البطريرك العبسيّ من الفرزل: مسؤوليّتنا هي الثّبات في الأرض وفي الإيمان
هذا وشكر البطريرك العبسي أهالي الفرزل على هذا الاستقبال فخاطبهم قائلاً: "أيّها الأحبّاء. ما أعظم سروري بأن آتي اليوم إليكم لألقاكم وأصلّي معكم وأتحدّث إليكم. كم كان اشتياقي كبيرًا لأن أزور هذه البلدة العزيزة على قلبي مذ كنت يافعًا، حين كنّا نزورها من حريصا، وحيث لنا فيها أصدقاء ورفاق أحبّاء، وحيث كان وما زال لنا منها أخوة كهنة رهبان وراهبات.
أبرشيّة الفرزل وزحلة، أجل أنتم الأصل، وإن كانت زحلة عاصمة الكثلكة في هذه الأبرشيّة فأنتم فيها المهد، وإن كانت زحلة المدينة فالفرزل قلعتها الّتي تستند إليها والّتي تحميها.
أجل أحبّائي، أنتم الأصل ومنكم خرجت فروع أزهرت هنا وهناك. ولكن إن كانت الفرزل الأصل، فمن واجبها أن تحافظ على هويّتها لكي تبقى هي هي ولكي لا تموت الفروع. الأصل صفته التّجذّر في الأرض في المكان الّذي نشأ فيه، وثبات في هذه الأرض وفي هذا المكان، عليكم أحبّائي تقع مسؤوليّة الأهل إزاء أولادهم، ولو كثر هؤلاء وصاروا أعدادًا وانتشروا في الأرض كلّها. هذه المسؤوليّة تتجلّى بالثّبات على الرّغم من العواصف الكثيرة والكبيرة الّتي هدّدتها عبر التّاريخ. مسؤوليّة الفرزل، مسؤوليّة تجاه كنيستنا كلّها، وهنا في البقاع ولكن أيضًا حيثما كان روميّ ملكيّ، بل حيثما كان مسيحيّ مشرقيّ. مسؤوليّتنا هي الثّبات في الأرض، أن تكون لنا أرض وألّا نفرّط بهذه الأرض. لا نخدعنّ أنفسنا أحبّائي، الأرض لمن يحرسها الأرض لمن يسكنها. من ليس لديه أرض ليس لديه وجود، أنتم قد عرفتم بتمسّككم بأرضكم وعليكم أن تكونوا ثابتين، صلبين في ذلك لكي نبقى نحن. مسؤوليّة الفرزل ثبات في الأرض وثبات في الإيمان. ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه؟ ماذا ينفع لو كنّا أوّل من أعطى الإيمان ثم خسرناه؟ الفرزل قلعة الإيمان أيضًا وقلعة كنيستنا، ونحن نفتخر بأنّها ما زالت كذلك، ونرجو أن تبقى كذلك بل أن تزداد.
أن نثبت في الأرض وأن نثبت في الإيمان لا يعني البتّة تحدّيًا لأحد، بل هو شهادة، يعني أن نعيش إنجيلنا أن نعيش مبادئنا وتعاليمنا المسيحية، فنكون عندئذ كما يطلب يسوع، نورا وملحا وخميرا. هذه الصلاة التي نرفعها اليوم هي نور وملح وخميرًا، هي شهادة، هي ثبات في الأرض، هي ثبات في الإيمان.
أيّها الأحبّاء، ما أجمل أن أراكم هكذا مجتمعين. إنّ اجتماعكم وتلاحمكم هو الّذي يقوّيكم ويقوّينا، ويثبّتكم ويثبّتنا، نحن جسد واحد، نحن جسد يسوع الواحد، أنتم لستم مجموعة أفراد، إن كنتم هكذا فلن يكون عندكم ثبات. نحن كنيسة الرّوم الملكيّين الكاثوليك، كنيسة جامعة في حضن الكنيسة الجامعة، نحن أقوياء لأنّنا كنيسة، نحن ثابتون لأنّنا كنيسة. إن عملنا كأفراد لن ننال نتيجة ولا فائدة.
