لبنان
12 آذار 2019, 09:44

البطريرك العبسيّ كرّس كنيسة جديدة للقدّيس أنطونيوس

كرّس بطريرك الرّوم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ كنيسة القدّيس أنطونيوس في مركز "واحة الحياة" التّابعة للجمعيّة الخيريّة للرّوم الكاثوليك في بيروت وضواحيها، في احتفال حضره السّفير البابويّ في لبنان المطران جوزيف سبيتيري، وراعي أبرشيّة بيروت جورج بقعوني، والمطرانان يوسف كلّاس وكيرلّس بسترس، وشخصيّات سياسيّة واجتماعيّة.

 

وبعد رتبة التّكريس، ألقى البطريرك العبسيّ كلمة قال فيها: "نحتفل اليوم بتكريس كنيسة القدّيس أنطونيوس الّتي تقوم في هذا الصّرح الاجتماعيّ الخيريّ الفريد الّذي يحمل اسم واحة الحياة، والّذي يخصّ الجمعيّة الخيريّة في أبرشيّة بيروت للرّوم الملكيّين الكاثوليك. أن تقوم كنيسة في مثل هذا الصّرح، دليل على أنّه قائم على الإيمان بالله ينبوع المحبّة والرّحمة وبابنه السّيّد يسوع المسيح المحسن الإلهيّ. أجل، أولئك الّذين وهبوا الأرض وأولئك الّذين أحسنوا بمالهم وأولئك الّذين أعطوا من وقتهم وتعبهم وأولئك الّذين أعملوا فكرهم هم رجال إيمان. وأنا اليوم باسمكم جميعًا وباسم كنيستنا وباسم أبرشيّة بيروت أحيّيهم أجمل تحيّة وأشكرهم أجزل شكر وأعلن اعتزازي وسروري بهم سائلاً الله تعالى أن يبارك عليهم وعلى عيالهم وأن يعوّض عليهم أضعافًا. إنّهم من أبناء عائلاتنا الرّوم الكاثوليك الّذين عرفوا خلال تاريخ كنيستنا كلّه بقربهم من الكنيسة وغيرتهم عليها وحنوّهم على المعوزين والمهمّشين والضّعيفين والنّاس الأكثر هشاشة في لبنان وسوريا ومصر وفلسطين وغيرها من البلاد. العطاء والتّضامن والتّكافل جزء من كيان كنيستنا وتاريخها، كان وسوف يبقى، والشّكرلله.
واحة الحياة، اسم معبّر لم يختر عن عبث. فعندما نقول واحة يلوح في الحال لأعيننا ما حولها: صحراء فيها حرّ وبرد وعطش وتعب وخوف وقلق وضياع. كم من أناس هم اليوم في مثل هذه الصّحراء يتطلّعون إلى واحة يلجأون إليها، يبحثون عن يد تقودهم إليها. نحن اليوم في حاجة ليس إلى واحة، بل إلى واحات يرتاح فيها هؤلاء. وهذه الواحة هي من تلك الواحات الجميلة الّتي أراد بناتها أن يجد النّزلاء فيها كلّ أسباب الرّاحة بحيث يشعرون بأنّهم ليسوا هنا كما في ممرّ إلى الموت، ليسوا على أبواب الموت، بل في طريق تقود إلى الحياة. إنّ هذه الواحة، هذه الدّار، بما صمّم لها أن تكون، تدلّ على تطوّر العمل الخيريّ والاجتماعيّ في كنيستنا الرّوميّة الملكيّة الكاثوليكيّة، وفي كنيستنا الّتي في بيروت بنوع خاصّ، إذ لم يعد هذا العمل يقتصر على حسنة من هنا أو خدمة من هناك أو مساعدة من هنالك، بل انتقل إلى مرحلة من العمل الإنسانيّ المتكامل المتعدذد الوجوه ليلبّي الحاجات الاجتماعيّة العصريّة المتنوّعة الّتي هي أكثر من دار للأيتام أو دار للعجزة أو جمعيّة خيريّة بالمفهوم التّقليديّ.
