البطريرك الراعي يشارك في احتفال تسليم الإفادات للمحامين الذين تابعوا دورة المحاكم الروحية
استهل اللقاء بالنشيد الوطني اللبناني ثم القى المشرف على المحكمة الابتدائية المارونية الموحدة المطران حنا علوان كلمة قال فيها:" بتحفيز وتشجيع من غبطتكم يا صاحب النيافة، لتحسين العمل القضائي ولرفع مستوى الاداء على صعيد التثقيف المهني وصقل المهارات لدى كل العاملين في محاكمنا المارونية، كنا منذ فترة من الزمن قد بدأنا بإقامة دورات تثقيفية وإعطاء دورس لكل الفئات من موظفين قضائيين او غير قضائيين ومن إداريين وغيرهم وما تزال تلك النشاطات مستمرة حتى الساعة في محاكمنا. وكان من الضروري ان تشمل هذه النهضة ايضاً الاساتذة المحاميات والمحامين الذين يمارسون مهنتهم أمام محاكمنا الخاصة، في ضوء تطورات القوانين الكنسية، لذا وبالتعاون المشكور وبالاتفاق مع نقابتي المحامين في لبنان، قررنا سوية، منذ سنتين تماماً، أن نقيم دورة دروس اعدادية للمحامين الذين لا يملكون شهادة في الحقوق الكنسية التي تفرضها أصول محاكماتنا الكنسية، شملت قانون الزواج وقانون اصول المحاكمات الكنسية وقانون الاحوال الشخصية بالإضافة إلى دروس تطبيقية عملية. وكان لنا الشرف الكبير بان تكرمتم يا صاحب الغبطة آنذاك، أي منذ سنتين بتخريج الدفعة الاولى وبتقديم افادات الدورة، كونكم رأس الكنيسة وتشرفون على اعمال ونشاطات كل المؤسسات التابعة لها."
وتابع علوان:"في صيف تلك السنة بالذات 2015 وأثناء العطلة القضائية، فاجأ قداسة البابا فرنسيس الكنيسة جمعاء بإصدار قانون جديد في اصول المحاكمات الكنسية للدعاوى الزواجية، بشكل إرادة رسولية بعنوان: "يسوع العطوف الرحوم"، وحدد تاريخ دخولها حيز التنفيذ في الثامن من كانون الاول 2015، ثم اتبعها بمرسوم تطبيقي قرر فيه نقل صلاحية محكمة الروتا الرومانية، فيما يخص المفاعيل المدنية للزواج لدى الشرقيين، إلى المحاكم الروحية المحلية. إن كل هذه التدابير الجديدة في اصول المحاكمات الكنسية اقتضت اقامة دورات جديدة للعاملين في هذا المجال، كما اقتضى بعد مرور سنتين على الدورة الاعدادية للمحامين في نقابة بيروت ان تقام دورة ثانية هذه السنة. وبالاتفاق مع النقابة المذكورة، أعلنا سوية عن اقامة دورة جديدة هذه السنة، وكم كانت دهشتنا جميعاً لتهافت هذا العدد الكبير من المحامين والمحاميات لمتابعتها، وقد بلغ عددهم مائتين وأربعة ستون مشتركاً. هذا يدل في الدرجة الاولى على مدى الجدّية ومقدار المهنية والرصانة التي ينتهجها محامونا ومحامياتنا في عملهم، ومدى رغبتهم في التوغل في مجالات الاختصاص في الدفاع عن حقوق الناس ومصالحهم، ويدل بالدرجة الثانية على مدى اهتمام المتابعين للدورة بالقضايا الزواجية وما يُلحق بها من مفاعيل مدنية من حق حراسة وحضانة ومشاهدة ونفقة وغيرها من القضايا الحيوية للوالدين المتقاضيين كما وللأولاد على السواء. وها نحن اليوم، يا صاحب الغبطة والنيافة نفخر باختتام هذه الدورة الثانية بترأسكم مرةً أخرى، بعدما تكرمتم بمحبتكم الأبوية، وتبنيتم هذا النشاط وتكللونه اليوم بتسليمكم شخصياً الشهادات للمحامين دلالة على اهتمامكم الشخصي بأمور محاكمنا وعلى حرصكم على ان يبقى العمل فيها على أرفع المستويات المهنية والعلمية، خدمةً للمتقاضين وخوفاً على تفكك العائلات، في زمن سهل فيه الاسراع إلى المحاكم لدى أي خلاف زوجي عادي."