لم يعد مسموحًا أحبّائي، أن نعيش كأفراد أو كجماعات مختلفة أو حتّى متباعدة. ميزة كنيستنا الانفتاح على الغير، فكيف بالانفتاح بعضنا على بعض. أنتم يا أهل الفرزل طبعتم كنيستنا منذ بدايتها بطابع خاصّ وهو أنّ كنيستنا ليس لها حدود، كنيستنا هي عابرة للحدود أيًّا كانت هذه الحدود. وأتينا اليوم إلى هنا لكي نجعل هذا الطّابع الخاصّ فيكم يستعيد ألقه وحيويّته. رسالتكم أحبّائي الّتي بدأتموها رجاء أكملوها ولا تطفئوها."
وختم كلمته قائلاً: "شكرًا لكم باسم كنيستنا، شكرًا على هذا الاستقبال الرّائع، الّذي إن دلّ يدلّ على انتمائكم القويّ إلى كنيستكم، على فخركم بها، على تمسّككم بها، على محبّتكم لأخي سيادة المطران عصام يوحنّا درويش. هذا الاستقبال لا أراه إلا استقبالاً له وأفتخر بذلك، أفتخر عندما أرى الكنيسة تحبّ راعيها. أحبّائي أنتم نبض كنيستنا، لا تتخلّوا عن هذا الدّور، لا توقفوا نبض الكنيسة. شكرًا للرّهبانيّة المخلّصيّة الكريمة، الرّهبان والرّاهبات الّذين خدموا بنوع خاصّ في هذه الرّعيّة، في هذه البلدة الفرزل، والّذين أعطوا الكثير من بذل الذّات والتّضحية والّذين أعطوا شهادة صالحة للإنجيل وليسوع بسيرتهم المقدّسة، لهم شكر الكنيسة وأطلب إلى الله أن يبارك الرّهبانيّة المخلّصيّة. شكرًا لكلّ المنظّمين لهذا الاحتفال، لهذا العرس. اليوم أنتم احتفلتم بعرس يسوع، بعرس السّيّد المسيح، أثبتّم أنّكم حقًّا روم كاثوليك ملكيّون. شكرًا لكم أحبّائي جميعًا، وشكرًا لأخي المطران عصام يوحنّا درويش على محبّته واستقباله المميّز في زحلة وفي الفرزل. أرفع الشّكر معكم إلى الله تعالى الّذي أعطانا أن نكون روم ملكيّين كاثوليك، وأعطانا أن نعيش إيماننا، وأعطانا أن نكون أبناء صالحين للكنيسة وشهداء حقيقيّين لإنجيل السّيّد المسيح".
هذا وسبق كلمة البطريرك العبسيّ كلمة شكر توجّه بها راعي أبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران عصام يوحنّا درويش إلى أهل الفرزل، مشيدًا بالاستقبال الّذي يدلّ على كبرهم مضيفًا: "إذا كانت زحلة عاصمة الكثلكة فأنتم قلعة الكثلكة، وأنا شخصيًّا عندما آتي إلى هذه القلعة أرتاح وأجد السّلام والاطمئنان، وأكثر من ذلك، كلّ واحد منكم من أبناء وبنات الفرزل هو أيقونة الكثلكة، أيقونة نضعها على صدورنا وفي قلوبنا، وأنا اكيد أنّ كلّ واحد منكم يعمل للحفاظ على هذه الأيقونة، فلكم شكري، لكم محبّتي، عاشت الفرزل".
هذا وتبع الكلمات حفل استقبال في صالون الكنيسة واختُتمت الزّيارة بعشاء أقامه رئيس البلديّة ملحم الغصّان على شرف البطريرك العبسيّ.