واحة الحياة، هي رؤية جديدة ونقلة نوعيّة تستحقّ الثّناء والتّشجيع، وتدعو في الوقت عينه الّذين يهتمّون بهذا الشّأن في كنيستنا إلى التّفكير في كيف يطوّرون هم أيضًا عملهم الإنسانيّ بما يلائم الحاجات المعاصرة، إلّا أنّ حديثنا عن واحة الحياة المؤسّسة الخيريّة الطّليعيّة بتكاملها الخدماتيّ لا يمنع من أن نقول هنا كلمة حقّ، وهي أنّ في كنيستنا واحات أخرى، مؤسّسات إنسانيّة كثيرة متنوّعة قدّمت وما زالت تقدّم خدمات جلّى ثمينة تدلّ على محبّة الكنيسة ومن خلالها على محبّة السّيّد المسيح للنّاس المحتاجين. لهذه الواحات أيضًا كلّ التّقدير والشّكر والتّشجيع والدّعاء بأن يكافئهم الرّبّ الإله وبأن يبارك عمل أيديهم وأن ينمّيه ويجعل ثماره كثيرة. هذا يزيدنا قناعة ويحثّنا على توجيه الاهتمام أكثر فأكثر بالنّاس الأكثر حاجة على مثال السّيّد المسيح.
في كلام القدّيس بولس عن المواهب المتنوّعة الّتي ينعم الله بها على كلّ واحد منّا كيف يستثمر موهبته يقول لأهل رومية: "فليلازم المتصدّق سلامة النّيّة والمدبّر الاجتهاد والرّاحم البشاشة" (روم 12: 8). سلامة النّيّة والاجتهاد والبشاشة. هذه هي الصّفات الّتي رأيتها في القائمين على هذا المشروع كلّما اجتمعت بهم حتّى أنّي بت أتوق إلى السّاعة الّتي نحن فيها الآن. يتكلّمون عن واحة الحياة كلامهم عن بيتهم وعائلتهم وعملهم حتّى لكأنّها صارت شغلهم، بقناعة وحماسة، باهتمام حتّى الهمّ، برؤية واضحة، باعتزاز وخصوصًا ببشاشة تنمّ عن رضى داخليّ وفرح داخليّ كأنّهم حصلوا على منية حياتهم. هؤلاء هم حياة هذه الواحة. واحة الحياة، ما كانت لتكون لو لم يكونوا هم، ولن تكون في المستقبل إن لم يكن فيها أمثالهم. من أجل ذلك، علينا نحن أن نربّي أولادنا على ما تربّينا عليه حتّى تستمرّ كنيستنا كما عرفت وبما عرفت أن تكون بل أكثر، كنيستنا مسؤوليّتنا جميعًا.
إنّ تخصيص كنيسة بهذا الصّرح للصّلاة وبدء التّدشين بتكريسها دلالة على أنّ الله مطرحًا ومكانة في هذا المكان، دليل على ثقتنا بالله الّذي لن يتركنا، بل سوف يسهر علينا ويعتني بنا، يلبسنا كما يلبس زنابق الحقل ويرزقنا كما يرزق طير السّماء على ما علّمنا الرّبّ يسوع. ثقتنا بالله هي ضمانة لهذا المشروع. أرجو ألّا يغيب الله عنه كما غاب عن مؤسّسات مشابهة كثيرة في الغرب فغاب معه وجهها الإنسانيّ.
باسمكم جميعًا، باسم الّذين سوف يردّون هذه الواحة، باسم الكنيسة، باسمي الشّخصيّ أشكر وأهنّئ، شكرًا وتهنئة مقرونين بالصّلاة، أخي سيادة المطران يوسف الكلّاس الّذي أطلق المشروع ورافقه، وأخي سيادة المطران كيرلّس سليم بسترس الّذي تابعه من بعده، وأخي سيادة المطران جورج بقعوني الّذي سوف يتابع. أشكر وأهنّئ الجمعيّة الخيريّة البيروتيّة ورئيسها السّيّد روجيه نسناس ومعاونيه. أشكر وأهنّئ اللّجنة الّتي أشرفت على العمل من كلّ جوانبه منذ البداية إلى هذا اليوم وربّما إلى ما بعد اليوم. أشكر وأهنّئ جميع الّذين شاركوا في إنشاء هذه الواحة على تنوّع مشاركاتهم. أشكر وأهنّئ المحسنين وأصلّي من أجل الّذين انتقلوا منهم إلى الملكوت السّماويّ، لاسيّما المرحوم باسيل يارد والمرحومة ماري هبي.
نحن الّذين هنا نمثّل أطياف كنيستنا الرّوميّة الملكيّة الكاثوليكّية جمعتنا المحبّة، محبّة بعضنا بعضًا، لاسيّما المحتاجين من أبنائنا، وما أجملنا هكذا. أسأل الله تعالى من كلّ قلبي أن تدوم محبّتنا وأن تثمر إلى أعمال الخير تضامنًا وتعاونًا بعيدًا، كما أردّد على الدّوام، عن التّحزّب والتّخاصم والتّشرذم، من أجل خير بلدنا لبنان وخير كنيستنا".

بعد التّكريس، أقيم حفل كوكتيل للمناسبة في مبنى "واحة الحياة" بعد أن جالوا على أقسامه واطّلعوا على معدّاته وتقنيّاته، وفق ما ذكرت "الوكالة الوطنيّة للإعلام".