لبنان
06 آب 2017, 14:15

البطريرك الرّاعي لرئيس الجمهورية: نصلّي كي يعضدكم الله ويزيّنكم بالحكمة والرّوح الرّئاسي لتواجهوا التحدّيات الكبيرة

شارك رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في القدّاس الاحتفالي الذي أُقيم قبل ظهر اليوم في كنيسة سيدة التلة في دير القمر، شفيعة البلدة والشوف، لمناسبة عيدها والذكرى السادسة عشر للمصالحة التاريخية في الجبل التي حصلت في آب من العام 2001 ، برعاية البطريرك الماروني السابق مار نصرالله بطرس صفير، تجسيداً لرسالة لبنان في عيشه المشترك. وقد ترأّس القداس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، عاونه فيه راعي أبرشية بيروت المارونية المطران بولس مطر، راعي أبرشية صيدا المارونية المطران مارون العمّار، المعتمد البطريركي لدى الكرسي الرسولي رئيسٍ المعهد الماروني الحبري في روما المطران فرنسوا عيد، الرئيس العام للرهبانية المارونية المريمية الأباتي مارون الشدياق ورئيس كهنة رعية سيدة التلة الأباتي مارسيل أبي خليل، وخدمته جوقة الكنيسة. ولدى وصول رئيس الجمهورية الى ساحة الكنيسة، قرعت الأجراس في كنائس دير القمر، واستقبل الأباتي ابي خليل رئيس الجمهورية الذي دخل الى الكنيسة وسط تصفيق وزغاريد المؤمنين المحتشدين في ساحتها وعلى مداخلها وفي الداخل. وحضر القدّاس النائب نعمة طعمه ممثلا رئيس المجلس النيابي الرئيس نبيه بري، والوزراء: طارق الخطيب وسيزار ابي خليل وغطاس خوري، والنائب جورج عدوان، والنائب السابق مروان ابو فاضل، والوزراء السابقون ناجي البستاني وماريو عون وسليم الجاهل، وعميد السلك الدبلوماسي المعتمد في لبنان المونسنيور غابريالي كاتشا، وسفير لبنان لدى الاونيسكو الدكتور خليل كرم وسفيرة لبنان المعينة لدى المملكة الاردنية الهاشمية السيدة ترايسي شمعون، والسيد تيمور وليد جنبلاط والسيد كميل دوري شمعون، ورئيس بلدية دير القمر السفير السابق ملحم مستو وفاعليات سياسية وقضائية وادارية واجتماعية ونقابية وعسكرية، وعدد من رؤساء البلديات والمخاتير واعضاء المجالس البلدية وحشد من المؤمنين. وحضر ايضا" رئيس الصندوق المركزي للمهجرين العميد نقولا الهبر والمدير العام للمهجرين احمد محمود والمدير العام للجمارك بدري ضاهر.

 

في مستهلّ القدّاس، ألقى الأباتي أبي خليل كلمةً ترحيبيّةً بالرئيس عون والبطريرك الرّاعي والحاضرين، جاء فيها:

"صاحب الفخامة، صاحب الغبطة، أصحاب السيادة والمعالي والسعادة، قدس الأب العام، الكهنة الافاضل، رؤساء البلديات والمخاتير، الأخوة والأخوات الأحباء، انّ مشاركة فخامتكم لنا بعيد أمّنا سيدة التلة، شفيعة دير القمر والشوف، لمدعاة فرح وفخر واعتزاز لمواقفكم الجريئة والمشرفة ودوركم الرائد في جمع اللبنانيين وتوحيدهم حول محبة وطنهم لبنان والعمل على تعزيز العيش المشترك بين كل أبنائه من خلال دفاعكم عن الدستور والدعوة الى الحوار والتشاور لترسيخ الثقة بين الأفرقاء والتوصل الى تفاهم وطني حقيقي واستقرار أمني ثابت.

