العراق
12 أيلول 2019, 11:15

البطريرك ساكو... سؤال إلى ضمير الحكومة العراقيّة!

 

"يكثر الحديث عن "سهل نينوى"، المنطقة الوحيدة الخاصّة بالمسيحيّين، وعن الصّراع بشأنها، بالتّزامن مع ما يتردّد على مسامعنا أثناء زياراتنا للمسؤولين، من أنّ المسيحيّين مكوّنٌ أصيلٌ في العراق، وأنّهم أهلُ البلد، وساهموا في تأسيس الدّولة العراقيّة.

هذا ما يدعوني إلى القول بأنّ الواجب الإنسانيّ والأخلاقيّ والوطنيّ، يتطلّب من الحكومة العراقيّة صاحبة القرار، وحتّى من المواطنين، التّمسّك ببقاء المسيحيّين كجزء أساسيّ من النّسيج العراقيّ، واحتضانهم ورفع الغبن عنهُم، وإنصافهم، وتثبيت حقوقِهم، لأنّ وجودهم ثروة تاريخيّة حضاريّة ومعاصرة، وهجرتهم خسارة فادحة للمجتمع العراقيّ. المسيحيّون لا يبحثون عن الامتيازات، بل عن المساواة وفق معيار الانتماء الحقيقيّ إلى الوطن والعطاء، وليس وفق معيار آخر.

لا أنكر أنّ معاناة المسيحيّين هي جزء من معاناة العراقيّين، الّتي ضربها التّطرّف والإرهاب، لكنّهم عانوا أكثر من غيرهم، ونالوا حصّتهم من العنف، بسبب خطاب الكراهيّة وفشل الحكومات المتعاقبة باتّخاذ موقف واضح وجريء، لفرض سلطة الدّولة، وهيبة القانون، وحفظ النّظام، وبناء السّلام المستدام، وأيضًا بسبب الأجندات الخارجيّة الّتي تبحث عن المصالح، ممّا انعكس سلبًا عليهم.

العدد الّذي قُتِل وهُجِّر منهم كبير، إذا ما قيس بعددهم الكلّيّ، وإنّ الاستحواذ على بيوتهم وأملاكهم كان مُمَنهَجًا، لكن ما يقلقهم أكثر، ويخيفهم هو الصّراع الحاليّ الدّائر في سهل نينوى، والّذي يستهدف قلعهم من جذورهم ومناطقهم التّاريخيّة، وتهجيرهم من أجل احتلال بلداتهم. مناطقهم تتعرّض للتّطهير. فنسبة المسيحيّين المهجّرين الّذين عادوا إلى تلكيف وبطنايا لا يتجاوز 1%. لذا نرى أنّ الوضع أصبح في غاية الخطورة ويجب معالجته قبل فوات الأوان.

أقولها بكلّ وضوح إنّ المسيحيّين يشجبون هذا الصّراع، من أجل التّغيير الدّيموغرافيّ، ويرفضون إدارة مناطقهم على أساس طائفيّ أو إثنيّ. إنّهم يطالبون بإدارة مشتركة من كلّ المكوّنات المتواجدة في المنطقة، على أن تعمل كفريق واحد وبانسجام للصّالح العامّ. فالتّاريخ يشهد على تعايش المسيحيّين السّلميّ مع أبناء المنطقة، بالمحبّة الّتي تعلّموها من المسيح، ويَصبُون إلى أن يبقى ذلك متماسكًا بقوّة. لقد حان الوقت لتحويل معاناة العراقيّين إلى دروسٍ للتّغيير الحقيقيّ في إدارة التّنوّع، وترسيخ المواطنة الحاضنة للجميع، وتطبيق القانون، وإحترام كرامة الإنسان. فالحلّ الوحيد لأزماتنا هو أن نقبل أنّنا كلّنا متساوون.

المطلوب واقعيًّا: 

الإنتباه إلى كذا مخطّطات هدّامة من الدّاخل والخارج بغية الحفاظ على من تبقّى من العراقيّين الأصليّين.
تطبيق القانون وتنفيذ الأمر الدّيوانيّ لرئيس الوزراء بسحب الفصائل المسلّحة من بلدات سهل نينوى، أيًّا كان انتماؤها، وحصر السّلاح بيد الدّولة، ومنع كلّ المظاهر خارج شرعيّة الدّولة، وإلّا رجعنا إلى نقطة الصّفر.
تسليم الملفّ الأمنيّ إلى الشّرطة الاتّحاديّة، ودمج كلِّ الحراسات المحلّيّة الحاليّة فيها، وفتح الباب أمام أبناء بلدات سهل نينوى للانخراط فيها، فهم أدرى بواقعهم.
تمويل مشاريع تنمويّة لتقديم الخدمات وتوفير فرص العمل.
عدم السّماح لجماعات أصوليّة أجنبيّة تسمّي نفسها مسيحيّة، بالمجيء إلى مناطق المسيحيّين بحجّة التّبشير، بينما يسعون في الباطن لتغييرهويّتهم الوطنيّة، ولاهوت عقيدتهم.

أملنا كبير بأن يكون سهل نينوى مثالاً حيًّا متميّزًا للعيش المشترك السّلميّ، فتحتذي به بقيّة مناطق العراق".