لبنان
06 كانون الثاني 2021, 12:15

البطريرك الرّاعي يوجّه ثلاثة نداءات في عيد الغطاس

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي قدّاس الغطاس صباحًا في بكركي، ألقى خلاله عظة قال فيها:

"تحتفل الكنيسة اليوم بعيد معموديّة يسوع على يد يوحنّا المعمدان، وبتذكار معموديّتنا. ونقيم رتبة تبريك الماء لاتّخاذه بركة إلى بيوتنا لكي يمنحنا الرّبّ النّعم الّتي نحتاجها في حياتنا. بعيد الغطاس أو الدّنح نختتم الأعياد الميلاديّة، فيسعدني أن أجدّد التّهاني والتّمنّيات لكم، أيّها الحاضرون معنا في كنيسة الكرسيّ البطريركيّ، وكلّ الّذين يشاركوننا عبر محطة تيلي لوميار– نورسات و Charity TVوالفيسبوك. وأرحّب بيننا بمكتب راعويّة الزّواج والعائلة في الدّائرة البطريركيّة.

يحمل العيد اسمين: الغطاس ويعني النّزول في الماء للاغتسال بماء المعموديّة. والدّنح وهو لفظة سريانيّة تعني الظّهور الإلهيّ. فلمّا اعتمد يسوع على يد يوحنّا، "ظهر" سرّ الله الواحد والثّالوث: الآب بالصّوت، والابن بشخص يسوع المسيح، والرّوح القدس الّذي حلّ عليه بشبه طير حمامة.

كانت معموديّة يوحنّا بالماء للتّوبة إقرارًا داخليًّا بالخطايا وعزمًا على الخروج من حالتها. النّزول في الماء يعني الموت عن الخطايا وإغراقها وإتلافها، والخروج من الماء يعني ولادة لحياة جديدة. معموديّة يوحنّا كانت مجرّد رمز للتّوبة، لكنّها كانت علامة سابقة لسرّ المعموديّة الّذي أسّسه الرّبّ يسوع بسرّ موته فداء عن خطايا البشريّة جمعاء، وقيامته لإعطاء الحياة الإلهيّة الجديدة لبني البشر وللعالم. تذكارًا للمياه الّتي قدّسها الرّبّ يسوع لنا بنزوله في ماء الأردنّ، وتذكارًا لمعوديّتنا الّتي تُتم فينا الولادة الثّانية من الماء والرّوح، نقيم رتبة تبريك الماء ليؤخذ بركة إلى البيوت، يشرب منها المرضى للشّفاء الجسديّ والرّوحيّ، وتُرش على أمتعة المنازل لفيض البركة الإلهيّة عليها، قائلين: "دايم دايم".

بالمعموديّة أصبحنا "خلقًا جديدًا"، لابسين المسيح بحسب تعبير القدّيس بولس الرّسول، فتأتي أقوالنا وأفعالنا ومواقفنا على مثال يسوع المسيح، وانعكاسًا لوجهه وشخصيّته. وأصبحنا مسكن الله، مظلّلين بمحبّة الآب، ومخلّصين بنعمة الابن، ومقدّسين بحلول الرّوح القدس.

هذا العيد يدعو الجميع إلى التّجدّد الشّخصيّ الدّاخليّ، إلى غسل القلوب وإعادة النّظر في نمط حياتنا وتصرّفاتنا، خصوصًا ونحن نعيش بلايا جائحة كورونا الّتي حجّمت جميع النّاس، وكبّلت الكرة الأرضيّة وشلّت كلّ حركة، وخلّفت وما زالت، كوارث اقتصاديّة وماليّة ومعيشيّة واجتماعيّة، وأكثر من كلّ ذلك، ضحايا بشريّة كلّ يوم.

وإنّي على ضوء هذا العيد ومقتضياته، ونداءاته إلى التّوبة وإلى التّجدّد، وإلى تغيير مجرى حياتنا ونمطها، أوجّه ثلاثة نداءات:

النّداء الأوّل، إلى فخامة رئيس الجمهوريّة ودولة رئيس الحكومة المكلّف، طالبًا منهما لقاء وجدانيًّا، لقاء مصالحة شخصيّة، لقاءً مسؤولاً عن انتشال البلاد من قعر الانهيار، بتشكيل حكومة إنقاذ بعيدة ومحرّرة من التّجاذبات السّياسيّة والحزبيّة، ومن المحاصصات. وأطلب من جميع القوى السّياسيّة المعنيّة، تسهيل هذا التّشكيل. فالسّياسة فنٌ شريف للبناء.

النّداء الثّاني، إلى المستشفيات الخاصّة، طالبًا إعداد ما يلزم من غرف وأجنحة لاستقبال إخوتنا وأخواتنا المصابين بوباء كورونا. فإنّهم بذلك يحدّون من انتشار هذا الوباء القتّال، ويساهمون في حماية المجتمع. إنّي أتفّهم معاناة المستشفيات الماليّة وتلكّؤ الدّولة عن دفع مستحقّاتها، ولكنّي مع القيّمين عليها نتكّل على العناية الإلهيّة الّتي تعرف كيف تعوّض، وكيف تفتح باب الخير بوجه المضحّين في سبيل الإخوة والأخوات لمساعدتهم.

فمن المؤلم حقًّا أن يكون مجموع أسرّة العناية الفائقة المخصّصة لمرضى كورونا هو فقط ثلاثة وسبعون، بينما عدد المستشفيات الخاصّة سبعة وستّون، فلا بدّ من أن تتعاون هذه المستشفيات في تغطية المصابين المتواجدين في مناطقها، أقضيةً ومحافظات.

وفي المناسبة أجدّد النّداء مع وزارتي الصّحّة والدّاخليّة إلى المواطنين للتّقيّد بالتّوجيهات المعطاة، حمايةً لذواتهم ولغيرهم.

النّداء الثّالث، إلى المصارف، من أجل تطبيق قانون "دولار الطّالب"، بحيث يتمكّن أهالي الطّلّاب من تحويل المال لهم، وهم يتابعون دروسهم العليا في الخارح. فمن حقّ هؤلاء الطّلّاب أن يعيشوا بكرامة من مال اهلهم المودع في المصارف، من أجل تسديد أقساطهم الجامعيّة، وتأمين أكلهم وشربهم وسكنهم.

يا ربّ، إليك نكل حياتنا. وهذه النّداءات الثّلاثة راجين أن تقع في قلوب الموجّهة إليهم. جدّدنا بنعمة معموديّتك لنكون خلقًا جديدًا يعكس وجهك القدّوس. لك المجد والشّكر والتّسبيح، أيّها الآب والإبن والرّوح القدس الآن وإلى الأبد، آمين."