نكبر في شخصكم الكريم، يا صاحب الفخامة، ايمانكم العميق بالله ومحبتكم الصادقة لكل اللّبنانيين، وقد عبّرتم يوماً عن هذه الحقيقة بكلمة مؤثرة:"أنا بيي كل اللبنانيين!"لقد أحب اللبنانيون في شخصكم الكريم: الجرأة والصدق وقول الحقيقة، والتواضع والعمل على توطيد قيم الحرية والعدالة والكرامة الانسانيةلكل أبناء الوطن. سدّد الله خطاكم يا صاحب الفخامة في قيادة سفينة الوطن الى الشاطىء الأمين، وأبقاكم لكل اللّبنانيين ذخراً ًلوحدة الوطن وكرامته وازدهاره. تابع قائلاً:يا صاحب الغبطة والنيافة، انّ زيارتكم الثانية لدير القمر والشوف، بعد انتخابكم بطريركاً على كنيستنا المارونية واحتفالكم شخصيّاً بعيد أمّنا سيدة التلة لمدعاة سرور واعتزاز لنا ًودليلاً ساطعاً على محبتكم لبلدتنا العزيزة ولشفيعتها سيدة التلة. ولا عجب في ذلك، فغبطتكم سليل الرهبانية المارونية المريمية التي ما تزال تخدم هذه البلدة العريقة منذ مئات السنين. نرحّب بكم يا صاحب الغبطة والنيافة مع السادة المطارنة والاب العام، آملين أن تكون هذه الزيارة لشوفنا العزيز وللجبل موسم خير وسلام واستقرار فتثبت العائدين في ارضهم الطيبة وتشجع المهجرين على العودة وتوطد قيم المحبة والتلاقي وقبول واحترام الآخر، التي عاشها أجدادنا ونعيشها نحن اليوم مع اخواننا في الشوف والجبل. انّ عظاتكم يا صاحب الغبطة والنيافة في قداسات الأحاد والأعياد وتعاليمكم في حلقات التنشئة هي صوت المستضعفين والمحرومين والمعوزين ومن قست عليهم الحياة، ولها الوقع الطيب في قلوب كل المسؤولين، لأنّها صوت الرّاعي الصالح الذي يعرف خرافه ويسهر عليها. أخذ الله بيدكم يا صاحب الغبطة لتظلّوا الضمير الحي لكنيستنا ولوطننا لبنان. وأنتم أيّها الاصدقاء القادمون من الاقليم والشوف وعاليه وكل مناطق لبنان الى دير القمر لتحتفلوا معنا بعيد امنا سيدة التلة، نرحب بكم فرداً فرداً، آملين أن تكون زيارتكم هذه، تأكيداً لعيش مشترك نريده صادقاً، عميقاً، ودوداً و"لشراكة ومحبة"، نرى فيها خلاص لبنان وديمومته واستقراره. باركينا يا أمّنا، سيدة التلة! ألقي السلام والوئام بيننا، وظلّلي لبنان بحمايتك الوالدية ليبقى نموذج العيش المشترك والانفتاح والمحبة ورسالة قيم وحضارة للشرق وللعالم أجمع!"

وقد قرأ الوزير السابق البستاني فصلاً من رسالة القديس بولس، فيما قرأ المطران مطر الانجيل المقدّس.

وبعد الانجيل، ألقى الراعي عظةً بعنوان:"ها منذُ الآن تطوِّبني جميع الأجيال، لأنَّ القدير صنع لي العظائم" (لو1: 46 و49)؛ وقد استهلها بالترحيب برئيس الجمهورية "في عاصمة لبنان التاريخية، ومدينة الأمراء المعنيين والشهابيين"، احياء "لتقليد يرقى الى العام 1936"، وجاء فيها:

دير القمر، عاصمة لبنان التاريخيّة، ومدينة الأمراء المعنيّين والشهابيّين، تبتهج اليوم بحضوركم على رأس المصلّين الوافدين ككلّ سنة لتكريم سيدة التلّة العجائبية في عيدها، وهي شفيعة دير القمر والدّيريين الذين ينظرون إليها كأمّ حنون ترافقهم حيثما حلّوا. وأنتم بذلك تحيون تقليدًا يرقى إلى سنة 1936، عندما حدّد راعي الأبرشية آنذاك المثلّث الرحمة المطران أغسطين البستاني، ابن دير القمر، عيد سيدة التلّة في الأحد الأوّل من شهر آب، ثمّ جعله في سنة 1948 عيدًا رسميًّا وطنيًّا، بدأه المغفور له الشيخ بشاره الخوري رئيس الجمهورية آنذاك، وثبّته من بعده المغفور له الرئيس كميل شمعون، وحافظ عليه الرؤساء المتعاقبون، ما عدا في فترة الحرب اللبنانية. وها أنتم، فخامة الرئيس، تواصلون هذا التقليد مشكورين، بعد فراغ سدّة الرئاسة لمدّة سنتين ونصف.

