينيّة والممارسات الطّقسيّة، ولا يقبلها بشكل أعمى، بل يسعى إلى إيمان أكثر وعيًا وعمقًا، وروحانيّة واقعيّة تستقطب حياته ونشاطه، تكون له مصدر إلهام للتّغلّب على التّحدّيات والأزمات المتنوّعة والمتسارعة.
يعود معظم طقوسنا إلى القرون الثّالث- السّابع، وأغلب مصطلحات كتب التّعليم المسيحيّ متأثّرة بصيغ وأفكار فلسفيّة نظريّة، وجدالات لاهوتيّة وعبارات مجرّدة غير مفهومة. هذه العبارات متأتّية من الثّنائيّة الفلسفيّة اليونانيّة وبخاصّة أرسطو، علمًا أنّ الفلسفة ليست واحدة.
الخروج من هذه المفاهيم وإيجاد لاهوت وتفسير متطوّر ضرورة لأزمة، وإلّا كيف نطلب من معاصرينا الالتزام بإيمانهم عندما لا يفهمون مصطلحات التّعبير عنه. صحيح أنّ الكتاب المقدّس يستعمل لغة صوريّة- رمزيّة تعليميّة، لكن هذه اللّغة فيها إرباك للقارئ المعاصر. يمكن التّركيز على ما تهدف إليه هذه النّصوص والبحث عن لغة تنقّل البلاغ بشكل واضح وبعبارات غير ملتبسة.
أشير على سبيل المثال إلى مصطلح خلاص النّفس، وكأنّ الإنسان نفس فقط. لماذا لا نقول "خلاص الإنسان". كذلك نستعمل عبارة "انتقل فلان إلى الأخدار السّماويّة" بدلاً من "انتقل إلى رحمة الله"، وهكذا عبارة "نار جهنّم" الّتي لا تتناسب مع رحمة الله، يمكن القول "المحرومون من الله"؟
إنّ المداريش الّتي نستعملها في الجنّاز تدعو أكثر إلى النّحيب واللّطم منها إلى تعزيز الرّجاء. كذلك غير مقبول اليوم أن يحضر المؤمنون الطّقوس من باب الواجب، وممارسة صلوات متكرّرة من دون أن يفهموها!
الكنيسة الّتي تسير وتعمل ملزَمة راعويًّا أن تُرسي بنية تحتيّة روحيّة وإنسانيّة وثقافيّة واجتماعيّة مناسبة لثقافة مؤمنيها. هذا يفرض عليها أن تبحث عن مصطلحات وأساليب أكثر حيويّة وفعاليّة. مصطلحات تكسب مصداقيّة، انطلاقًا من الإصغاء إلى أسئلة النّاس ومرافقتهم ومساعدتهم، كما فعل اللّاهوتيّون واللّيتورجيّون في القرون الغابرة. كما أشير إلى ضرورة عدم الفصل بين التّعليم المسيحيّ والطّقوس عن الحياة المسيحيّة، بل ينبغي تنمية التّواصل بينهما. والحمد لله لقد قامت الكنيسة الكاثوليكيّة بجهود جبّارة من أجل التّأوين والحداثة.
هناك مفهوم مختلف للإيمان (العقيدة) واللّاهوت. الإيمان هو الأساس، إنّه فعل حبّ يأخذ كلّ كيان المؤمن بمفاهيمه وأبعاده. يراه بعينه المستنيرة (مار أفرام) ويملأ قلبه رجاء وحماسة، بينما اللّاهوت تفسير عقلانيّ للعقيدة. إيماننا يقودنا إلى الرّجاء الّذي هو النّور الّذي نسير ونعمل على هديه. لذلك لا بدّ من اعتماد لاهوت جديد من منظور مليء بالرّجاء، واستبدال الصّيغ القديمة بأخرى جديدة يفهمها النّاس ويعيشون معانيها."