العراق
03 كانون الثاني 2020, 11:30

البطريرك ساكو: الإنسان مشروع للحياة وليس للقتل!

تيلي لوميار/ نورسات
في موضوع السّبت الأخير من العام 2019، كتب بطريرك بابل للكلدان مار لويس روفائيل ساكو تحت عنوان "لا تقتل" موضوعه، وجاء في نصّه نقلًا عن موقع البطريركيّة الرّسميّ:

"القتل هو عمليّة سلب حياة إنسان ما وإنهائها، إنْ عمدًا وهو جريمة عظمى، أو سهوًا ويختلف عن النّوع الأوّل أخلاقيًّا وشرعيًّا.

من المؤسف جدًّا أن تُصبح عمليّةُ القتل بدم بارد، مشهدًا يوميًّا في العديد من المجتمعات، ممّا يُعيدنا إلى العصور المظلمة، إلى شريعة الغاب حيث كان الإنسان أشبهَ ما يكون بوحشٍ يفترس من يشاهده ويعدّه خصمًا. نكاد نشاهد عمليّاتِ القتلِ والاغتيالِ والتّفجيرِ، أو نسمع عنها يوميًّا في العراق وسوريا واليمن وليبيا والصّومال ونيجيريا، وحتّى في بلدان متقدّمة.

الإنسان يعاني انقسامًا في ذاته بسبب ميوله المتعدّدة، فالحياة تبدو صراعًا بين الخير والشّرّ وبين النّور والظّلمة، وما كان مجيء الأنبياء ومجيء السّيّد المسيح إلّا لاستعادة الإنسان وحدتَه وتناغمَه الدّاخليّ، و"أنسنة" العلاقة مع الآخر الّذي هو أخٌ لهُ، وليس عدوًّا. يقول المسيح: "وصيّةً جديدةً أنا أعطيكم: أن تحبّوا بعضكم بعضًا" (يوحنّا 13: 34). لذا على الإنسان أن يناضل طوال حياته ليلزم الخير والقيم الإنسانيّة والرّوحيّة والأخلاقيّة وبمساعدة النّعمة الإلهيّة.

قبل آلاف السّنين، جاء صوتُ الله ليقول للإنسان: "لا تقتل أخاك"،كما ورد في قصّةِ قتل قايين أخاه هابيل (تكوين 4: 10-11)وهذه الجريمة الشّنيعة تظهر مدى عنف الميول الشّرّيرة في قلب الإنسان، والّتي تقضي على قيم المحبّة والسّلام والعيش المتناغم.

المسيح في الإنجيل لا يُشير إلى القتل البدنيّ فحسب، بل إلى القتل المعنويّ– الأخلاقيّ: "سـَمِعْتُمْ أَنَّهُ قيلَ لِلأَوَّلين: لاتَقْتُلْ، فإِنَّ مَن يَقْتُلُ يَستَوجِبُ حُكْمَ القَضـاء. أَمَّا أَنا فأَقولُ لَكم: مَن غَضِبَ على أَخيهِ استَوجَبَ حُكْمَ القَضاء، وَمَن قالَ لأَخيهِ: يا أَحمَق اِستَوجَبَ حُكمَ المَجلِس، ومَن قالَ لَه: يا جاهِلاِ ستَوجَبَ نارَ جَهنَّم" (متّى 5: 21- 23). وفي الرّسالة الأولى ليوحنّا "كلّ من يبغض أخاه فهو قاتل نفس" (1يوحنّا 3: 15).

المسيح يدعو إلى الغفران "سبعين مرّة سبع مرّات" (متّى 18: 22)، و"يرفض الكراهيّة، والعنف والانتقام من ضربك على خدّك فاعرض له الآخر" (لوقا 6: 29)لأنّ العنف يولّد عنفًا، "فمن يأخذ بالسّيف، بالسّيف يهلك" (متّى 26: 52).

الحياة هبة من الله يبنغي احترامها

من أوّل الكتاب المقدّس إلى آخره، نلمس معنىً عميقًا للحياة في جميعِ أشكالِها. كلُّ حياةٍ مصدرُها الله، فهو الخالق، وبطريقة خاصّة بالّنسبة للإنسان، فالله يجبله، وينفخ في أنفه نسمةَ الحياة(تكوين 2: 7)، ويكفل بحمايته، ويحرّم قتله. للدّم قدسيّةٌ في الكتاب المقدّس، فهو الحياة، وكلّ ما له علاقة بالحياة، له علاقة بالخالق، سيّد الحياة الأوحد. ومن هنا برزت وصيّة تحريم القتل وهي الوصيّة السّادسة من وصايا الله. وإلى هذه الوصايا العشر يرجع الإنسان ليعيش حياة متناغمة مع الآخرين. إرتكاب القتل جريمة عظمى ضدذ الإنسان (عبرانيّون 11: 4 و1 يوحنّا 3: 11-12).لقد صنع الله الإنسان على صورته وأحبَّه، لذا له وحده السّلطان على حياته. ألله يعطيها أو يأخذها (سفر أيّوب 1: 21)وكلّ من يسفك دم الإنسان يتجاوز على المحبّة وسيحاسبه الله عليها كائنًا من كان(تكوين 9: 5-6). هذا هو الأساس من وصيّة الله "لا تقتل" (خروج 20: 13).وفي حالة القتل يصرخ دم الضّحيّة أمام الله كما في مقتل هابيل (تكوين 4: 10-11) فالله سأل قايين الهارب: "أين أخوك"، لا أعلم. لستُ مسؤولًا عنه. "دمه يصرخ". في النّهاية يريد الله أن يقول لكلّ منّا: أنت مسؤول عن أخيك!

تحترم الكنيسة الحياة وتقدّسُها لأنّها أعظم عطيّة من الله. ويؤكّد تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة على: أنّ الحياة مقدّسة لعلاقتها بالخالق، وان إحترام الحياة واجب، وان من حق اي انسان ان يتمتع بحياة حرة وكريمة، ولا يجوز لأحدٍ أن يضع حدًّا للحياة، القتل المباشر والإرادي ممنوع، والإجهاض محرم وكذلك القتل الرحيم والانتحار.

ثمّة آيات قرآنيّة تحرّم القتل: "وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا" (الإسراء 33).

في حالة حصول أيّ اعتداء ينبغي اللّجوء إلى المحاكم للملاحقة القانونيّة، وليس إلى الحزب أو العشيرة لأخذ الثّأر.

من الملفت للنّظر أنّ العديد من الدّول نضجت إلى درجة أنّها ألغت عقوبة الإعدام، احترامًا لقدسيّةِ الحياة، وتبنَّت عقوبة السّجن المؤبّد. من المحزن أنّه لا توجد دولة عربيّة واحدة سعت لإلغاء عقوبة الإعدام!".