العراق
13 آذار 2018, 06:48

البطريرك ساكو: الدّين مقدّس يجب صونه من التّسييس

ترأّس بطريرك بابل للكلدان مار لويس روفائيل ساكو، في يوم الحداد أمس، القدّاس الجنائزيّ المسكونيّ في كنيسة مار يوسف- خربندة، لراحة نفوس العائلة المسيحيّة الشّهيدة الّتي سقط أفرادها ضحايا العصابات. وشارك فيه السّفير البابويّ في العراق والمطرانان شليمون وردوني ويوسف عبّا عن السّريان الكاثوليك، والأب يونان الفريد نيابة عن المطران غطّاس هزيم متروبوليت بغداد والكويت للرّوم الأرثوذكس ولفيف من الكهنة وجمع غفير من المؤمنين، بحضور نائب رئيس الجمهوريّة إياد علّاوي وشخصيّات سياسيّة محلّيّة ورجال دين ونشاط في التّيّار المدنيّ.

 

وكان للبطريرك ساكو كلمة خلال القدّاس قال فيها نقلاً عن موقع البطريركيّة الكلدانيّة الرّسميّ: "وجعنا كبير أمام جرائم شنيعة تطال مواطنين عراقيّين أبرياء، يوميًّا نسمع أخبارًا محزنة:  قتل أبرياء أو السّطو على محلّاتهم وقطع أرزاقهم وأعناقهم. إنّها جرائم تستهدف الوحدة الوطنيّة يجب التّصدّي لها بقوّة وبكلّ الوسائل.

لذلك اجتمعنا للصّلاة إلى الله تعالى ليرحمنا ويقصّر محنتنا هذه، ويزيل عنّا هذا الظّلم ليستقرّ بلدنا المنكوب، ويستعيد عافيته، خصوصًا ونحن أمام انتخابات جديدة، والجميع يتطلّع فيها إلى مستقبل أفضل.

من هنا مسيحيّون ومسلمون وصابئة مندائيّون وإيزيديّون، ومن منطلق إنسانيّ وأخلاقيّ ودينيّ ووطنيّ ندعو الأكثريّة المعتدلة "الصّامتة" من العراقيّين، لترفع صوتها من أجل تغليب لغة الحوار، والمصالحة، والوفاق، والسّلام، وإسكات صوت الكراهيّة، والشّحن الطّائفيّ والفرقة والقتل، والدّمار، والخوف، والقلق، والتّهجير.

السّلام مَطلَب الجميع ومسؤوليّة الجميع في بثّ روح الجماعة الواحدة، والشّعب الواحد والبلد الواحد، والفكر الحضاريّ المنفتح والكفيل بإطفاء نار الصّراعات والاقتتال وإشاعة نور السّلام والمحبّة والأخوّة والحرّيّة والكرامة.

نحن في منعطف دقيق وخطير، وقد تألّمنا بما فيه الكفاية، لذا يتحّتم علينا أن نفكّر بطريقة جديدة لحلّ المشاكل العالقة وخصوصًا أنّ الشّعوب تَبني وحدتها بالمحبّة والعلاقات الطّيّبة والتّضامن والتّعاون. هذا هو الأمل الوحيد، وإلّا فنحن لا سمح الله سائرون نحو الأسوأ!

على الدّولة أن تتحمّل مسؤوليّاتها كاملة في حماية جميع المواطنين وفق منطق القانون والمؤسّسات والمساواة، واحترام حقوقهم وكرامتهم. لذا نطالبها بملاحقة الجناة والكشف عنهم ومعاقبتهم واعتبار هذه الجريمة جريمة وطنيّة غير عاديّة، إنّها جريمة منظّمة "تحت غطاء دافع السّرقة"- حاميها حراميها-، لكنّها تبعث رسائل سياسيّة خطيرة، فالتّعامل معها يجب أن يكون حاسمًا وجديًّا، وإنّ الكشف عن فاعليها، سيعيد ثقة المواطنين بالدّولة ويعزّز عندهم الانتماء. إنّ مسؤوليّة حماية حياة المواطنين وممتلكاتهم هي مسؤوليّة الدّولة وليست مسؤوليّة الميليشيّات ولا مسؤوليّة العشيرة، وهي مسؤوليّة رجال الدّين أيضًا، في توعية النّاس بخطورة عمليّة الأخذ بالثّأر والانتقام والفصل والعنف، هذه الممارسات تعود لأدبيّات عصر الجاهليّة وتخلق الفوضى والرّعب بين المواطنين، ولا يمكن قبولها، فالدّين يدعو إلى التّسامح والمحبّة. كما يشترك بالمسؤوليّة المواطنون العاديوّن والجيران حين يتكاثفون ويتعاونون فيما بينهم.

إنّ المسيحيّين أثبتوا بالرّغم ممّا عانوه وخسروه تعلّقهم بالوطن ومحبّتهم لإخوانهم العراقيّين من خلال صبرهم  على التّحدّيات الّتي واجهوها.

من هذا المنبر أدعو  الجميع للاستفادة من هذه الخبرات الفاشلة، للتّوصّل لعقد اجتماعيّ يساهم فيه جميع مكونّات المجتمع ليصبح خطة عمل لبناء السّلام والتّحوّل إلى دولة مدنيّة حديثة، ديمقراطيّة وقويّة، تكون فيها الأولويّة للمواطنة وليس للديّن أو الطّائفة أو القوميّة، فالدّين مقدّس يجب صونه من التّسييس: وهو لله والوطن للجميع.

.هذا التّغيير يحصل عندما تذهبون وتصوّتون بكثافة لمن هو الأنسب والأحسن. شكرًا على حضوركم"