وأضاف علوان:" أيها المحامون والمحاميات،ان الكنيسة اذ تشكر لكم اهتمامكم بقضايا الزواج والعائلة وباختياركم التعمق في هذا المضار من ضمن مهنتكم الشريفة، أود أن أرحب بكم في محاكمنا، وأن أذكركم بما تعرفونه وبما سمعتموه أثناء الدورة التي تابعتموها حول نوعية واجبكم المقدس في المحاكم الروحية، لأن الكنيسة تعتبر في اصول المحاكمات لديها ان المحامي، وإن كان يتولى الدفاع عن طرف من طرفي النزاع، لا يجب ان يغرب عن باله بأنه هو بالدرجة الاولى المعاون للقاضي في الوصول إلى الحقيقة وفي إظهار الحق لإعطائه إلى صاحبه. ليس الهدف من دعوى بطلان زواج هو ربح الدعوى بالوصول إلى اعلان البطلان بقدر ما هو اكتشاف صحة او عدم صحة سر من اسرار الكنيسة المقدسة في حالة معينة. فالقاضي يحكم باسم الكنيسة عن أمر مقدس وحقيقة سر من اسرارها، فلا يمكنه إلا أن يبنى حكمه على الحقيقة والعدل، ودور المحامي فيه دور اساسي في المساهمة مع القاضي للوصول إلى هذه الحقيقة المجردة، لأن العائلة التي تُفك بحكم بطلان او هجر تبقى على ضمير من حكم بها استناداً إلى أعمال الدعوى القضائية، التي يسهم بوضعها بشكل كبير المحامون الذين تولوا الدفاع عن كلٍ من الزوجين فيها."
وقال علوان:" إن غبطة ابينا السيد البطريرك في كلمته التوجيهية في افتتاح السنة القضائية هذه السنة، في الثالث والعشرين من كانون الاول 2016، شارك كل العاملين في المحكمة من قضاة وموظفين قضائيين وغير قضائيين في همّ الكنيسة الراعوي اليومي، بقوله: أودّ في هذه الكلمة أن اشاطرَكم الهمَّ الرّاعوي الكبير بشأن الزّواج والعائلة، فيما نحن نشهد تهافتًا خطيرًا ومخيفًا إلى محاكمنا للحصول على بطلان الزواج، وإلى إبدال المذهب أو الدِّين للحصول على الطّلاق، من دون أيّ اعتبار للسرّ المقدّس وللعهد الذي قطعَه الزّوجان بينهما ومع الله ومع أولادهما. إنّنا بحاجة ماسّة إلى راعويّة فاعلة ومعمَّقة للزواج والعائلة في الأبرشيّات والرّعايا، وإلى تأسيس وتفعيل مراكز الإعداد للزّواج، ومراكز الإصغاء والمواكبة للازواج المتعثّرين من أجل حلّ النّزاعات قبل تفاقمها. كما نحتاج إلى مساهمة قضاة المحكمة في تعزيز التّفاهم الحبّي والمصالحة بين الزوجَين المتخاصمَين، وتجنّب الضّرر النّفسي والعاطفي الذي يصيب أولادهما الأبرياء".
واردف علوان:" ايها المحامون والمحاميات أود ان ادعوكم انتم ايضاً اليوم إلى الانضمام إلى مجهود الكنيسة الراعوي هذا، تجاه العائلات المفككة، واطلب منكم كما يطلب من كل العاملين والمتعاونين معنا في المحاكم ان تكونوا تجاه المتقاضين رسل مصالحة وتواصل وإرشاد لإيجاد الحلول الأقل ضرراً على المتخاصمين وتكونوا صوت الحلقات الاضعف فيها والتي في غالب الاحيان تتمثل بالأولاد القاصرين، كما جاء على لسان البابا فرنسيس في الارشاد الرسولي فرح الحب بقوله: "على الرغم من أن الكنيسة تتفهم حالات النزاع التي قد يمر بها الأزواج، إلا أنه لا يمكنها أن تتوقف عن أن تكون صوتَ الاشخاص الأكثر ضعفًا، أي الأطفال الذين يتألمون غالبًا بصمت" (فرح الحب، 246).
وختم علوان:" يسرني ان اوجه تحية خاصة لسعادة النقيب الاستاذ انطونيو الهاشم والى كل اعضاء النقابة للتعاون البناء والجدي الرصين وللتفاهم المتبادل الدائم والسعي المشترك لحل الامور العالقة بين مؤسستينا بأفضل الطرق. كما اود ان اشكر الاستاذة ساميا نصار الاسمر وفريق معاونيها في معهد المحاماة في النقابة على عملها الدؤوب لتنظيم هذه الدورة وإنجاحها.
بعدها القى نقيب المحامين انطونيو الهاشم كلمة قال فيها:" نحن في صرح بكركي قلب الشرق الذي يتكلم باسم لبنان والشرق فما عسانا نقول وحجارته هي التي تتكلم. صحيح ان مجد لبنان اعطي له وليس عن عبث وانه لولا الموارنة لما كان هناك لبنان. ولو قدر لي ان اختار اية طائفة اريد لأعدت اختيار المارونية لأنني اعتز متواضعا بعنفوان ان اكون مارونيا."
وأضاف الهاشم:" ببالغ الحبور تبلغنا منذ فترة وجيزة نبأ تسميتكم يا صاحب الغبطة محاميا روتاليا من قبل قداسة البابا فرنسيس فباسم النقابة نهنئ لبنان ونهنئ كنيستنا ومؤمنينا والشعب اللبناني على هذه الإلتفاتة المميزة التي خصكم بها قداسة البابا بفضل علمكم وثقافتكم الرفيعة وحضوركم الراعي لرأس الكنيسة المارونية. ونحن نؤكد لكم ان لبنان سيبقى بفضل رعايتكم وحكمتكم وطنا موحدا ونهائيا لجميع ابنائه."