إنّ المؤمنين المحيطين بكم، وعلى رأسهم مطران أبرشيّة صيدا الجديد، سيادة أخينا المطران مارون العمّار، والرئيس العام الجديد للرهبانيّة المارونيّة المريميّة قدس الأباتي مارون الشدياق، والرسميّون من وزراء ونوّاب وإداريين، والآباء أبناء الرهبانيّة الذين يخدمون رعيّة دير القمر، جيلًا بعد جيل منذ مئتين واثنتين وسبعين سنة، وتحديدًا منذ سنة 1745، وصولًا إلى الأباتي الغيور مرسيل أبي خليل الرئيس العام الأسبق خادمها ومعاونيه، يصلّون كلهم من أجلكم، كي يعضدكم الله ومعاونيكم في قيادة سفينة الوطن، بشفاعة أمّنا مريم العذراء سيدة التلّة، ويزيّنكم بالحكمة والروح الرئاسي، لتواجهوا التحدّيات الكبيرة: قيامَ الدولة بمؤسساتها وإداراتها المحرَّرة من التدخل السياسي والتمييز اللوني في التوظيف خلافًا لآلية مبنية على الكفاءة والأخلاقية؛ إحياءَ اقتصاد منتج يُنهضه من حافّة الانهيار، ويرفع المواطنين من حالة الفقر، ويفتح المجال أمام الشباب لتحفيز قدراتهم، ويحدّ من هجرتهم؛ تعزيز التعليم الرسمي والخاص والمحافظة على المدرسة الخاصة المجانية وغير المجانية وإنصافها ومساعدة الأهالي في حرية اختيارها؛ حماية المالية العامة بإيقاف الهدر والسرقة والفساد، وحفظ التوازن بين المداخيل والمصاريف ضمن موازنة واضحة ومدروسة، وضبط العجز والدَّين العام؛ بناء قضاء شريف حرّ ومسؤول يكون حقًّا وفعلًا أساس الملك؛ الإسراع في تطبيق اللامركزية الإدارية، المناطقيّة والقطاعيّة.

 "ها منذ الآن تطوّبني جميع الأجيال" (لو1: 46). هذا النشيد-النبوءة فاهت به مريم، بوحي من الروح القدس، في بيت زكريا وإليصابات عندما زارته فور بشارة الملاك جبرائيل لها، بأنّها، وهي عذراء، ستحبل بقوّة الروح القدس وتلد ابنًا تسمّيه يسوع. وهذا المولود منها قدّوس، وابنَ الله يُدعى (راجع لو1: 31 و35).

ها نحن اليوم هنا، عبر مسيرة الأجيال، نطوّب مريم، ونعظّم الله معها على ما أجرى فيها من عظائم: الحبلَ بها معصومة من الخطيئة الأصلية؛ أمومتَها لابن الله وهي عذراء، مع بقائها بتولًا قبل الميلاد وفيه وبعده؛ تربيتَها، مع يوسف البتول زوجها بحسب الشريعة، الإله المتجسّد منها ليكون فادي الإنسان ومخلّص العالم؛ مشاركتَها الإيمانيّة والفعليّة في تحقيق تصميم الله الخلاصي، كشريكةٍ في الفداء بقبولها سيف الألم  يجوز قلبها؛ أمومتَها للكنيسة، جسد المسيح السرّي، ولكلّ إنسان، وهي أمومة شاملة قبلتها من إبنها يسوع من على الصّليب (راجع يو 19: 26- 27)، وثبّتها حلول الروح عليها وعلى التلاميذ يوم العنصرة (راجع أعمال 15: 12- 14؛ 2: 1- 4)؛ وأخيرًا انتقالَها إلى السّماء بالنفس والجسد، وتتويجَها من الثالوث القدّوس ملكة السّماء والأرض.

لهذا، أطلقت مريم نشيدها النّبوي: "تعظّم نفسي الربّ، وتبتهج روحي بالله مخلّصي، لأنّه نظر إلى تواضع أمته". إبتهجت، لأنّ الله اختارها أمًّا ليسوع المخلّص؛ وعظّمت الله القدير الذي أظهر قدرته فيها، وهي الخادمة المتواضعة، التي لا شأن لها ولا حسب في المجتمع البشري. بل هي من الفقراء الذين لا يتكّلون على خيراتهم وقدراتهم ومالهم وسلطانهم، بل يضعون كلّ ثقتهم وآمالهم بالله، ويترقّبون بالإيمان والرجاء خلاصه وتجلّيات إرادته، فيما هم ملتزمون بواجب حالتهم. أما الذين يعتدّون بنفوسهم ويتّكلون على المال والقوّة والسّلطة والعظمة والنفوذ، فغالبًا ما ينسون الله، ويستغنون عنه، ويحتقرون تعليمه، وينتهكون وصاياه وشريعته، ويخنقون صوته في ضمائرهم، ويرتكبون الشّر والظلم، ويتعدّون على الحياة البشرية والكرامة والحقوق.

