العراق
14 تشرين الأول 2019, 12:30

البطريرك ساكو: البرّيّة هي الطريق نحو أرض الميعاد

في إطار كتاباته الأسبوعيّة، أضاء بطريرك بابل للكلدان مار لويس روفائيل ساكو على ""البرّيّة" التصوّف الرهباني بديل الاستشهاد"، فكتب:

"البرّيّة جغرافيًّا. تختلف عن الأرض المسكونة فهي مكانٌ مقفَر، تندر فيه المياه والنباتات والحيوانات.روحيًّا، للبرّيّة تُراثٌ لاهوتيّ وروحيّ ثريّ. في الكتاب المقدّس، البرّيّة تعني مسيرة الشعب المختار إلى أرض الميعاد، وبالنسبة للمسيحيين يُصبح المسيح هو أرض الميعاد. لذا غدَت البريّة مكانًا مثاليًّا للتصوّف- الرهباني، من خلال الاعتزال عن ضجيج العالم وإغراءاته وهمومه. وعدَّ الرهبان حياتهم بمثابة برّيّة حيث يقضون وقتهم في الصوم والصلاة، وتنقية الذات، ليتجلَّى الله فيها. ليس من الضروري أن يحيا المرء في البرّيّة جغرافيًّا، بل البرّيّة في قلبه عندما يعيش معانيها العميقة.

البرّيّة مكانٌ لاهوتيٌ للاختيار والاختبار بين الله والشيطان، أو كما يسمّيه كتاب ديداكيه بين طريق الخير والشّرّ (ديداكيه 2: 1-10)، أو طريق الحياة والموت (رسالة يعقوب 1: 23-15).فالبرّيّة هي الطريق نحو أرض الميعاد. وإختيار العيش فيها يعني توجيه الحياة برُمَّتها نحو المسيح وبشكل مطلق، وله يعطي المؤمن (الراهب) حياته. رحلة البرّيّة فترة ممتازة لعيش سرّ فصح المسيح.

المسيح برّيَّتنا. عاش يسوع في مستهلّ كرازته، المراحل المختلفة التي مرّ بها العبرانيّون في البرّيّة، وفشلوا، لكنّه (المسيح) نجح(متى 4: 1- 11)،بتفضيل كلمة الله على الخبز، والثقة به على المعجزات، والخدمة على السلطة– السيادة. يسرد لنا الإنجيل رموز البرّيّة في حياة يسوع: الماء الحيّ، والخبز النازل من السماء، والحيّة النحاسيّة التي تهِبُ الحياة لكلّ من ينظر إليها. ورأى آباء الكنيسة في الحيّة إشارةً الى الإفخارستيا. لقد حوّل المسيح في شخصه برّيّة هذا العالم إلى ملكوت الله، "ملكوت القداسة والنّعمة، والمحبّة والسّلام". ومثلما اكتملت في حياته، يريدها أن تكتمل فينا أيضًا.

البرّيّة مكان للاهتداء. في زمن قسطنطين (272 – 337) وخلفائه غدت المسيحية ديانة الإمبراطورية الرسمية، فقفزت الكنيسة إلى سدّة السلطة، وسرعان ما انتشر فيها "روح العالم"،  بعدما كانت كنيسة مضطهدةً، حيَّةً ونبويّة. وبانتهاء الاستشهاد وتراجع الروحانية المسيحية، راح بعض المؤمنين ورجال الإكليروس الصغار إلى البرّيّة هربًا من صخَب العالم، وفسادِه بحثًا عن بساطة الإيمان وجذريّته وعيش مشورات الإنجيل، من خلال الصوم والصلاة والتأمل. وتحوَّل نموذج  الشهيد إلى راهب البرّيّة عبر محاكاة حياة المسيح. الدخول الى سرّ البرّيّة يعني التخلص من أفكار السوء والعادات الرديئة التي  قال عنها يسوع إنّها تنجِّس قلب الإنسان (متى 18:15)، للحصول على نعمة الله وغفرانه وبركته، فيتجلّى مجده فينا".

 

المصدر: بطريركيّة بابل للكلدان