وتابع الهاشم:" كلنا مدعوون قضاة ومحامون ورجال علم القانون الى اعتماد نهج جديد يرتقي بنا نحو صفاء الذات الإنسانية ومدعوون الى حسن تطبيق القوانين كي تصبح اداة نظام وسلام قانون محبة وتسامح ورباط وحدة مشاركة. والقانون يبقى دائما فن الخير والصلاح والإنصاف والقوانين ما وضعت الا لأهداف روحية لا لما عداها من اهداف. "
واضاف الهاشم:" ان علاقة القانون بالكتاب المقدس واللاهوت هي علاقة جذرية ومتأصلة. السلطة في الكنيسة خدمة، والسلطات التشريعية والإدارية والقضائية هي في خدمة المؤمنين. لا خوف على الكنيسة ولا خوف على القانون في المحاكم الروحية. لقد كانت المحاكم تسير باشراف غبطتكم لأعوام عديدة خلت وهي اليوم اكثر رعاية وعداالة وهي لا زالت باشرافكم يا صاحب الغبطة راعي مسيرة التجديد في كنائسنا الشرقية."
وختم الهاشم:" نعرب عن تقديرنا وشكرنا لسيادة المطران حنا علوان الداعم والمساهم الأول في تفعيل ونجاح هذه الدورات وننوه بجهود كل من ساهمك من محاضرين في تنظيم هذه الدورة."
وفي الختام القى البطريرك الراعي كلمة رحب فيها بالحضور وقال:" ان هذا اللقاء الجميل الذي بدأناه بالنشيد الوطني اللبناني وبتلاوة الصلاة على نية المحامين له مدلولاته الخاصة. فالنشيد الوطني اللبناني للقول بان المحامين هم في خدمة لبنان الوطن لبنان الدستور والقانون. اما الصلاة فلقد قلنا فيها يارب ابق معي في مكتبي ومطالعاتي وعندما اقول رأيي لان خدمة المحامي هي خدمة الحقيقة والعدالة والإنصاف ومصدرها واحد وهو الله."
وتابع غبطته:" انه احتفال وطني مقدس، و نحن في مكان وظرف مقدس ووطني. ولبنان اليوم بامس الحاجة الى الحقيقة والعدالة والإنصاف. انتم تدرسون القانون بكل مفاهيمه فتعودون الى كل المراجع التعليمية والإجتهادات تتألمون كثيرا عندما ترون ان القانون مسيس والعدالة مسيسة وغير محترمة. "
واضاف غبطته:"ان الأزمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والقضائية التي نعيشها اليوم هي بسبب المسؤولين الذين يستبيحون الدستور والقوانين. فلا نتعجب من اناس تعودوا على المخالفة لأن الشاطر هو من يخالف وبات اليوم من لا يخالف لا يفهم شيئا، وللأسف هذا يحصل لأن هناك من السياسيين من يدعم المخالفين والخارجين على العدالة والقانون. اقول لكم هذا لكي لا تتخلوا انتم عن خدمة الحقيقة والعدالة والإنصاف لتمجيد الله. عملكم هو مهنة مقدسة وليس مجرد مهنة لأنه مهنة تحمل خدمة حضور الله في المجتمع. هكذا اقرأ هذا الإتفاق بين نقابتي المحامين في طرابلس وبيروت ومحاكمنا المارونية. وبالطبع فان ال264 محاميا الذين تابعوا الدورة اكتسبوا ثقافة كنسية وقانونية وقراوا كيف تعيش الكنيسة العدالة والحقيقة والإنصاف. "
وقال غبطته:" الشريعة الأسمى هي خلاص النفوس"، هذه هي خدمتكم المقدسة التي اهنئكم عليها انها خدمة القانون. لذلك يجب ان لا تدعوا المكسب الشخصي يخسركم الرسالة او انفسكم لتربحوا قضية على حساب الحقيقة والعدالة والإنصاف. لنا الحق في ان نربح القضية ولكن ليس بالكذب او الظلم. اضيفوا الى القوانين المدنية هذا القانون الكنسي" الشريعة الأسمى هي خلاص النفوس."
واردف غبطته:" نحن نعتز بكم فلا تتاثروا بما يدور حولكم اليوم. انتم في خدمة القانون ترفضون اي مكسب ينافي الحقيقة والعدالة والإنصاف ويجب ان تقاوموا اي تدخل سياسي ضد الحقيقة والعدالة والإنصاف. نحن امام مشكلة اضراب في السجون والمطالبة بالعفو العام لجميع المساجين في لبنان وهذا نتيجة عدم احترام السلطة السياسية للدستور والقانون. الأمر الذي يحمل المواطنين لإستباحة كل شيء ولو كان منافيا للقانون والعدالة. لا يمكننا ان نعيش في لبنان دولة من دون قانون او دستور ودولة تستباح فيها كل القوانين. فكونوا شهودا للحقيقة اينما كنتم."