إنّ دير القمر عظّمت الله بتاريخها الكنسي والمدني، الثقافي والسياسي، الإنمائي والحضاري. فيضيق الوقت والمكان عن سرد رجالاتها وتراثها. لكن الديريّين يعزون نجاحات أجيالهم إلى سيدة التلّة العجائبية. فهي لهم كلّ شيء، هي المعبد والمرجع والشفيع والمنقذ والمحامي. فلا سَفرَ بلا وداعها، ولا رجوع بدون زيارتها وشكرانها. الدرزي يؤمن بها كما المسيحي، يزورها ويؤدّي لها النذور.

والديريون يحفظون الجميل والعرفان للرهبانية المارونية المريمية وللآباء الذين تعاقبوا على الخدمة فيها. وقد بنوا منذ سنة 1752، قرب الكنيسة، الأنطش لسكن الرهبان، ومدرسة في الأقبية والدكاكين الموقوفة من الستّ أمّون، والدة الامير يوسف المعني. فكانت المدرسة الديموقراطية الأولى التي جمعت تحت سقفها طلّابًا من كلّ مذهب، ومن أولاد الأمراء والستّات وأهل البلدة. وظلّت الرهبانية وفيّة للخدمة الراعوية والتربوية معًا فأنشأت، قرب دير مار عبدا على تلّة دير القمر، مدرسة حديثة وفرعًا لجامعة سيدة اللويزة، لخدمة أبناء الشوف جميعًا. فبادلها أهل الدير إخلاصهم ومحبّتهم. والعلامة ما يُروى عن أنّ الأمير الكبير سأل مرّة الرئيس العام آنذاك عن عدد رهبانه، وكانوا دون المئتين، فأجابه: "عددهم أكثر من خمسة آلاف". وإذ أبدى الأمير استغرابه وإعجابه، قال الرئيس: "لا غرابة، سعادة الأمير، فإنّي أعدّ أهل دير القمر من أبناء رهبانيّتي!" فلتبقَ هذه الروابط متجدّدة جيلًا بعد جيل.

 إلى أمّنا مريم العذراء، سيّدة التلّة العجائبية نرفع صلاتنا، راجين من الله، بشفاعتها، أن يفيض علينا جميعًا نعمه وبركاته، فنجعل من حياتنا وأعمالنا الصالحة نشيد تعظيم للثالوث المجيد، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.”

 

وفي ختام القدّاس الاحتفالي، قدّم الأباتي أبي خليل للرّئيس عون نسخةً من أيقونة سيدة التلة المذهبة، عربون تقدير ومحبة، طالباً شفاعتها لحماية رئيس الجمهورية وتسديد خطاه.

وكانت ازدانت الطريق الساحلية من الدامور الى دير القمر وصولاً الى بيت الدين بلافتات الترحيب بالرّئيس عون والمؤيدة لمواقفه الوطنية، وبالبطريرك الرّاعي، ورفعت أقواس النّصر، وعليها صور رئيس الجمهورية. وجاء في بعض اللافتات:"كل الشوف يرّحب برئيس كل لبنان"، "أهلا بصاحب الفخامة وغبطة البطريرك في جبل المصالحة"، "بعزمكم وارادتكم يا فخامة الرئيس ستبنون مستقبل لبنان"، "انت الذي اخرجت لبنان من الظلمة الى النور"، "من قلب الشوف نشكر فخامة الرئيس"، "بلدية دميت واهاليها يرحبون بفخامة الرئيس العماد ميشال عون"، "فخامة الرئيس زيارتكم شرف، حضوركم نور"، "مبارك الآتي باسم الحق"، "دير القمر عاصمة التاريخ ترحب بفخامة الرئيس".

 وتميّز الاحتفال بالتّنظيم اللافت الذي تولّاه لواء الحرس الجمهوري، ما انعكس ارتياحاً لدى المواطنين في محيط دير القمر وعلى مختلف الطّرق المؤدّية اليها.